درءُ المغرب خروجَ مجلس الأمن بصيغةٍ مناوئة لأطروحته في ملفِّ الصحراء، وفشلُ خصومهِ في تضمين القرار الأممي تنصيصًا على توسيع مهام بعثه المينورسُو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في أقاليمه الجنوبيَّة، أمرانِ لا ينهيانِ متاعبَ المغرب، حسب الأستاذ ميلود بلقاضِي،الذِي يحذرُ المغربَ من مغبَّة الارتياح للمكاسب التِي أحرزهَا، بالنظر إلى وجودِ ألغامِ كثيرة مزروعة في لغة القرار المجاملة والغامضة. سيما بعد دخول الملك على الخطِّ وتنبيهه إلى انزلاقاتِ "بانْ كِي مُون". الدكتور بلقاضِي، يشرحُ القرار الأممِي حول الصحراء، من حيثُ مرجعياته، كمَا يضعهُ ضمنَ سياقِ التصويت، ليلخصَ إلى أنَّ صيغته النهائيَّة المتبناة قومتْ ما زاغَ به بان كي مون عن جادة الحياد، وشكلت خيبة أمل للجزائر في تحويل القضيَّة إلى "تصفيَة استعمار"، وإحداث آليَّة لمراقبة استغلال موارد الأقاليم الجنوبيَّة. بيدَ أنَّ المغرب لمْ يسلمْ من "شر" القرار، كما يوضحُ الباحث، ما دامَ ينصُّ على الاستفتاء حلًّا لنزاع الصحراء، في إبعاد صريحٍ لمشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007. فيما يلِي نصُّ مقال الأستاذ بلقاضي كما ورد إلى هسبريس؛ يلاحظ المهتم بملف الصحراء كيف تم تأويل هذا القرار من طرف المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو بما ينسجم مع مصالحهم لإقناع شعوبها بأن الشرعية الدولية مع مطالبها المشروعة في حين ان مضامين القرار وصياغته فيها الكثير من الغموض والمجاملات الدبلوماسية الخادعة على المغرب ان ينتبه اليها بحذر شديد لان القرار فيه مكاسب للمغرب وفيه مخاطر، لكون القرار تضمن حلولا لفروع النزاع حول الصحراء المغربية وليس حلول جذرية له. ولتوضيح هذه الأمور نقدم القراءة التالية. * سياق التصويت على القرار : السياق العام الذي صوت فيه مجلس الأمن على القرار رقم 2152 (2014) يوم 29 ابريل 2014 حول الصحراء الغربية هو سياق صعب ودقيق لكل أطراف الصراع، وفي مقدمتهم المغرب الذي كان في حاجة لهذا القرار ليتنفس الصعداء بعدما كاد التقرير الأممي أن يرجع النزاع حول الصحراء إلى الدرجة الصفر، لولا الرد الملكي الصارم على تقرير الأمين العام وتدخل فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وروسيا وبريطانيا والصين لإدخال تعديلات على التقرير الأممي في آخر لحظة. * مرجعيات القرار: مرجعيات القرار هي جميع قراراته السابقة بشأن الصحراء الغربية الداعمة للجهود التي يبذلها الأمين العام ومبعوثه الشخصي لتنفيذ القرارات 1754 (2007) و 1783 (2007) و 1813 (2008) و 1871 (2009) و 1920 (2010) و 1979 (2011) و 2044 (2012) و 2099 (2013، والملاحظ في هذه القرارات انها تحتوي على عدة توصيات غامضة على المغرب ان يدقق فيها قبل فوات الأوان . *مضامين القرار: القرار الصادر على مجلس الأمن أدخل تعديلات على بعض مضامين التقرير وحافظ عن أخرى وسنحاول ان ننطلق مما حافظ عليه القرار لما فيه تحديات كبرى للمغرب. - أكد القرار تشبت مجلس الأمن التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين،وهنا نلاحظ كيف اخرج القرار الجزائر من الأطراف في حين يعرف مجلس الأمن ان جوهر النزاع بالصحراء هو بين المغرب والجزائر اما جبهة البوليساريو فهي تؤدي وظائف بالوكالة وهذا أول حيف في حق المغرب. - نص القرار ان الحل السياسي والعادل يجب ان يكفل » لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره « في سياق ترتيبات تتماشى مع مبادئ ميثاق الأممالمتحدة ومقاصده، وهذا ثان حيف في حق المغرب لانه تجاهل مشروع الحكم الذاتي كإطار تفاوضي وعاد بالنزاع الى مبدأ تقرير المصير. - أكد القرار انه يجب وضع حد ‘للمأزق الراهن' وإحراز تقدم نحو' إيجاد حل سياسي'دون تحديد من المسؤول عن هذا المأزق، مضيفا بان هذا ا ‘لنزاع قد طال أمده،' وبان ‘التسليم بتكريس الوضع القائم ليس مقبولا' وهو ما يعني ان مجلس الأمن لم يعد قادرا تحمل استمرار النزاع على هذا الوضع . وفي هذا إشارات قوية للمغرب ولباقي الأطراف للتسريع بإيجاد حل سياسي وعادل لهذا النزاع واضعا المغرب وجبهة البوليسلريو في كفة متساوية رغم التنازلات المتعددة والمبادرات الشجاعة التي يطرحها المغرب عكس قيادات الجزائر ومخيمات تندوف التي تسترزق بالملف الصحراوي. - أشار القرار وبكيفية منحازة لأعداء الوحدة الترابية- ان إحراز أي تقدم في المفاوضات أمرٌ أساسي لتحسين نوعية حياة « شعب الصحراء الغربية » من جميع جوانبها دون أي إشارة لمحتجزي بتندوف المفتقدين لأبسط شروط الحيات الكريمة . - مطالبة بعثة الأممالمتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية إتباع نهج صارم إزاء نشر عمليات حفظ السلام وإدارة الموارد إدارة فعالة، )نلاحظ هنا حفاظ القرار على كلمة الاستفتاء في الصحراء الغربية في حين انها فكرة الاستفتاء أصبحت متجاوزة وهذا تحدي آخر للمغرب.( - تأكيد القرار قلق مجلس الأمن إزاء حالات انتهاك الاتفاقات القائمة، وهو بكيفية مباشرة يقصد المغرب أكثر من جبهة البوليساريو وفي هذا حيف آخر للمغرب الذي أبان عن حسن التزاماته عكس البوليساريو التي ما زالت مستمرة في تحديها لكل مضامين القرارات الاممية. - عكس تقرير ألامين العام جاء قرار مجلس الأمن منصفا للمغرب في إثارة المقترح المغربي الذي قدم إلى الأمين العام في 11 أبريل 2007،مرحبا بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدماً بالعملية صوب التسوية؛ وفي نفس الوقت – وبكيفية عابرة – أثار القرار مقترح جبهة البوليساريو المقدم إلى الأمين العام في 10 أبريل 2007. - دعوة القرار الطرفين بمواصلة عملية المفاوضات، دون ذكر الجزائر رغم اقتناع المجتمع الدولي انها هي الرقم الصعب في معادلة النزاع. - دعوة مجلس الأمن لأهمية تحسين حالة حقوق الإنسان وتعزيزها وحمايتها في الصحراء الغربية ومخيمات تندوف للاجئين، بما في ذلك حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات . وفي هذه النقطة نسجل حيفا آخر في هذا القرار ضد المغرب، لان لا يعقل ان نقارن الوضع الحقوقي بالمغرب بالوضع الحقوقي بمخيمات تندوف حيث يمنع دستورها الغريب منع تأسيس الأحزاب والجمعيات وحرية الرأي وحرية التعبير . وفي هذا الصدد، وبلغة دبلوماسية ماكرة أشاد القرار بالخطوات والمبادرات الأخيرة التي اتخذها المغرب من أجل تعزيز لجنتي المجلس الوطني لحقوق الإنسان العاملتين في الداخلة والعيون، وباستمرار المغرب في التفاعل مع الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بما فيها تلك المزمعة لعام 2014، فضلاً عن الزيارة المقرر أن تقوم بها مفوضية حقوق الإنسان في عام 2014، وفي نفس الوقت رحب القرارتنفيذ برنامج تعزيز حماية اللاجئين الذي أعدته مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين بالتنسيق مع جبهة البوليساريو داعيا اياه النظر في تسجيل اللاجئين في مخيمات تندوف للاجئين. * أهداف القرار: حدد مجلس الامن 14 توصية في قراره ، نركز على أهمها: - تمديد ولاية البعثة حتى 30 أبريل 2015 وعدم تبني المجلس آليات جديدة لمراقبة حقوق الإنسان من خلال توسيع صلاحيات المينورسو في هذا الخصوص ، عكس ما نص عليه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة وهذا انتصار للمغرب وان كان مؤقتا. - دعوة الأطراف لضرورة الاحترام التام للاتفاقات العسكرية التي تم التوصل إليها مع البعثة بشأن وقف إطلاق النار، ويدعو الطرفين إلى التقيد التام بتلك الاتفاقات؛ وهنا نسجل سكوت القرار على دعوات قيادة البوليساريو العودة لحمل السلاح ضد المغرب. - دعوة جميع الأطراف إلى إبداء التعاون التام مع عمليات البعثة، دون تحديد من هاته الأطراف وان كان المقصود بها بالدرجة الأولى المغرب وجبهة البوليساريو وليس المغرب والجزائر . - الترحيب بالتزام الطرفين- نلاحظ هنا كلمة الطرفين وليس الأطراف وخصوصا الجزائر- بمواصلة عملية التحضير لعقد جولة خامسة من المفاوضات، لكن» شريطة تحلّي الطرفين بالواقعية والرغبة في التسوية أمرٌ ضروري لإحراز تقدم في المفاوضات« . نلاحظ - هنا- كيف يضع القرار المغرب وجبهة البوليساريو في نفس الكفة على مستوى المطالبة التحلي بالواقعية والرغبة في التسوية. - دعوة الطرفين إلى مواصلة إبداء الإرادة السياسية والعمل في بيئة مواتية للحوار من أجل الدخول في مرحلة مفاوضات أكثر كثافة وموضوعية، وهنا – ايضا- سكت القرار عن صعوبة أي تقدم دون انخراط الجزائر وليس البوليساريو في هذه المفاوضات وتحديد صفة المفاوض . - تأكيد القرار دعم مجلس الامن القوي لالتزام الأمين العام ومبعوثه الشخصي بإيجاد حل لمسألة الصحراء الغربية وقد سكت القرار عن الأجندة الزمانية في حين حددها تقرير الامين العام للام المتحدة قبل نهاية ابريل 2015. وهذا احد التحديات الخطيرة للمغرب . - دعوة مجلس الأمن الطرفين إلى مواصلة المفاوضات برعاية الأمين العام دون شروط مسبقة وبحسن نية، وذلك بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين يكفل » لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره «، وهذ ا الهدف يعد من اخطر أهداف هذا القرار لانه يربط الحل السياسي العادل والدائم بما يكفل » لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره « وهي بالمناسبة توصية حاضرة في كل التقارير الاممية وقرارات مجلس الامن وعلى المغرب ان ينتبه اليها بجد. -مطالبة الأمين العام أن يقدم بانتظام إحاطات إلى مجلس الأمن، مرتين في السنة على الأقل، عن حالة هذه المفاوضات التي تجري تحت رعايته والتقدم المحرز فيها، وعن تنفيذ هذا القرار، وعن التحديات التي تواجهها عمليات البعثة، والخطوات المتخذة للتصدي لها؛ وتعتبر هذه التوصية –أيضا- من التوصيات الخطيرة في القرار لانه يضع المغرب في موضع صعب يتطلب الكثير من الحيطة والحذر في تدبير هذا الملف داخليا وخارجيا. وفي نهاية هذه القراءة نقول ان قرار مجلس الامن أعاد التوازن الى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي انحاز فيه بشكل مفضوح لجانب البوليساريو ،بعد اعتبار قضية « الصحراء قضية تصفية استعمار « ، وحصر طرفي النزاع في المغرب والبوليساريو وبدون الجزائر.كما ان القرار لم يطالب وضع آليات جديدة لمراقبة حقوق الانسان من خلال توسيع صلاحيات المينورسو في هذا الخصوص ، كما كانت ترغب الجزائر والبوليساريو الذين كانوا يرغبون توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء للمس بالسيادة الوطنية لتتحول معها قضية الصحراء من قضية وطنية هي « قضية تصفية استعمار ». ومن مزايا القرار– - ايضا- عدم الدعوة الى إحداث آليات خاصة تشرف عليها الأممالمتحدة لوقف ما سماه بنهب الموارد الطبيعية بالصحراء-كما كانت ترغب بذلك الجزائر والبوليساريو - بهدف المس بسيادة المغرب وحريته في تدبير موارده الطبيعية باقاليمه الجنوبية ،ومن تم إلغاء وبأثر رجعي كل الاتفاقيات التي ابرمها المغرب الدولة ذات السيادة ، مع دول اخرى مثل الاتفاقية المتعلقة باستغلال الصيد البحري ، والاتفاقيات المتعلقة باستغلال موارد الطاقة والتنقيب على البترول والفوسفاط والمعادن الخ . لكن الى جانب هذه النقط الايجابية التي جاء بها تضمن قرار مجلس الأمن توصيات خطيرة لمستقبل المغرب على صحراءه – مع كل أسف تم السكوت عنها عند عدد من الفاعلين والاعلاميين- ومن أخطرها- كما اشرنا الى ذلك في المقدمة- نص القرار على خيار واحد لحل لنزاع الصحراء هو الاستفتاء لتقرير المصير ، وهذا هو ما يجب المغرب الانتباه اليه لانه يشير الى تطابق وجهتي قرار مجلس الأمن وتقرير ألامين العام للامم المتحدة لان التشبت بخيار الاستفتلاء لتقرير المصير كخيار وحيد لحل نزاع الصحراء هو إبعاد مباشر لمشروع الحكم الذاتي الذي تبناه المغرب منذ 2007 .والأكيد ان تنصيص القرار على خيار الاستفتاء وتقرير المصير كحل اممي سيجعل المغرب في مأزق حقيقي اذا لم يتحرك منذ الآن لإقناع المجتمع الدولي بخيار مشروع الحكم الذاتي وان كان المغاربة مقتنعون على ا ن خيار الاستفتاء في الصحراء المغربية هو حق يراد به باطل. وعلى ذا الأساس فعدم تنصيص القرار على توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل آليات جديدة لمراقبة حقوق الإنسان بالمنطقة الصحراوية المتنازع عليها ،لا يعني حلا نهائيا لملف حقوق الانسان النعقد بل انه حل مرحلي قابل للانفجار في أي لحظة نتيجة مناورات لاجزائر وجبهة البوليساريو واستفزازات بعض الانفصاليين لرجال الامن بالصحراء وبعض المنظمات الدولية للمغرب. وفي نهاية هذه القراءة لقرار مجلس الامن رقم 2152 بخصوص نزاع الصحراء نقول قد ربح المغرب المعركة لكنه لم يربح الحرب ،وعلى وزارة الخارجية والحكومة والبرلمان والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ونخب الصحراء واعيان وشيوخ القبائل والإعلام الرسمي والكوركاس ان يعوا ويفهموا – جيدا- ان المؤسسة الملكية ليست في حاجة لمن يهلل على مبادراتها الذكية والفاعلة في ملف الصحراء بل هي في حاجة الى كل القوى الحية بالبلاد- حتى المهاجرين المغاربة بالخارج – لكي يستعدوا بما فيه الكفاية لما هو اخطر ، لان قرار مجلس الامن حول النزاع بالصحراء حل بعض المشاكل الطارئة بالملف ولم يحل عمق وجوهر النزاع القائم اصلا بين المغرب والجزائر ،دون ان نغفل مطالبة الدوائر الرسمية المسؤولة عن تدبير ملف الصحراء التواصل مع الرأي العام جول مستجدات ملف الصحراء لكي لا يبق الشعب المغربي كأذرع بشرية بل شريكا أساسيا يمتلك المعلومة الصحيحة حول قضيته الاولى ليعرف كيف يواجه اعداء قضيته داخليا وخارجيا. [email protected]