اختار الشعب الفرنسي، يوم 6 ماي 2007، رئيسا جديدا هو نيكولا ساركوزي Nicolas Sarkozy. قد تبدو العملية عادية تتكرر كل خمس سنوات حسب مقتضيات الدستور الفرنسي. لكن غير العادي في انتخاب الرئيس الجديد ساركوزي، هو أن هذا الأخير ذو أصول أجنبية وليست فرنسية إذ أنه ابن مهاجر مجري Hongrois لم يستقر بفرنسا إلا في 1948. وما علاقة انتخاب رئيس فرنسي ينحدر من بلاد المجر بالقضية الأمازيغية؟ 1 العلاقة تتجلى في أن حكام بلدان تامازغا (شمال إفريقيا)، كما في المغرب على الخصوص، ينحدرون أو يعتقدون ذلك هم أيضا من أصول أجنبية وليست أمازيغية ترجع إلى بلاد العرب بشبه الجزيرة العربية، عندما هاجر منها أحد أجدادهم إلى بلاد تامازغا التي استقر بها واتخذها موطنا نهائيا له دون التفكير في العودة إلى موطنه الأصلي بالمشرق العربي. 2 ساركوزي، ابن المهاجر المجري، استطاع بلوغ أعلى مراتب السلطة السياسية بفرنسا ابتداء من تاريخ انتخابه رئيسا لفرنسا. وهو ما حصل كذلك لبعض أبناء المهاجرين العرب، الذين (أبناء) أصبحوا يشغلون أعلى مراتب السلطة ببلاد تامازغا التي هاجر إليها أجدادهم منذ قرون، حيث نجد منهم اليوم ملوكا ووزراء وحكاما ورجال سلطة وقرار من مختلف مستويات الحكم والمسؤولية السياسية. هنا تنتهي أوجه الشبه لتبدأ أوجه الاختلاف بين ابن المهاجر المجري بفرنسا وأبناء المهاجرين العرب الذين يحكمون اليوم بلدان تامازغا، وخصوصا المغرب. فساركوزي ابن المهاجر المجري، بنى برنامجه للانتخابات الرئاسية، والذي على أساسه اختاره الفرنسيون، على الارتباط بالأرض الفرنسية والدفاع عن الهوية الفرنسية وحماية اللغة الفرنسية، إلى درجة أنه وعد الفرنسيين بأنه سينشئ وزارة خاصة بحماية الهوية الفرنسية، وهو ما وفى به ونفذه بمجرد تشكيل حكومته الجديدة مباشرة عقب تنصيبه رئيسا للفرنسيين. أما حكام تامازغا من أبناء المهاجرين العرب، فقد بنوا برامجهم السياسية، ليس على الارتباط بأرض تامازغا والدفاع عن الهوية الأمازيغية وحماية اللغة الأمازيغية، كما فعل ابن المهاجر ساركوزي، بل بنوا كل سياساتهم العمومية على الارتباط بالعروبة التي لا زالوا يصرون على الانتماء إليها، وعلى حماية لغة أجدادهم العرب التي لا زالوا متمادين في استعمالها وفرض استعمالها على الشعب الأمازيغي كلغة رسمية وحيدة لبلدان تامازغا. ابن المهاجر المجري ساركوزي أصبح فخورا بهويته الفرنسية الجديدة، قاطعا بذلك كل علاقة بهوية أجداده المجرية، يعترف في خطبه وتصريحاته بأنه مدين بالشيء الكثير لفرنسا التي احتضنته واعتبرته واحدا من أبنائها، ويقول بأن الوقت قد حان لأن يرد لفرنسا بعضا من جميلها الكثير الذي أسدته إليه، وذلك بالتفاني في خدمتها وحماية الهوية الفرنسية والرفع من مكانة اللغة الفرنسية. وهكذا كان ينادي ويؤكد أثناء حملته الانتخابية بأن لا مكان بفرنسا لمن لا يحب فرنسا لأن له وطنا آخر يحبه، وعليه أن يغادرها إلى الوطن الذي يحب. أما حكام تامازغا من أبناء المهاجرين العرب، فبمجرد ما يصبحون ملوكا أو رؤساء أو وزراء وأصحاب قرار، يستعملون السلطة التي يتوفرون عليها لإقصاء الهوية الأمازيغية واستبدالها بهوية أجدادهم المهاجرين العرب، ومحاربة اللغة الأمازيغية وإحلال مكانها لغة أجدادهم العربية، متنكرين بشكل فيه كثر من الغدر والخيانة، للجميل الذي أسدته بلاد تامازغا لأجدادهم عندما احتضنتهم كمهاجرين بؤساء، أطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف. وعكس ابن المهاجر المجري ساركوزي الذي يفتخر بانتمائه الفرنسي الجديد، يحتقر حكام تامازغا، الذين يعتقدون أنهم سليلو المهاجرين العرب، الهوية الأمازيغية ويعلنون انتماءهم العربي فوق أرض أمازيغية آوتهم واحتضنتهم، يأكلون من خيراتها ويستمتعون بثرواتها، وفي نفس الوقت يتنكرون لهويتها ولغتها. ابن المهاجر المجري ساركوزي لا يدعي أنه صاحب "نسب شريف" ينحدر من "مجر شريفة"، بل يعلن، مفتخرا بذلك، أنه فرنسي وذو انتماء هوياتي فرنسي، وأن "نسبه الشريف" الحقيقي والكبير هو أن ينتسب إلى فرنسا العظيمة. أما حكامنا أبناء المهاجرين العرب، فيقولون بأنهم ذوو "نسب شريف" لأنهم ينحدرون من أرومة عربية ذات ميزات بيولوجية خاصة، مفضلين أصلهم العرقي على الأمازيغ الذين يعتبرونهم ذوي أصول "بربرية" غير شريفة، وهو ما ينظرون إليه كامتياز "دموي" يعطي لهم الحق في حكم الأمازيغ ذوي الأصول "البربرية"، مع أن هذا الذي يعتبرونه امتيازا "دمويا" ليس إلا سلوكا عنصريا ذا أصول بدوية جاهلية لا شرف فيه ولا نبل. ابن المهاجر المجري ساركوزي كرر مرارا أن من لا يجيد اللغة الفرنسية وليس لغة أجداده المجرية لا حق له في الإقامة بفرنسا. أما حكامنا أبناء المهاجرين العرب، فقد أعلنوا الحرب على اللغة الأمازيغية التي احتضنت أجدادهم، مع فرض لغة هؤلاء الأجداد المهاجرين على الشعب الأمازيغي، وذلك بنهج سياسة التعريب الإجرامية التي ترمي إلى تحويل الأمازيغ إلى عرب رغم أنوفهم. ابن المهاجر المجري ساركوزي لن يعمل على إلحاق فرنسا ب"جامعة مجرية" لا تنتمي إليها إلا الشعوب ذات الأصول المجرية، كمعيار عنصري وعرقي. أما حكامنا أبناء المهاجرين العرب، فقد ألحقوا بلدان تامازغا ب"جامعة عربية" تشترط في أعضائها الدم العربي "الشريف" الذي كان يحمله أجدادهم (الحكام) المهاجرون، وهو شرط عنصري و"دموي" من بقايا البداوة العربية في أيام الجاهلية التي كانت تمجد النسب والنقاء العرقي حتى أن "علم الأنساب" كان علما عربيا بامتياز. كما أن تحويل بلدان أمازيغية إلى بلدان عربية عضوة بالجامعة العربية يشكل خيانة للأمانة وتصرفا غير مشروع في ملك الغير. ابن المهاجر المجري ساركوزي يدافع عن اتحاد أوروبي يقوم على الجغرافيا، وليس على العرق والدم. أما حكامنا أبناء المهاجرين العرب، فقد خلقوا اتحاد وهميا سموه "اتحاد المغرب العربي"، أي منسوبا إلى العروبة بمضمونها العرقي، والتي كان أجدادهم المهاجرون ينتمون إليها. ابن المهاجر المجري ساركوزي لن يجعل من باريز عاصمة للثقافة المجرية، كما فعل أصحاب القرار من أبناء المهاجرين ببلاد تامازغا الذين جعلوا من الرباط ومن الجزائر عاصمتين للثقافة العربية، دون مراعاة لمشاعر الملايين من الأمازيغ الذي يشاهدون ثقافتهم الأمازيغية تموت وتغتال تحت زحف ثقافة المشرق العربي التي فتح الحكام لها أبواب تامازغا على مصراعيها. ابن المهاجر المجري ساركوزي لن يسمح باستدعاء الفنانين المجريين للغناء في فرنسا مقابل مئات الملايين من أموال الفرنسيين. بل إن هذه الملايين يرصدها لتشجيع الفن الفرنسي ودعم المغنين الفرنسيين. أما أصحاب القرار عندنا، من أبناء المهاجرين العرب، فقد حولوا بلدان تامازغا إلى قبلة مفضلة للفنانين المشارقة الذين يحصلون في سويعات من الغناء بالمغرب، يصيحون فيها "بحبك"، على أكثر مما يحصلون عليه في كل حياتهم الغنائية ببلدانهم العربية بالمشرق. هذا في الوقت الذي يهمش فيه الفنانون الأمازيغيون ويقصى الفن الأمازيغي كجزء من مخطط التعريب الرامي إلى القضاء نهائيا على كل ما هو أمازيغي. ابن المهاجر ساركوزي لن يصدر قوانين تمنع تسمية المواليد الفرنسيين الجدد بأسماء أجداهم الفرنسيين. أما أصحاب القرار عندنا من أبناء المهاجرين العرب، فيصدرون مثل هذه القوانين التي تمنع تسمية الأمازيغيين بأسماء أمازيغية، لفرض وتعميم أسماء أجدادهم العرب على الأمازيغيين بهدف قتل الهوية الأمازيغية وتذويبها في الهوية العربية لأولئك الأجداد. ابن المهاجر المجري ساركوزي لن يجعل القضايا المجرية لبلد أجداده تحظى بالأولوية على القضايا الفرنسية، أو تتصدر نشرات الأخبار والصفحات الأولى للجرائد الفرنسية. أما أبناء المهاجرين العرب، أصحاب القرار ببلدان تامازغا، فجعلوا من قضايا بلدان أجدادهم المهاجرين، قضايا وطنية تحظى بكل الاهتمام الذي لا تحظى به حتى في البلدان العربية المعنية الأولى بتلك القضايا. ... إن حالة الرئيس ساركوزي، ذي الأصول الأجنبية غير الفرنسية، تقدم مثالا حيا لمفهوم الهوية الذي كتبنا مرارا أنها تتحدد بالموطن وليس بالعرق والنسب، وإلا لكان الرئيس ساركوزي مجريا وليس فرنسيا. فمن استقر بفرنسا بصفة دائمة ونهائية، فإن أبناءه سيكونون فرنسيين في هويتهم، مع كل ما يترتب عن انتمائهم الهوياتي الفرنسي الجديد من دفاع عن هذا الانتماء وما يرتبط به من لغة فرنسية وثقافة فرنسية وقيم فرنسية. وهذا ما تجسده حالة الرئيس ساركوزي الذي أصبح فرنسيا في هويته ولغته ومدافعا عن هذه الهوية واللغة بشكل قال عنه خصومه بأنه (الشكل) متطرف يقرّبه من زعيم اليمين المتطرف جون ماري لوبين صاحب مبدأ "فرنسا للفرنسيين". أما حكامنا، أبناء المهاجرين العرب الذين استقروا بتامازغا منذ قرون، فلا زالوا متمسكين بالهوية العربية لأجدادهم العرب، رافضين الهوية الأمازيغية للبلد الذي احتضنهم ورحب بهم، مستعملين سلطتهم السياسية ومستغلين إمكانات الدولة، لتعريب البلدان الأمازيغية التي يحكمونها، وتحويلها إلى هوية حفنة من المهاجرين العرب الذي حلوا بالمغرب منذ قرون عديدة. إذا استمر هؤلاء الحكام، أبناء المهاجرين العرب، في تعريب تامازغا وإلحاقها بالبلدان الأصلية لأجدادهم التي هي البلاد العربية بالمشرق، فإن هذه الحالة تشكل استعمارا عربيا حقيقيا تجب مقاومته ومواجهته. إما إذا اعترف هؤلاء الحكام، كما فعل الرئيس ساركوزي، بأنهم أصبحوا أمازيغيين وذوي هوية أمازيغية مستمدة من الأرض الأمازيغية التي يعيشون فيها، مع ما يترتب عن ذلك من دفاع عن هذه الهوية واستعمال للغتها الأمازيغية وإعلان المغرب دولة أمازيغية بعد انسحابه مما يسمى "الجامعة العربية"، فسنرحب بهم من جديد ونحتضنهم مرة أخرى ونلتف حولهم ونتعاون معهم، كما فعل الفرنسيون مع ساركوزي ذي الأصول الأجنبية، ونحميهم ونذود عنهم كحكام شرعيين لبلدان تامازغا، أي كحكام أمازيغيين وليسوا أجانب. فهل سيأخذ حكام المغرب الدرس من الرئيس ساركوزي، ويعلنون عن انتمائهم الأمازيغي ويقررون أن المغرب دولة أمازيغية لغتها الأولى هي اللغة الأمازيغية؟