الحلقة 9 في انتظار العريس الغني الوسيم تدخر طقم الأسنان لتبتسم في وجه زوجها المرتقب ابتسامة بيضاء كلاسيكية كالعادة لا يتعب البوجادية التطلع و الانتظار ولا يحزنها هروب الفرح من بين يديها في كل مرة . تملأ أيامها بساعات البهجة العابرة التي يمنحها إياها الحلم وتمارس انتظار انتظارات كثيرة ، بسيطة ، بريئة ومتنوعة : انتظار خروجها من "هاد البلاد اللى ما زال ما عطاتهاش بلا حزارة خالها"، وانتظار العريس الغنى الوسيم الذي سيأخذها بعيدا لتعيش معه في ثبات ونبات ، وانتظار تحقق حلمها في أن تصبح "لا باس عليها" وصاحبة مقاولة كبيرة ومشهورة لتستطيع قطع جذورها مع الفقر الذي حرمها كثيرا . فما إن تجلس معها حتى تفتح معك كل هذه المواضيع دفعة واحدة ، ومرة أخبرتني بأن أول ما ستقوم به عندما سيأتى فارسها المنتظر أنها سوف تصفعه لأنه تأخر فى المجىء وتسأله : "فين كان هاد المدة كلها وخلاها تتسنى" وتضحكني كثيرا كلما سرحت شعرها عند الكوافورة وارتدت جلبابا جديدا ، تسأل كل من التقته : واش يجى معايا نكون عروسة؟ وتأتى أسئلتها الساذجة هاته بكل جدية ، في حين يقهقه كل من تسألهم ضاحكين - وراكي واعرة أ البوجادية ويجي معاك كلشي. وتفرح كثيرا بهذه الإطراءات ولا تزعجها سخرية الآخرين منها وإساءتهم بالكلمات إليها بل تتحمل ذلك بصدر رحب وبضحك وفرح . ولا تزعجها تصرفاتهم وتعليقا تهم على أحاديثها ، لأن ثقتها الكبيرة بأحلامها آلوردية قوية لا يزعزعها شيء، لذا تتركهم يقولون ما يريدون وتستمر هى بقلبها الطيب المتفائل والكبير في الوفاء لأحلامها حتى أخر رمق. فرغم كل الانكسارات وكل رفوف الأحلام الموءودة التي راكمتها مذ وعت وأحست بأنوثتها تتفتق من تحت ملابسها، بقيت أحلامها شامخة تتطلع لتحقيقها مع كل شروق ، ولا تشعر بالضعف و الضيق إزاء تهشمها دوما على صخرة الواقع، بحيث تعطي في كل مرة لقلبها وعقلها الفرصة لانتظار تحققها قريبا. وكم تضحكني حين تذهب بعيدا في معرض انتظارها لهذا الذي تنتظر قدومه ليتناولها ويسير بها في ركب الحياة ، باذخارها كل ما تجده له ، فنظرا لكونها طيبة بشوشة وبريئة فإن لها أصدقاء كثر يحبونها ويحبون الحديث إليها لأنها تجعلهم يضحكون من كل قلبهم حين تشرع في سرد حكاياها الطريفة بطريقتها الساذجة المتميزة ، لذا فهم يهدونها هدايا بسخاء ويتذكرونها حين يسافرون ، حيث يجلبون لها معهم الملابس والحلي والماكياج . وتفرح البوجادية كثيرا بهدايا أصدقائها لها، إلا أنها لا تستعملها ولا تلبسها، بل تخبئها في حقيبة كبيرة لأنها ستحتاجها يوم عرسها. وقد كدت أموت مرة من فرط الضحك حين التقيتها بعد أن كانت أسنانها الأمامية قد سقطت مبكرا لأنها لم تكن تعتني بها، وكانت قد طلبت من أصدقائها أن يساعدوها لكي تصلح فمها . فساعدها كل واحد بقدر من المال ، وذهبت عند طبيب الأسنان إلا أنها عوض أن تصلح فمها بتركيب أسنان ثابتة اقتصدت لكي تذخر من المال الذي جمعته وطلبت من الطبيب أن يصنع لها أسنانا بلاستيكية لأنها أرخص ثمنا . بعد أسبوع ، عادت البوحادية إلى عيادة الطبيب لتتسلم أسنانها وحين "ركبتهم" ورأت نفسها في المرآة أعجبت بضحكتها و بنفسها كثيرا وقررت أن "تخبئهم، "وما تديرهم غا فالنهار الكبير". فأخذت علبة زجاجية وضعت بها ماء وخبأت فيها طقم الأسنان "باش تتكايس عليه وميخسرش ليها من دبا، ونهار تبغي تدير العرس يكونوا كحالو". لذا ستدخرهم إلى ذلك اليوم المنتظر لتبتسم في وجه زوجها المرتقب ابتسامة ييضاء بلاستيكية. فهل هناك جنون أكثر من هذا؟ فى الحقيقة لا أظن، لكنى أعود لأقول إنه كيفما كان الحال تبقى البوجادية شخصية مميزة بروحها المرحة الطيبة ، فهي مثال لقيم المروءة والإيثار في سبيل إسعاد هذآ الزوج المرتقب ، دافعها إلى ذلك سجيتها التي جبلت على الحب والإخلاص. فبراءتها و صفاء سريرتها تجعلك تظن أنها شاذة في هذا الزمن، زمن الزيف و النفاق و الأقنعة، تقابل قبح واقعه بالابتسام، جاعلة منه مبدأها حتى لو كان ذلك ضربا من ضروب الجنون، إنها بكل بساطة إنسانة من زمن الحب و الحلم، هذا الزمن الذي ولى وضاع و لم يعد أحد يريد العودة إليه. للتواصل مع الكاتبة : [email protected]