أخذ النقاش المتعلق بمصيبة مسجد البردعيين نصف المدى الزمني المخصص لبرنامج حوار الذي استضاف الثلاثاء الماضي وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية. وإذا كان المتحاورون لم يتوصلوا إلى جواب عن السؤال الجوهري: ما هو حيز المسؤولية الملقاة على عاتق وزارة الأوقاف؟ فإنهم أغفلوا جانبا مهما يرتبط بالموضوع؛ وهو دور ترشيد نفقات الوزارة في الوقاية من مثل تلك الكوارث؛ ويمكن أن نتساءل في هذا الصدد: ألم يكن الأولى أن تستثمر الأموال الهائلة التي أنفقت على تلفزات المساجد في تعجيل وتيرة الإجراءات المتعلقة بالصيانة العمرانية للمساجد المهددة؟ وقد بين السيد الوزير أن عملية تأهيل الحقل الديني ذات بعدين؛ عقدي وعمراني، والحقيقة أن الشق العقدي يحتاج إلى طرح أعمق وأدق مما شاهدناه في برنامج حوار. ومن ذلك مناقشة التحدي الذي يشكله المد العلماني أمام هيكلة الحقل الديني وصيانة الأمن الروحي للمغاربة. وكنت أود أن يطرح الوزير على مائدة الحوار رؤيته في الموضوع، والتي صرح بها في مناسبات أخرى؛ كقوله في حوار مع يومية الاتحاد الاشتراكي (في أعدادها لأيام 10-11-12 أكتوبر 2005م) بأنه يتبنى خريطة لمشروع ديني متساوق مع المشروع السياسي ورافد له أيضا، والذي من شأنه أن يزيل من الأذهان تماما أن هناك احتمال التنافر أو الاصطدام بين هذه المقومات".اه وأكد أنه يؤمن بنظرية الإدماج والاندماج، وأنها لقيت ترحيبا وارتياحا كبيرا من كل القوى السياسية! وهنا نقول: ألا يخشى السيد الوزير أن تشكل هذه النظرية مزيدا من الإقصاء للشريعة وترسيخا للهيمنة العلمانية على مؤسسات البلاد، وفرضها تدينا يتوافق مع أكبر مبادئها المناقضة للإسلام؟ وهو ما تؤشر إليه غلبة القناعات العلمانية فيما يصطدم فيه الديني بالسياسي؟ (فتوى تحريم الربا نموذجا). ألا يُخشى أن يمثل هذا الطرح مرقاة سهلة يتسلل منها العلمانيون لتطبيق مشروعهم لعلمنة البلاد؛ وهو ما يوحي به الواقع على مستوى الإعلام والتعليم والثقافة؛ فإن الطرح الإسلامي لا يكاد يظهر أمام طغيان الطرح العلماني؛ لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف. إن أخشى ما نخشاه أن يكون حال المؤتمنين على الحقل الديني مع العلمانيين كحال الثور الأسود الذي قال: ألا إني أكلت يوم أكل الثور الأبيض! فإنه لم يعد خافيا أن المغرب يشهد مدا علمانيا مركزا ومدعوما، يحتاج في مواجهته إلى الحزم واليقظة، أكثر من الحاجة إلى سياسة التهوين واستبعاد فكرة الصراع والتنافس؛ فإن هذين الأخيرين واقع لن تغطيه سياسة التقارب والتلفيق إلا إذا غطى الغربال ضوء الشمس. ..وإلا فكيف نفسر تطاول العلمانيين على الدكتور ابن شقرون حين ندد بمظاهر التفسخ والعري التي لطخت شواطئ المغرب؟ وكيف نفسر محاسبة وزارة الأوقاف خطيبا على إنكاره على العلماني عبد القادر البنا الذي استهزأ علانية بأحكام شرعية قطعية؟ وكيف نفسر غياب مواقف شرعية جادة من مطالبة حميش رئيسة الجمعية المغربية للوقاية من السيدا بتوفير العازل الطبي لتلامذة المدارس، ومطالبة الرياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بإلغاء القانون الذي يعاقب على ممارسة الشذوذ الجنسي، ومطالبة الرويسي رئيسة بيت الحكمة بإلغاء القانون الذي يحرم شرب الخمر على المسلمين؟ وثالثة الأثافي العدوان الخطير الذي شنه العلمانيان بوهندي وأركون على القرآن الكريم الذي هو أعظم ما تؤتمن عليه وزارة الشؤون الدينية. وقد وقف الدكتوران مصطفى بن حمزة وسعيد بهي موقفا مشكورا في إنكار ذلك المنكر من خلال مقالتين نشرتا في أسبوعية المحجة ويومية التجديد، إلا أن هذا يبقى غير كاف؛ فإن تلكما المقالتين لن تصلا إلى مشاهدي قناة 2M، التي استضافت من يفسد المفاهيم، ولم تفسح المجال لمن يصلح ما فسد. وتغييب مثل ذلك البيان من الإعلام العمومي؛ يؤكد أن العلمانيين يكيلون بمكيالين، وأنهم لا يقابلون تساهل المسؤول الديني معهم بالمثل. ..كما أغفل البرنامج مناقشة إشكالية الأضرحة والمواسم التي انتعشت بمنكراتها ومفاسدها في ظل تولي السيد توفيق مقاليد الشؤون الإسلامية، وقد بيّن رؤيته بخصوص الزوايا، إلا أنه سكت عن أمر يلح المغاربة على معرفته: لماذا يغض الطرف عن منكرات المواسم (الدينية)؛ وعلى رأسها: الشرك بالله؟؟ (موسم علي بن حمدوش نموذجا). وهذا يجرنا إلى مسألة مهمة؛ ألا وهي مفهوم الشرك عند بعض المسؤولين عن الشأن الديني؛ الذين لا يعتبرون كثيرا من تلك الممارسات شركا ولا بدعة؛ إلى حد زعم بعضهم أنه لا يوجد في المغرب شرك!! ولله ذر العلامة المصلح محمد الميلي (م. 1945ه) أحد مؤسسي جمعية العلماء بالجزائر؛ الذي تعجب من التهوين من أمر الشرك وإهمال إنكاره؛ فقال رحمه الله: "..وستعجب معي من قلة اهتمام علمائنا بذلك، كأن لا حاجة بالمسلمين إليه، فلا تجدهم يعنون بتحديد الشرك وتفصيل أنواعه وتعديد مظاهره حتى يرسخ في نفوس العامة الحذر منه". وقال في بيان نتيجة إهمال الكلام في الشرك: "نتج عن قلة الكلام في هذا الموضوع؛ أن صار الشرك أخفى المعاصي معنى وإن كان أجلاها حكما؛ فلظهور حكمه وكونه من الضروريات ترى المسلمين عامتهم يتبرأون منه ويغضبون كل الغضب إن نسبوا إليه، ولخفاء معناه وقع من وقع منهم فيه وهم لا يشعرون، ثم وجدوا من أدعياء العلم من يسمي لهم عقائد الشرك وأعماله بأسماء تدخل في عقائد الإسلام وأعماله، ثم يدافع عنهم ويحشرهم في زمرة أهل السنة، ويشنع على العلماء الناصحين، حتى إنه ليخيل إليك أن العامي أقرب إلى السنة من أولئك العلماء النصحاء"اه. وفي هذا السياق؛ نسجل إغفال البرنامج مناقشة المذكرة الوزارية التي أمرت العلماء والخطباء والوعاظ بالدعاية للأضرحة! مع أنها سابقة خطيرة تهدد عقيدة المغاربة لما تعرفه هذه الأماكن من أعمال شركية وبدع تمس العقيدة الإسلامية الصافية وخرافات ودجل وشعوذة، تتنافى مع دعاوى الحداثة والتنور، وتتعارض بل تتناقض مع "التصوف" السني للجنيد وأمثاله. كما يلاحظ على معالي الوزير موقفه العجيب من مسألة محاورة ما يسمى بالسلفية الجهادية؛ والذي سوغه بأن المغرب لا يشترط أن يستنسخ تجارب الآخرين! وأن العلماء قد عقدوا ندوة طبعت ليرجع إليها من شاء!! وهذا أيضا تهوين ليس في محله؛ فإن الحوار منهج قرآني وهدي نبوي وسَنن سلفي قبل أن يكون تجربة معاصرة. وله أهداف مهمة جدا، لا سيما في مواجهة فكر الغلو والتشدد؛ لأن ذلك الفكر ليس حبيس عقول المسجونين، وقد يكون حملته خارج السجون أكثر من حملته داخلها، وهو قابل للتفشي بشكل خطير، لا سيما في ظل واقع الأمة المدلهم، فلا بد من بناء سد منيع في وجهه؛ بمحاورة حملته ليرجعوا ويحذروا غيرهم. ومن تهوينات السيد الوزير؛ التهوين من أمر انتشار التنصير والتشيع! مع أن السؤال ملح عن جهود الوزارة في مواجهتهما على مستوى القنوات المغربية والإذاعات الوطنية ومواقع الشبكة العنكبوتية وغرف الدردشة وغيرها؟ ولا أدري هل يعلم الدكتور توفيق بأن شرذمة من نصارى الارتزاق فتحت غرفة سمتها: المسيح يتمجد في المغرب؟! كان يدخلها المئات يوميا إلى أن انبرى لها ثلة من الإخوة السلفيين، بغرفة سموها: الله سبحانه يتمجد في المغرب. والشيء نفسه حصل مع دعاة التشيع. أما مواقع التنصير وقنواته وإذاعاته فسيل جارف لا يستسيغ العقل أو المنطق التهوين من شأنه. وكان الأولى أن يقابله المؤتمنون على سكينة المغاربة وأمنهم الروحي بالحجم الكافي، بدل إغلاق دور القرآن السلفية بذريعة الحفاظ على الأمن والسكينة المذكورين!! وهنا أود لفت انتباه السيد الوزير؛ إلى أن من مداخل الخلل في عملية الهيكلة؛ نهج سياسة الأحادية والسعي لإقصاء المخالف الذي لا يقل أهلية ولا غيرة على الدين والوطن، وأعني به خصوصا؛ العالم أو الداعية السلفي، مع أن السلفيين من أكبر حماة المغرب السني ومنهج الإمام مالك. والواقع يؤكد أن تعاون القطاع الخاص مع مؤسسات الدولة؛ ظاهرة صحية في كافة المجالات، ومنها: المجال الديني، ما دام الجميع في إطار ثوابت البلاد؛ وهي: الإسلام السني والوحدة والملكية...