هذا هو موعد بدأ خط القنيطرة-مراكش    المغرب – الصين: الريادة النسائية في عصر الذكاء الاصطناعي محور ندوة بالرباط    في انتظار إحالته على قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف .. سجن عكاشة يستقبل محمد بودريقة الرئيس السابق للرجاء الرياضي    مذكرة السبت والأحد 26/27 أبريل    انطلاق الإحصاء المتعلق بالخدمة العسكرية    زخات رعدية مصحوبة بالبرد مرتقبة الجمعة بعدد من مناطق المملكة    بعد الأحكام الأخيرة.. أسرة ياسين الشبلي تعلن اللجوء للقضاء الدولي    "البيجيدي" يعلن غياب وفد "حماس" عن مؤتمره    ضابط شرطة يطلق رصاصا تحذيريا لإيقاف مروج مخدرات حرض كلابا شرسة ضد عناصر الأمن بجرادة    قضية "إسكوبار الصحراء".. تفاصيل المواجهة بين الناصيري والملياردير اليزيدي    الريال المترنح يتحدى برشلونة المتوهج في "كلاسيكو الأرض"    مهرجان "كوميديا بلانكا" يعود في نسخته الثانية بالدار البيضاء    "أمنستي" تدين تصاعد القمع بالجزائر    "أسبوع المغرب في موريتانيا" يعزز الشراكة الاقتصادية والثقافية بين البلدين    أرباح اتصالات المغرب تتراجع 5.9% خلال الربع الأول من 2025    المغرب استورد أزيد من 820 ألف طن من النفايات والمواد القابلة لإعادة التدوير خلال 2024    بوليساريو ، قناع الإرهاب يسقط في واشنطن…    أبرزها "كلاسيكو" بين الجيش والوداد.. العصبة تكشف عن برنامج الجولة 28    طنجة.. ندوة تنزيل تصاميم التهيئة تدعو لتقوية دور الجماعات وتقدم 15 توصية لتجاوز التعثرات    اتفاقية تدعم مقاولات الصناعة الغذائية    "البيجيدي" يعلن عدم حضور وفد حماس في جلسة افتتاح مؤتمره التاسع ببوزنيقة    الإعلان عن صفقة ب 11.3 مليار لتأهيل مطار الناظور- العروي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    ميسي يطلب التعاقد مع مودريتش.. وإنتر ميامي يتحرك    السايح مدرب منتخب "الفوتسال" للسيدات: "هدفنا هو التتويج بلقب "الكان" وأكدنا بأننا جاهزين لجميع السيناريوهات"    شراكة تجمع "ويبوك" وجامعة كرة القدم    محاكمة أطباء دييغو مارادونا تكشف تفاصيل الأيام الأخيرة    فوضى أمام الفاتيكان في اليوم الأخير لوداع البابا فرنسيس الأول    على حمار أعْرَج يزُفّون ثقافتنا في هودج !    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يناقش "الحق في المدينة" وتحولات العمران    جرادة.. ضابط شرطة يطلق النار لتتوقيف ممبحوث عنه واجه الأمن بالكلاب الشرسة    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    رفضا للإبادة في غزة.. إسبانيا تلغي صفقة تسلح مع شركة إسرائيلية    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    الزلزولي يعود للتهديف ويقود بيتيس نحو دوري الأبطال    الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية مع واشنطن: لا مشاورات ولا اتفاق في الأفق    من قبة البرلمان الجزائر: نائب برلماني يدعو إلى إعدام المخنثين    الدليل العملي لتجويد الأبحاث الجنائية يشكل خارطة طريق عملية لفائدة قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية    رواد سفينة الفضاء "شنتشو-20" يدخلون محطة الفضاء الصينية    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    حين يصنع النظام الجزائري أزماته: من "هاشتاغ" عابر إلى تصفية حسابات داخلية باسم السيادة    الشيخ بنكيران إلى ولاية رابعة على رأس "زاوية المصباح"    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    مهرجان "السينما والمدرسة" يعود إلى طنجة في دورته الثانية لتعزيز الإبداع والنقد لدى الشباب    هل يُطْوى ملفّ النزاع حول الصحراء في‮ ‬ذكراه الخمسين؟    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضة وإحياء الدولة الإسلامية من خلال حديث الروح..؟
نشر في هسبريس يوم 05 - 05 - 2014

في ذكرى وفاة فيلسوف الذاتية محمد إقبال أبريل 1938 (3)
كان مالك بن نبي رحمه الله من المفكرين الذي اهتموا بأمر النهضة ووضع في الموضوع مجموعة من المؤلفات وكان أهم كتاب في الموضوع الذي عنوانه (شروط النهضة) وفيه حاول من جانبه أن يحدد أهم الشروط التي يجب توفرها لنهضة الشعوب الإسلامية أو الأمة الإسلامية، والواقع ان مالك حاول في هذا المؤلف ان يستخلص عوامل التخلف والتي اسماها (القابلية للاستعمار) ومن خلال معالجة هذه العوامل يضع تلك الشروط وإذا حاولنا أن نربط بين ذلك و ما كتبه إقبال في هاتين (القصيدتين) وجدنا أن تحليله لواقع الأمة الإسلامية هو نفسه وإذا كان إقبال أراد بناء الذات الإسلامية لأمة جديدة على أساس فلسفي مرتبط بالعمق الصوفي للأمة وفي نفس الوقت ينعى إقبال على الأمة روح التواكل والخمول ويريدها امة قوية تغوص في عمق القوانين الكونية والسنن الإلهية التي لا تتبدل، فإنه عالج الموضوع نثرا وشعرا وعالج الأفكار والنظريات المتصلة بنهضة الأمم وسقوطها. وفي هاتين القصيدتين تعرض لكثير إن لم يكن كل المثبطات والعوائق التي تقف في وجه تقدم الأمة، والسؤال تقليدي منذ طرحه الجيل الأول وصاغه شكيب ارسلان وأجاب عنه بعنوان: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وهو ما يطرحه اقبال في شكوى ووضع له الجواب الكافي والشامل في جواب شكوى.
وقد تعرضنا في حديث الأسبوع المنصرم إلى بعض مضامين الشكوى وفي حديث اليوم نتناول بعض الأجوبة التي يرى إقبال أنها سبب ما أصاب الأمة من تخلف وانحطاط وهو في طرحه هذه الأسباب يلتقي مع الكثيرين من رواد النهضة كما أشرنا إلى ذلك في مناسبات سابقة، ولكن الكيفية التي يطرح بها إقبال القوالب التي استعملها من حيث الشكل والمضمون تختلف كثيرا وفي نفس الوقت فإن إقبال يربط الأشياء بعقله الفلسفي الصوفي الذي يجمع بين التشبع بالفلسفة الغربية قديمها وحديثها وبين روحانية جلال الدين الرومي وعقلانية الإمام الغزالي دون أن ينسى انتقاد ما شاب فكر الرجلين من بعض الاندفاع في الروحانية أكثر والسؤال هو هل الأمة الإسلامية تجاوزت هذه العوامل التي أنتجت الانحطاط أو لا تزال تتخبط فيها؟ بمعنى هل لا يزال سؤال النهضة مطروحا على الجيل الحاضر كما كان مطروحا على الأجيال السابقة؟.
جواب شكوى
الشاعر إقبال في جواب السماء على شكواه والذي عنونه في قصيدة رائعة، وتعتبر هذه القصيدة بجانب أختها السابقة شكوى تلخيصا لكثير من الأفكار والآراء التي بثها الشاعر في مختلف دواوينه الشعرية، وكذلك في كثير من مقطوعاته التي عبر فيها حسب اللحظة التي يعيشها عما يختلج في فؤاده من أفكار وأخيلة وتصورات، ولكنها كلها تنتظم في سلك واحد يجمعها ويوجد بينها وهو نفسه الذي انتظم هدف إقبال من الحياة ومن العمل والإنتاج الفكري والأدبي، فهو يحلل عوامل الضعف والانكسار الذي أصاب الأمة وهو يسعى من خلال هذا التحليل أن يستنبط عوامل النهوض والرقي بالأمة الإسلامية بصفة خاصة.
مجتمع متنوع
ولكنه لم يكن يغفل المسألة الأساس وهو أن النهضة لابد أن تكون شاملة للمسلم وغير المسلم في مجتمع ذي أعراق وديانات مختلفة، عاشت كلها متآخية متضامنة متفاعلة بما رسمه الإسلام من سبيل للنهوض والتقدم، وإذا كان المسلمون هم شغله الشاغل وهم الأساس فيما يرومه لهذه الأمة من نهوض فإنه لم ينس أن يتجه إلى الله ليرشد براهمة الهنود لتجاوز ما هم عليه من وثنية أضفت على المجتمع الهندي نوعا من الطبقية التي لا يقبلها الفكر الإنساني السليم، وهي من أوائل ما حاربه الإسلام من الأخلاق والمواقف لدى الجاهلية العربية وغير العربية في مختلف الأقطار والأصقاع التي وصلها الإسلام باعتباره دينا أو وصلتها أفكاره وتوجيهاته للإنسانية باعتبار المنشأ منشأ واحد ماء وطين نفس واحدة كما عبر القرآن والإنسانية بهذا الاعتبار إنما هي شعوب وقبائل للتعارف والتعاون وليس للصراع والتقاتل، والتقوى رأس الأسباب التي يتميز بها الناس وما كان الإنسان ليكون متقيا إذا كان مصدر أذى وشقاء للآخرين فأحب الناس إلى الله انفعهم لعياله.
عوامل النهوض والانحطاط
وحسن حنفي في كتابه الضخم الذي وضعه عن إقبال بعنوان: (إقبال فيلسوف الذاتية) عقد فصلا حول عوامل النهوض حاول أن يستقصي فيه ما يعتبره إقبال عوامل الانحطاط وعوامل النهوض تكمن في معالجة أسباب ودوافع الانحطاط، وحاول استقراء ذلك من خلال دواوين إقبال الشعرية ومن خلال تحليل بعض الدارسين لهذه الدواوين، وهو نفس ما حاول القيام به (أبو الحسن الندوي) في كتابه (روائع إقبال)، مع اختلاف في التناول ومنهاج التناول وان كان السبق يبقى باستمرار للدكتور عبد الوهاب عزام الذي درس إقبال دراسة وافية وترجم الكثير من شعره.
جواب وتحليل
وعلى أي حال فإن هاتين القصيدتين الرائعتين شكوى وجواب شكوى تفيان بإعطاء نظرة عن ملامح أسس الدعوة النهضوية التي ينشدها محمد إقبال طيلة حياته ومن خلال كل إنتاج وإذا كان في الحديث الماضي تناولنا الشكوى وملامح ما طرح فيها الشاعر من أفكار حول ما أصاب الإسلام والمسلمين وما تعانيه الأمة الإسلامية من ظلم وعسف، وما تعيشه الشعوب من تعاسة وشقاء، فإنه في هذه القصيدة الثانية حاول أن يجيب أولئك الذين يتألمون ويقتصرون على الألم فقط ان هذا الألم والخمول وعدم الاستجابة للسنن الكونية ولقوانين تقدم المجتمعات ونهوض الحضارات وسقوطها، ولكن إقبال كعادته وهو الشاعر المبدع يبدأ الكلام بربط الأمر بالروح التي تحرك المشاعر ويتجاوب معها الإنسان الذي هو كتلة من المشاعر والأحاسيس فقال:
ترجمة صادقة
إن الشاعر في هذه الأبيات الأربعة من قصيدة جواب شكوى التي استطاع المترجم الشاعر المصري صاوي شعلان أن يترجمها ضحن دواوين إقبال والتي جاء في الديوان الذي (بانكادرا) أي صلصلة الجرس، وعندما تقرؤها لا تحس أنك تقرأ شعرا مترجما ولكنك تشعر أنك تقرأ إبداعا جديدا حيث أعطاه المترجم من نفسه ومن تجاوبه ما ارتفع إلى مستوى راق من التعبير العربي الفصيح وهذا راجع إلى استيعاب المترجم لفلسفة الشاعر وغايته من التعبير ومن النظم لذات نفسه ومكنون مشاعره، فنداء الشاعر حلق في ربى الأفلاك وذلك لأن نداءه وان كان معدني التراب إلا أنه جرت فيه لغة السماء.
كلام الروح
وهو في هذا الشدو اهتاج العالم العلوي، وكيف لا يهيج وهو يبكي أمة إذا ضاعت ضاعت معها رسالة التوحيد الخالص.
كلام الروح للأرواح يسرى
هتفت به فطار بلا جناح
ومعدنه ترابي ولكن
لقد فاضت دموع العشق مني
فحلق في ربا الأفلاك حتى
وتدركه القلوب بلا عناء
وشق أنينه صدر الفضاء
جرت في لفظه لغة السماء
حديثا كان علوي النداء
أهاج العالم الأعلى بكائي
صدى النداء في الأعالي
ولكن الشاعر ينتقل إلى الأثر الذي تركه ذلك الهياج في الأفلاك العلوية حيث أن النجوم تحاورت فيها بينها ما هذا الذي وصل إلى قرب العرش وهو يتضرع خاشعا باكيا لاشك أن الأفلاك لا تدرك ما يجري وما يتردد بين الإنسان ومولاه فالقاعدة الأساس هي «وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...» ولكن الشاعر أراد من خلال هذه الصورة الذهنية أن يستفز القارئ كيف لدعاء وبكاء أن يتحاور في شانه الملكوت الأعلى والله يسمع ويرى ولكن الشاعر أراد أن يذكر بدور الإنسان في تقرير مصيره حيث كان في اليوم الأول في الجنة ولكن خطأه أنزله إلى الأرض ولكن بقيت العلاقة بين هذا الإنسان وبين رضوان الذي عرف صوت الإنسان الذي خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا.
وليس رضوان هو الذي أخرج الإنسان من جنات عدن ولكن ممارسته لحرية الاختيار هو ما دفع الإنسان ثمنه لأنه رغب في الخلود.
رجاء وأمل
والشاعر يجيب نفسه على لسان رضوان على طريقة الالتفات كما يقول التلاغيون والذي رق لحال هذا الشاكي الذي أكثر من البكاء وملأ كؤوسه دموعا وشكوى، ولكن مع هذا وذاك فإن هذا الشاكي صوته مملوء الرجاء وهو قد أبلغ ما يريده أن يبلغه من شجى وألم ومن الصدع بما اعتبره الشاعر ظلما نزل بأمة قدمت كل شيء في سبيل نصرة التوحيد والدعوة إلى الله ولكن المراء الذي بلغ به الشاعر درجة المن وربما مستوى من التجاوز في تقدير ما قامت به الأمة في سبيل الله.ليقول بعد ذلك ان اللوم هو على الإنسان المسلم نفسه الذي لم يسع ليصل:
حوار
تحاورت النجوم وقلن صوت
وجاوبت المجرة عل طيفا
وقال البدر هذا قلب شاك
ولم يعرف سوى رضوان صوتي
ألم أك قبل في جنات عدن
وملء كؤوسه دمع وشكوى
فيا هذا لقد أبلغت شيئا
بقرب العرش موصول الدعاء
سرى بين الكواكب في خفاء
يواصل شذوه عند المساء
وما احراه عندي بالوفاء
فأخرجني إلى حين قضائي
وفي أنغامه صوت الرجاء
وإن أكثرت فيه من المراء
الالتزام بالسنن
في هذا المقطع يعود إقبال باسم السماء وباسم الملك الذي عرف اللحن والشادي الشاكي إلى الله أن ما أصابكم ليس لأن المدد الرباني ولا الوعد الذي كان للمسلمين المؤمنين ليس على ما كان عليه منذ أمد بعيد ولكن أين السائلين وأين المتجهين إلى المنبع؟ فلو لم يكن في الأرض ماء ولا نهر ولو لم يكن للمسلمين ما كان لهم من مجد لتفجرت الينابيع ولتمكن المسلمون إذا كانوا صادقين مع الله ومع أنفسهم من استعادة مجدهم ومكانتهم وبين الأمم ولكن كما قال (ما وجدنا السائلين) ما عليه المسلمون يدل على أنهم ليسوا جادين في النهضة والتقدم.
عطاء مسترسل
عطايانا سحائب مرسلات
وكل طريقنا نور ونور
ولم نجد الجواهر قابلات
وكان تراب آدم غير هذا
ولو صدقوا وما في الأرض نهر
ولكن ما وجدنا السائلينا
ولكن ما رأينا السالكينا
ضياء الوحي والنور المبينا
وإن يك أصله ماء وطينا
لأجرينا السماء لهم عيونا
التوحيد المفقود
ولكن ما أصاب المسلمين من انحراف وخروج هو ما لم يتح لهم أن ينالوا ما يريدون فالإرادة بدون عمل لا يمكن أن تكون محققة للهدف إذا كان هناك هدف، فالإهمال الذي أصاب تراث محمد من أناس يدعون الانتساب لمحمد هو ما جلب عليهم ما هم فيه وما أصابهم من انحطاط وانحدار وتخلف.
ويشير إقبال إلى ما آل إليه أمر التوحيد بين المسلمين فالآباء هدموا الأصنام وأقاموا صرح التوحيد، ولكن هم أشبه بآزر أبي إبراهيم وإقبال هنا يقلب الموازين فإذا كان إبراهيم داعية التوحيد في مواجهة أبيه الوثنى فإن أبناء المسلمين على العكس فهم الداعون إلى عبادة الأوثان من جديد.
وأخضعنا لملكهم التريا
ولكن ألحدوا في خير دين
تراث محمد قد أهملوه
تولى هادمو الأصنام قدما
أباهم كان إبراهيم لكن
وشيدنا النجوم لهم حصونا
بنى في الشمس ملك الأولينا
فعاشوا في الخلائق مهملينا
فعاد لها أولئك يصنعونا
أرى أمثال آزر في البنينا
شعائر بلا روح
وإذا كانت العبادات إنما هي للتربية وتنشئة الإنسان على قيم تضمن له السعادة الروحية وتدفع به نحو العلى في معاشه الدنيوي فإنها الآن عندكم حركات صورية لا روح فيها ولا دور لها في الدفع بالإنسان نحو الأمام.
وكم لاح الصباح سنا وبشرى
وكبرت الخمائل في رباها
ونوم صباحكم أبدا ثقيل
وأضحى الصوم في رمضان قيدا
تمدن عصركم جمع المزايا
وأذنت القماري والطيور
مصلية فجاوبها الغدير
كأن الصبح لم يدركه نور
فليس لكم به عزم صبور
وليس بغائب إلا الضمير
قلب الحقائق
في هذا المقطع من القصيدة يعدد إقبال بعد الأمراض التي أصابت الأمة الإسلامية والتي أدت إلى ما هي عليه من وضع مترد، وما تعانيه من آفات اجتماعية ودينية وخلقية فالأمة لم يعد لديها وفاء، والوفاء بصفة عامة وفاء للقيم الدينية الحقة، الوفاء في المعاملات، الوفاء في العهود التي يبرمها الناس فيما بينهم، الوفاء الذي انعدم في الأمة هو الذي دفع الناس إلى عدم الثقة حتى أصبح الناس يعطون المثال بالمسلمين في فقدان الثقة وعدم الوفاء.
أمة ظالمة؟
ويختم الشاعر إقبال البيت يشطر يجمل الأمر كله في هذه المرحلة التي وصلت فيها الأمة الإسلامية إلى وهدة السقوط في منحدر التخلف فلا ينال عهد الظالمين وهو جواب إلهي لإبراهيم في شأن أمته، فإذا كانت الأمة الإسلامية الأمة الوسط والشاهدة على الأمم «لتكونوا شهداء على الناس» فهذا لا يمكن أن يتحقق لأمة ظالمة، والظلم فيه أنواع شتى ومختلفة فلا يقتصر الظلم على اغتصاب الحقوق لأن هذا ظلم واحد من أنواع الظلم المختلفة، فهذا التخلف الذي أصاب الأمة في سلوكها العقدي وفي أنظمة الحكم وفي المعاملات الفردية وفي ممارسة الشعائر الدينية التي بقيت بدون روح كل ذلك ذهب بما كان لها من قوة ومتعة ومن حضارة وتقدم، فلا دنيا لمن لم يحي دينا.
الوحدة أساس البناء
فالأمة الإسلامية إذا شاءت أن تستعيد مكانتها وان تواجه خصومها في عصرها الحالي فإن ذلك لن يتم بدون دين والذي يعطي للأمة هذه المكانة هو ما يحمله إليها الدين من وحدة وتماسك فوحدة الأمة تابعة لوحدة عقيدتها والتوحيد الذي ضاع بما أحدته الناس من بدع ضاعت معه الوحدة وما كان للأمة أن تبني نفسها وهي متفرقة ويعطي إقبال مثالا بأنظمة الكون وقوانينها التي جعلتها تتماسك والوحدة في الإسلام وحدة العقيدة ووحدة الأمة هي بمثابة هذا النظام الكوني البديع.
لقد ذهب الوفاء فلا وفاء
إذا الإيمان ضاع فلا أمان
ومن رضى الحياة بغير دين
وفي التوحيد للهمم اتحاد
تساندت الكواكب فاستقرت
وكيف ينال عهدي الظالمينا
ولا دنيا لمن لم يحي دينا
فقد جعل الفناء لها قرينا
ولن تبنوا العلا متفرقينا
ولولا الجاذبية ما بقينا
نالوا لأنهم عملوا
إن المسلمين كانوا ولا يزالون يتحدثون عن غيرهم من الأمم الأوروبية التي تقدمت ونالت ما نالت من قوة وقدرة مادية وحضارية، وما أصبحت عليه معاهدها العلمية من شأو وبعيد في مجالات متعددة من معارف نظرية وعملية وتقنيات سهلت لها كل شيء ومكنها كل ذلك من الأخذ بناصية الأمم الأخرى والشعوب، ومن بينها الأمة الإسلامية، إذ كان هؤلاء القوم نالوا فلأنهم جدوا ونام غيرهم ولا يدرك المنى النائمون، فهؤلاء إنما أدركوا كل ذلك لأنهم سلكوا نهج سلفكم في العمل والجد واقتحام الصعاب أما أنتم الخاملون الراغبون في النيل بالأماني بدون عمل فالأمر ليس بالأماني ولكنه بالعمل.
ليس بالأماني
ويعيب إقبال هؤلاء الناس الذين يريدون أن يحرم غيرهم مع أنه يكد ويعمل وينالون هم وهم نائمون.
إن الأمر هنا واضح وما يدفع به إقبال يوضح ما يجب على المسلمين أن يفعلوه وما ينتظرهم إذا لم يفعلوا.
أتشكو أن ترى الأقوام فازوا
مشوا بهدي أوائلكم وجدوا
أيحرم عامل ورد المعالي
أليس من العدالة أن أرضى
تجلى النور فوق الطور باق
بمجد لا يراه النائمونا
وضيعتم تراث الأولينا
ويسعد بالرقي الخاملونا
يكون حصادها للزارعينا
فهل بقي الكليم بطور سينا
قاعدة العدل
وإذا كان هؤلاء قد نالوا فلأنهم سعوا لينالوا بما بذلوه من جهد والله أرسى قواعد العدل فلا يمكن لها أن تتخلف (وقل اعملوا) قاعدة أساس في الحياة الدنيا وفي الأخرى كذلك.
أسئلة محرجة
ويطرح إقبال أسئلة محرجة ولكنها معبرة
وكيف تغيرت بكم الليالي
تركتم دين أحمد ثم عدتم
رقي الشعب قد أضحى لديكم
وكيف تقاس أوهام ولغو
أرى نارا قد انقلبت رمادا
وكيف تفرقت بكم الأماني
ضحايا للهوى أو للهوان
تقرره صلاحية الزمان
بحكمة منزل السبع المثاني
سوى ظل مريض من دخان
معاهد من غير روح
وفي المقطع يسرد إقبال واقع الفكر والمعاهد العلمية لدى المسلمين فالخمول هو السمة الغالية على العقول التي رأى عليها التخلف وأصابها العياء. أما الوعظ والمساجد فدورها توارى ولم تعد تملك ذلك السحر الذي يهز المشاعر ويبعث على الحياة والحركة، وإذا كان هناك شيء من مضغ الكلام في فلسفة فإنها فلسفة بلا روح فهذا محدد لغو لأنه يفقد تلقين الغزالي لقد كان الغزالي حجة الإسلام ولكن مفكرو اليوم هم حجة على الإسلام وليسوا حجة الإسلام والمسلمين.
لقد اكتفيتم بالمظاهر وتركتم اللب فالصوامع قائمة والمساجد فاخرة ومزخرفة ولكن العباد الحقيقيين لا وجود لهم.
الخمول
إن إقبال يصف واقعا مؤلما لا يمكن تحقيق نهضة دون إصلاح هذه الأوضاع كلها فالنهضة مرتبطة بإصلاح شامل.
أرى التفكير أدركه خمول
وأصبح وعظكم من غير سخر
وعند الناس فلسفة وفكر
وجلجلة الأذان بكل أرض
منائركم علت في كل حين
ولا نور يطل من المقال
ولكن أين تلقين (الغزالي)
ولكن أين صوت من بلال
ومسجدكم من العباد خالي
ولنا عودة للموضوع.
أستاذ الفكر الإسلامي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.