كل سيدة تتذكر يوم زفافها بدمعة تسيل من عينيها فرحًا, أما في إثيوبيا فدموع السيدة لا تتوقف ويكفهر وجهها وتصير الدموع أكثر قتامة, فهذه نورام عبيدو تجلس في كوخها تتذكر يوم أن صارت زوجة, فهي تعيش حاليًا على بعد مئات الأميال في الريف، وآلاف الأقدام فوق سطح البحر, وطوال 40 عامًا لم تتحدث عن زواجها، أو كيف حدث, فإنها إذا ما حاولت ذلك تعرضت على الفور للضرب من قبل خاطفها (زوجها), الذي قال: إن المرأة الصالحة لا تتحدث عن مثل هذه الأمور أبدًا, لذلك، كانت تروي نورام قصتها بتمهل وتلعثم ، وكانت كلماتها تتخللها ضحكات ساخرة عالية تنفجر من أحشائها بشكل لا إرادي. ذات يوم استيقظت نورام على عراك صاخب في كوخ أسرتها لترى والدها يصيح في وجهه عددٌ لا يصدق من الرجال؛ عشرة أو أكثر، في الثلاثينات من عمرهم, جاءوا من أجلها, في هذا الظلام الدامس من الليل. وبرغم أنها لا تتجاوز الثمانية سنوات، فقد سرت إليها الرِّيبة من الأمر, حيث إنها سمعت همسًا يقول، عندما تكون الفتاة جاهزة للزواج، فإن الرجل من حقه الاستيلاء عليها واغتصابها ثم تعيش طوال عمرها في خدمته, "تلك كانت الثقافة" ولكنها لم تكن ثقافتها, فهي كحال الفتيات الصغيرات الأخرى لا تريد ذلك. وتسرد قائلة: "لقد بدأت في الصراخ وحاولت الهروب من الكوخ, واختبأت في الأشجار حتى عثر عليَّ أحدهم واقتادني إلى المنزل واغتُصبت أمام أعين أسرتي وصرت زوجة منذ هذا اليوم", وهي في حالة هذيان وذهول وقّعت على أوراق الزواج ومن يومها تنتظر لحظة الفرار. وبعد ثلاثة أيام، تركها زوجها وحدها في الكوخ فانتهزت الفرصة وأخذت تركض حافية القدمين لترجع إلى أسرتها وتعود إلى حياتها وطفولتها, ولدى وصولها إلى الباب بكت فرحًا, إلا أنها شعرت بالصدمة عندما "قال لي والدي: لقد صرت سلعة تالفة بعد ما حدث وأنك مضطرة للعودة إليه وتكوني زوجة صالحة. كانت والدتي حزينة للغاية ولكنها وافقته, فاعتقدت آنذاك أنه عليِّ فعل هذا وليس عندي خيار. الآن وبعد مرور سنوات عديدة، لدي ستة أطفال". ولكن نورام عادت لتلقي بُعدًا آخر على حياتها؛ حيث قالت: "ينبغي أن أكون سعيدة – على الأقل, من أجل أطفالي الستة الذين أحبهم", ثم أردفت فجأة: "زوجي أيضًا رجل طيب، وهو لا يضربني الآن, أحبه إنه رجل رائع ومخلص". وبنفس هذا الإصرار على التفاؤل يُنهي جميع النساء العجائز اللاتي التقيت بهن, المختطفات طوال عمرهن, سرد قصص اغتصابهن المريعة. في إثيوبيا، تحدث قصة نورام كل يوم, وفي عام 2003, العام الذي توفرت فيه الإحصاءات, اكتشفت اللجنة الوطنية المعنية بالعادات التقليدية في إثيوبيا أن 69 بالمائة من الزيجات تتم بهذا الشكل، الثلاثي جالب النحس, الاختطاف والاغتصاب والتوقيع على الزواج بالإكراه. في بلد يوجد بها الكاثوليك والبروتستانت كذلك. وتعود هذه القصص لآلاف السنين تستند على الألم والقمع، ولكن أحيانًا يكون للتاريخ لحظات تدخُّل لا تُنسى ، وهذه إحداها. فقد اندلعت في العقد الماضي ثورة للزوجات المختطفات, وبدأت المرأة الإثيوبية ترفض مشاهدة أخواتهن تظل رهن العبودية. لقد وقعت هذه الحكايات وسط التعتيم والظلام الكهربائي والسياسي على حد سواء. فالعاصمة أديس أبابا تظل بدون كهرباء لثلاثة أيام ولا يشعر أحد بالدهشة ولا يتوقعون عودتها في أي لحظة. كذلك تسيطر الديكتاتورية على الحكم ويسود الاستبداد في البلاد. وفي وسط هذا الظلام، كانت بوجي جبري تجلس في مكتبها وتعمل وهي المرأة التي بدأت تمرد المرأة الإثيوبية والتي ولدت في أوائل الخمسينات، كان من المتوقع أن يكون لها نفس المصير الذي عانته نورام, قالت: "المرأة هنا في إثيوبيا ليست أفضل من الأبقار التي نحلبها، فهذه المنازل المصنوعة من الطين يتم تقسيمها بشكل جائر إلى قسمين جانب للرجال، والآخر هو للنساء والحيوانات". "لقد كانت حياة والدتي كابوسًا, لا أعرف كيف بقيت على قيد الحياة، لقد كانت ذكية وحكيمة وأمضت حياتها كلها رهن الاعتداء والضرب, من أجل لا شيء. حتى انحنى ظهرها وكُسر ساقاها وفكاها، برغم أنها لم تخطئ في شيء, ولكنها برغم هذا كله كانت تبتسم وترضى بهذه الحياة المريرة, وعلى هذا النحو كانت حياة العديد من النساء في إثيوبيا". ----- المصدر بالإنجليزية