في الصورة الملك محمد السادس أثناء زيارته لغينيا الاستوائية في أبريل 2009 تشكل إفريقيا امتدادا جغرافيا وتاريخيا للمغرب الكبير ،وقد شكل المغرب حلقة وصل بين الشمال والجنوب وكان مسارا لتجارة القوافل على الصعيد الإفريقي ،كما أن الارتباط الثقافي والديني بالمغرب كان وثيقا وما يزال ،وتجليات هذا الارتباط متعددة وبارزة من خلال التشابه في المذهب المالكي والذي يعتبر السائد في كثير من الدول الإفريقية وفي الطرق الصوفية ، كما أن كثير من العادات و المواسم والتقاليد في الزواج والمناسبات متشابهة. وللمغاربة بشكل عام حضورا في الذاكرة الإفريقية في الكثير من الدول من خلال هذا الارتباط التاريخي يجعل من كل ما هو مغربي مقبولا ويحظى باحترام كبير ومتقدم على ما سواه . لكن هذا الوضع أصبح متغيرا في السنوات الأخيرة نظرا لتغيير الأجيال في إفريقيا، فجيل ما قبل الاستقلال في إفريقيا تغير وورثه جيل جديد انقطعت الصلات المغربية معه إلا في حدود معينة مما جعل الحضور المغربي في تراجع ملحوظ . فماهي تجليات الحضور المغربي في إفريقيا وما هي مظاهر هذا التراجع؟ إفريقيا الامتداد الجغرافي للمغرب الكبير يشكل المغرب الكبير والذي يشكله الإطار الجغرافي الواقع في الشمال الغربي الإفريقي ويمثل الجزء المستقل عن الحكم العثماني تاريخيا وجنوبا يمتد إلى الصحراء الكبرى حتى السودان الغربي .وهذه المنطقة الشاسعة تتشكل حاليا من مجموعة من الدول والتي تنضوي حاليا في ما يسمى دول الساحل والصحراء ،وقد امتد أثر هذا الامتداد التاريخي للمغرب الكبير أيضا حتى بلغ غانا و تشاد . الحضور الثقافي والديني الحضور المغربي الديني، الفكري ، ظل متواصلا بإفريقيا جنوب الصحراء على طول المدى الزمني الذي شهد بداية قيام الزاوية التجانية هناك، ونشأتها وانتشار نفوذها في بلدان حوضي السنغال والنيجر وما وراءهما، وإلى يومنا هذا، ما زالت محافظة على استمرارية الروابط التاريخية التي جمعت بين المغرب وبلدان السودان الغربي عبر تاريخه الإسلامي. ومن مظاهر هذا الارتباط الالتجاء للسلطان المغربي في مواجهة التهديدات الفرنسية كما تبين الرسائل المتبادل بين ملوك وأمراء الممالك الإفريقية مع ملوك وسلاطين المغاربة،بحيث يتم الدعاء لهم في الصلوات ويعتبر ملوك المماليك الافريقية ممثلين للسلطان المغربي كما حصل مع أحمد الكبير ابن الحاج عمر لما كتب إلى السلطان المغربي في سنة 1301 ه [1884]، يطلب منه المدد لمحاربة العدو الفرنسي، معلنا له أن البلاد بلاده وهو نائب عنه فيها فقط . والى يومنا هذا ما زال شيخ الطريقة يسمى بالخليفة وبأمير المؤمنين ، ومما لا يترك مجالا للشك في كون كبار الدولة التجانية بالسودان الغربي، كانوا يعتبرون أنفسهم امتدادا للمغرب من الناحية الدينية والروحية، وأحيانا السياسية. تراجع الحضور الثقافي المغربي رغم هذا الحضور والارتباط التاريخي للمغرب بإفريقيا جنوب الصحراء إلا ا ن هذا الدور تراجع مع ظهور الدول الوطنية وتأثير الاستعمار والتبشير وغير ذلك من العوامل، كما أن المنافسة على الريادة الدينية في إفريقيا بين الدول العربية عززت موقع بعض الدول البعيدة جغرافيا وقوت حضورها كالسعودية وقطر والإمارات والكويت بالإضافة إلى إيران . كما أن كل من الجزائر وليبيا استطاعت أن تعززا حضورهما أيضا على هذا الصعيد . ويمكن الإشارة إلى أن الحضور السعودي مثلا في كثير من الدول بارز وجلي من خلال المراكز الثقافية الكبيرة التي تشكل معالم كبيرة في العديد من العواصم الإفريقية، ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الحضور الكويتي من خلال المراكز الكويتية التي يقارب عددها 100 مركز وأكثر من 4000 مسجد ومدرسة قرآنية ، ويأتي الحضور القطري و الإماراتي من خلال بناء المساجد والمدارس القرآنية بنفس الوثيرة تقريبا. أما الحضور الإيراني فهو أيضا لافت من خلال المشاريع الاجتماعية كالمدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية . وتلعب ليبيا أيضا دورا مهما في هذا المجال من خلال مراكز الإخوة العربية الإفريقية التي تحتضنها كل الدول الإفريقية ، على غرار لمراكز الثقافية الفرنسية ،وتلعب دورا ثقافيا واجتماعيا ، كما أن الزعيم الليبي يحاول أن يلعب دور القائد والزعيم الديني للمسلمين على مستوى إفريقيا ويتجلى ذلك في الاحتفالات السنوية للمولد النبوي بالدول الإفريقية وإمامة الناس في خطبة الجمعة بالإضافة إلى الدعم المادي الكبير للائمة وشيوخ الطرق بإفريقيا ودعم الملوك التقليدين والذين توجوه بملك ملوك إفريقيا في 2008 . وتسعى الجزائر من جانبها إلى منافسة المغرب رغم حضورها الباهت على هذا المستوى إلا أنها تحاول استغلالها السياسي لهذا الجانب ومن ذلك ملتقيات الطرق الصوفية التي نظمتها مؤخرا ،محاولة نسب الطريقة التجانية ومؤسسيها إليها وادعاء انتمائهم الجزائري في محاولة لصرف اتجاههم عن فاس التي تعتبر عاصمتهم الروحية . من خلال هذا السرد يتجلى أن للمغرب منافسين كثر وان الحضور المغربي ليس بالمستوى المطلوب سواء من خلال المساجد والمراكز الثقافية أو من خلال التأطير الديني للائمة الأفارقة رغم الجهود التي تبذل في المجال والتي تعتبر غير كافية . وعلى الصعيد الثقافي فان المجتمعات الإفريقية تتقاسم آداب وثقافات تبرز تشابهات كبيرة لكن في الآن ذاته هناك اختلافات، ويتغير ذلك بحسب المواقع الجغرافية والظروف الاقتصادية والسياسة والاجتماعية. وتتحقق التشابهات من خلال المواضيع المتناولة وان اختلفت الطريقة . ومن الناحية الأدبية فان الكثير من البلدان الإفريقية تتقاسم الآداب الفرانكفوني ، والحقل الأدبي الإفريقي يتميز بخصوصيات متشابهة، سواء في شمال القارة أو في جنوب الصحراء. ومن الناحية التعليمية يشكل المغرب مرجعا لكل القيادات الإفريقية ويستقطب الكثير من الطلاب في جميع المجالات وتستفيد إفريقيا من حوالي 2000 منحة سنويا. الحضور الاقتصادي المغربي في افريقيا يأتي المغرب في المرتبة العشرين على صعيد الاستثمارات في إفريقيا بقيمة استثمارات تقارب 400 مليون دولار والتي لا تمثل سوى 0,4 في المائة من إجمالي الاستثمارات في إفريقيا. وقد قامت الدولة المغربية بعدة خطوات من شانها المساهمة في اختراق المنطقة الإفريقية جنوب الصحراء من خلال إلغاء ديون الدول الإفريقية الفقيرة.كما تم توقيع عدة اتفاقيات مع الاتحاد النقدي لدول غرب افر قيا والكوميسا كان ممكنا أن تشكل حافزا للشركات المغربية وإمكانية الاستفادة منها بشكل كبير مما ستوفره من عائد مربح ، أكثر من الاتجاه شمالا نحو أوربا الذي تعتريه صعوبات كبيرة ومنافسة شديدة مع عائد قليل . واتفاقيات التجارة والتعريفات الجمركية الموقعة مع الدول الإفريقية شملت 11 دولة فقط مع غياب للدول الكبرى مثل جنوب إفريقيا وغانا وكينيا وغيرها ،خاصة وإنها تمثل مركز الثقل في التجارة في إفريقيا . وتتراوح المبادلات التجارية المغربية مع إفريقيا جنوب الصحراء بين 300 و 400 مليون دولار أي ما يعادل 2 في المائة من المبادلات التجارية المغربية الخارجية. وقد كانت الكفة مائلة لفائدة الدول الإفريقية إلى حدود سنة 2003 سيتغير الوضع لصالح المغرب حيث سيتم تحقيق فائض لصالحه بحوالي 97 مليون دولار. ويهيمن على الصادرات المغربية والواردات موارد الطاقة والصناعة الغذائية فواردات المغرب من إفريقيا حوالي 50 في المائة منهامواد غذائية و مواد الطاقة 46 في المائة ، أما الصادرات الغذائية فتشكل 54في المائة كما أن النسيج يشكل 15 في المائة ونسبة الصادرات الكيماوية18في المائة من إجمالي الصادرات نحو إفريقيا . وهكذا فان صادرات المغرب نحو إفريقيا من مواد الصناعات الغذائية لا تمثل سوى 0,7 في المائة من واردات إفريقيا من المواد الغذائية وهي حوالي 3,7في المائة من إجمالي الصادرات المغربية الخارجية من هذه المواد. أما صادرات النسيج المغربي فهي لا تمثل سوى 0,5 في المائة من واردات إفريقيا في المجال وحوالي 0,8 في المائة من إجمالي صادرات النسيج المغربي نحو الخارج . وبدورها المواد الكيماوية لا تتجاوز 0,2 في المائة من واردات إفريقيا وتمثل 1,6في المائة فقط من إجمالي صادرات المغرب الكيماوية. من خلال هذه الإحصائيات يتبين أن الحضور الاقتصادي المغربي على المستوى الإفريقي ما يزال ضعيفا ليس مقارنة مع الدول الأخرى وإنما انطلاقا من المؤهلات التي تؤهله أكثر من غيره والاستفادة من القيم المضافة والروابط المشتركة مع المنطقة التي بإمكانها أن تعزز الحضور الاقتصادي للمغرب بشكل اكبر . كما أن بنية الصادرات والواردات تغلب عليها مواد الصناعات الغذائية والطاقة في الوقت الذي تشهد فيه إفريقيا حركية اقتصادية مهمة في مجال الخدمات والبنيات التحتية والاتصالات والحضور المغربي في هذا المجال مازال ضعيفا، كما أن المقاولات المغربية لا تستفيد من الاتفاقات التجارية التفضيلية الموقعة مع الدول الإفريقية ، وليس مطلوبا كذلك من المغرب أن ينافس الصين ومقاولاتها التي تناهز صادراتها 40 مليار دولار، لكن على الأقل أن يحظى بنصيب كبير من السوق الإفريقي. لقد تعودت المقاولات المغربية غالبا أن تنتج على مقاس ومتطلبات السوق الأوربية ولا تولي أهمية للسوق الإفريقية وحاجاته وهذا ما جعلها لا تفكر في التوجه جنوبا،وقد بدأت بعض الشركات المغربية بالفعل تعزز موقعها في بعض الدول الإفريقية و استطاعت أن تنافس واهم هذه الشركات هي آونا عبر شركة مناجم ومجموعة الشعبي وبعض الابناك واتصالات المغرب . الحضور السياسي المغربي يتوفر المغرب على 23 ممثليه دبلوماسية بالقارة الإفريقية بما يمثل حوالي نصف الدول الإفريقية. وما تزال 8 دول افريقية هي من يعترف بالبوليساريو وهذه الدول ليست من الدول الكبيرة وذات التأثير الدبلوماسي على المستوى الإفريقي باستثناء الجزائروجنوب إفريقيا التي تستغل الفراغ الذي تركه خروج المغرب من الاتحاد الإفريقي بحيث لا يمكن للدول الأخرى أن تدافع عن المغرب في ظل غيابه مهما كانت درجة العلاقات الدبلوماسية ، كما انه كان ممكنا أن يتم تغيير الكثير من المواقف المساندة للانفصاليين خاصة أن باقي الدول الأخرى يمكن اعتبارها داعمة للمغرب أو في اضعف الأحوال محافظة على الحياد . وغياب المغرب أيضا على مستوى دبلوماسية فض النزاعات على الصعيد الإفريقي والذي كان بالإمكان أن يعطي فرص كبيرة للنجاح في هذا المجال كما حصل مع غينيا كوناكري حيث نجحت الوساطة المغربية في جمع أطراف النزاع على حل لازمة البلد . وهذا الغياب يمكن ملاحظته على مستوى الدول التي كانت لها علاقات متميزة مع المغرب ومنها سيراليون وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكوت ديفوار كما غابت الدبلوماسية المغربية أيضا على النزاع في دارفور وكما حدث أيضا في اقرب جار للمغرب وهي موريتانيا حيث كانت السنغال هي من لعب دور كبير في حل المشكل. وهذا لا ينفي أن للمغرب حضور في هذا الدول على مستوى التجريدية المغربية في قوات حفظ السلام تحت مظلة الأممالمتحدة,وهذا الحضور يمكن أن يتم إرجاع فضله للتوجه الملكي مند تولي محمد السادس الحكم والذي تنفذه الخارجية لكن عناصر ضعفه تتجلى في عدم تفعيله على الأرض من خلال التمثيليات الدبلوماسية في هذه الدول والتي لم تستطع ربط علاقات وثيقة مع جميع الإطراف في هذه البلدان يمكن استثمارها في حالة نشوب نزاع في هذه الدول خاصة أن السمة الغالبة على إفريقيا هي عدم الاستقرار السياسي ، وهذا يعني أن الدبلوماسية تفتقد لخطط تنفيذية للتوجهات العامة. ويمكن أن نبين بعض علامات هذا الغياب من خلال اتسام الموقف المغربي بالانتظارية دائما حيال الأحداث والوضع السياسي في بعض الدول ، ويمكن للبعض أن يعزي هذا التصرف إلى عدم التسرع في إعلان المواقف في انتظار اتضاح الأمور ،لكن هذا يمكن أن يكون في حالة واحدة أي في حالة الغياب عن الواقع وعدم فهمه أما في حالة المغرب فالحضور الدبلوماسي كان حاضرا دائما في كل الدول التي شهدت انقلابات أو نزاعات ويفترض وضوح الرؤية ومعرفة التغيرات قبل حصولها كما تفعل الدول الكبري خاصة فرنسا وأمريكا والتي تعطي الضوء الأخضر قبل أي تغيير وهي التي تدعمه في الغالب.ومؤشر ذلك أن الدول الغربية تعمد إلى إجلاء جالياتها أو على الأقل توجيه تحذير لها بعدم السفر نحو البلد أو غير ذلك من الإجراءات التي تؤكد الحضور الفعلي للدبلوماسية ومعرفتها بالوضع، ومن هذا ما حصل مع الجاليات المغربية في كل من كوت ديفوار وسيراليون وتشاد حيث لم تجد ملجأ غير السفارة الفرنسية. كما أن دبلوماسية المنظمات الإنسانية غائبة أيضا على الصعيد الإفريقي فلا توجد منظمات إنسانية مغربية على الصعيد الإفريقي باستثناء المنظمة العلوية للتنمية المستدامة في السنغال. وليس من الغريب أن نجد الحضور القطري على المستوى الإفريقي ينافس الدول الكبرى رغم صغر حجم الدولة إلا أن حضورها كبير على الصعيد الدبلوماسي . وتجليات غياب الفعالية للدبلوماسية للسفارات أيضا ينعكس على المستوى الاقتصادي من خلال غياب التعريف بالمنتوج المغربي وغياب المعارض التجارية مقارنة مع باقي الدول سوريا وإيران و الجزائر و تونس ومصر والتي تحتفظ على مواعيد سنوية تعرف ببلدانها وبمنتوجاتها. ويتجلى هذا الضعف أيضا على المستوى الإعلامي من خلال وسائل الإعلام المحلية لأنشطة السفارات التي لا تتجاوز الإطار البروتوكولي استقبال وحضور المناسبات وجهل الكثير من المثقفين بالوضع الحقيقي في الصحراء المغربية كما أن المناهج الدراسية والمنشورات والخرائط التي تصدر وتنشر في هذه الدول تظهر المغرب بدون صحراء. وقد كان بالإمكان أن تكون أفريقا مدخلا لحل الكثير من المشاكل بالمغرب سواء على المستوى الاقتصادي من خلال إحداث فرص التشغيل في الكثير من المشاريع بحيث تمثل سوق كبيرة حوالي 800 مليون نسمة اكبر من الاتحاد الأوربي ودرجة الاستهلاك في أفريقيا اكبر بكثير من أوربا فالسنغال مثلا تستورد أكثر من 20 ألف طن من الدجاج المجمد سنويا وسعره حوالي ثلاثة يورو للكيلوغرام ،كما أن أزمة المقاولات المغربية خاصة في قطاع النسيج يمكن أن تستفيد من هذه الأسواق .وعلى الصعيد الفلاحي أيضا تتوفر أفريقيا على أهم عناصر الإنتاج- الأرض والماء- وقد عرفت إقبال الدول الخليجية على الاستثمار فيها بشكل كبير خاصة مع وجود يد عاملة رخيصة. *باحث في الشؤون الإفريقية