من "بانغي"، إلى "كاغا باندورو"، قرب حدود تشاد، هناك نحو الشمال، تمضي قافلة لمسلمي إفريقيا الوسطى، يرافقها مراسل الاناضول، في موكب مهيب تحت حماية بنادق قوات الميسكا (قوات حفظ سلام إفريقية) في رحلة تجسد على مر الطريق قصة حزينة.. قصة النزوح الجماعي لمسلمي هذا البلد، إلى أي مكان، داخل بلادهم أو خارجها، بحثا عن الامان وهربا من الطوفان..طوفان بطش الإنسان بأخيه الإنسان. في الجزء الخلفي لشاحنة ثقيلة يحتشد مئات من الأشخاص كأنهم "قطيع". للوهلة الأولى، تبدو الجموع كمن نجا من أهوال كارثة طبيعية. المشهد الأول: وجوه شاحبة، نظرات تائهة وأسمال بالية تلفحها الرياح من كل جانب. يقطع الصمت تأوهات ألم تطلقها بنت 13 سنة أصيبت برصاصة في ركبتها اليمنى، في مكان ما من الشاحنة، ترقد جثة إمراة قتلها الأنتي بالاكا في هجوم سريع على القافلة، اواني منزلية تنتشر في عبث هنا وهناك، هي المأساة. أحد الطلبة المسلمين التابعين للقافلة خير عدم الكشف عن هويته، استحضرت ذاكرته أمام هول ما رأت عيناه مقولة "هوبس": "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان". باقي المشاهد: كلمات ضاعت في زمجرة المحركات لم تمنع "خديجة"، من ولادة رضيعها، في ظروف مؤلمة امتدت على ساعات حتى انهارت قواها. "هذا المولود الذي جاء للدنيا في زمن يقتل فيه الإنسان ويشوه ويستغل البشر، من المحتمل أن يعيش اياما عصيبة في ظروف أليمة لأن الوضع ما ترون في إفريقيا الوسطى، ويبدو ان لا نور في نهاية النفق، على المدى القصير على الأقل"، يقول احد الرجال من تحت أوزان الأمتعة المتراكمة على جسده النحيل. لكن خديجة، كانت فخورة بوليدها الذي وإن عاش في ظروف قاسية إلا أنه في يوم ما "سيعتني بها ويضع حدا لرحلتها مع العذاب" بحسب تعبير إحدى النساء في غمرة بكاء وعويل الأطفال المحيطين بها. تواصل القافلة طريقها نحو "كاغا باندورو"، تحت الخطر.. "الطريق نحو كاغا غير آمن، الخطر قد ياتي من أي مكان" على حد تعبير عناصر الميسكا، مقلباً ناظريه يمنة ويسرة من على جنبات الطريق. بالنسبة إليه، بعض عناصر الأنتي بالاكا "لا تعرف معنى للرحمة، هم لا يهتمون إن كان هناك اطفال أو نساء حوامل، اليقظة الدائمة واجبة"... يشاطر أحد الشيوخ كلام الجندي ويُطرق في تساؤل عن سبب فقدان القيم الجميلة التي كانت تنظم علاقات الناس بعضهم ببعض فيما مضى من الأيام. يضيف الشيخ: "لا الإسلام ولا المسيحية يجيزان ما يحصل الآن في بلادنا. الذين يقومون بذبح عباد الله ليسوا بمسلمين وليسوا بمسيحيين. الذين ينهبون ويروعون الرجال والنساء والأطفال هم اناس لا دين ولا ميثاق لهم". فيما مضى كنا نعيش حياة بسيطة لكنها كانت جميلة وهادئة. اليوم نحن نتقاتل، هل أن التاريخ يدور بعكس عقارب الساعة ام وحشية الانسان بلغت أقصى درجاتها؟" يتساءل الشيخ في مرارة. تتطلع إمراة متئكة على جنبها إلى الأفق هامسة بكلمات غير مفهومة، سألها البعض عما تقول، اخذت نفسا عميقا، لكن الكلمات ضاعت بين الشفاه وفي زحمة الأفكار، كانت ربما لتقول: "ما هي الكلمات التي يمكن ان تفي بوصف كل الشرور التي ألحقوها بنا؟". *وكالة أنباء الأناضول