لقد قيل إن الشعب لا ينال إلا النظام و الحكومة و المنتخبين الذين يستحق. فهل هذه المقولة تنطبق على بلادنا، سيما من جانب المنتخبين و السياسيين المساهمين في تدبير الشأن العام؟ فإن صحّت هذه المقولة، فعلا، عندنا و بالنسبة للمغاربة، فلا يجب علينا لوم منتخبينا القائمين على شأننا العام، و ذلك رغم كل "الترهات" أو التخريجات الغريبة التي قد يحلمون بها ليلا و يفتون بها صباحا. إن صحّت حقا هذه المقولة، فالشعب المغربي مازالت أمامه مراحل يقطعها ليستحق منتخبين في المستوى التي تتطلبه المرحلة الحالية و تستوجبه مستلزمات عصر الديمقراطية، و بالتالي على الذين يحلمون بالتغيير المجدي و يتوقون لغد أفضل و التدبير العقلاني و النزاهة و المعقول في تسيير الشأن العام، أن يستعدوا ل "سبات شتوي طويل الأمد" في انتظار أن يرقى الشعب إلى مستوى يستحق معه ممثلين من هذا العيار ما دام شعبنا – استنادا للمقولة أعلاه- لا يستحق إلا ممثلين من طينة حميد شباط و أمثاله الذين يسعون عبثا – في نطاق العبث السياسي و سياسة العبث - ليكونوا سبّاقين في طرح الرأي الذي لا مثيل له و الفكر و الإبداع الفذ رغم عدم جدواه. ومن المؤشرات التي قد تدفع المرء إلى الاعتقاد بصحة المقولة، العبثية و البلادة اللتان لازال الكثير من القائمين على أمورنا يتعاملون بها كنهج للتدبير، و منها استمرار احتفاظ بالصحفي إدريس شحتان، مدير أسبوعية "المشعل"، بالسجن و الإصرار على حرمان صحفييها من البطاقات المهنية رغم أن أحدثهم مارس أكثر من 5 سنوات. و كذلك الأمر بالنسبة لرسام الكاريكاتوري المشاغب، خالد كدار، الذي منع من مغادرة التراب الوطني. و منها كذلك طريقة التعاطي مع نازلة الخطأ المطبعي الذي سقطت فيه سهوا يومية " أخبار اليوم" عندما نشرت أن لوجورنال رأت النور في عهد الراحل الحسن الثاني و لقت حتفها في عهد ( الراحل) [ و هذا هو الخطأ غير المقصود] محمد السادس. و قس على هذا " العمارية المقدسة" و "أحجار سور القصر الملكي التي اعتبرها قضاؤنا الموقر مقدسة" و "المغرب أجمل بلد في العالم" و هلم جرا. وهذه مؤشرات تشي بأننا نعيش عهد العبث بامتياز ، وما أقصده هنا بالضبط هو العبث السياسي و سياسة العبث اللذان يعملان على إنتاج أشكال عبث أخرى تتسم بها أحوال الشأن العام و تخترق المجتمع كله. و بذلك تخلق تمظهرات سياسية غريبة تكشف حجم العبث الذي أضحى يلف واقعنا العام. وفي واقع الأمر يحتضن المغرب "شباطات" عدة و ليس شباط فاس وحده، لكن هذا الأخير طفا نجمه بشكل غريب قد لا يستبعد تواطؤ جهات وازنة. سيما و أن عمدة العاصمة العلمية محاط على الدوام بأشخاص يكادون يشكلون "ميليشيا" موصوفة بحماسة مصطنعة تشي بالطابع الغوغائي والاحترافي لهؤلاء ،باعتبارهم من فتوات السيد العمدة الذين يعتمد على خدماتهم في كل مبارزاته السياسية التي أفرزها عهد العبث و السياسي المكرس بانتهازية نخبه و عطالة مثقفيه وعزوف جماهيره وانسحابهم من اللعبة السياسية المستثمرة من طرف كائنات تحمل صفة "ممثلي الأمة" تجعل من كل عناصر الهامش بفقرها و إقصائها وانحرافها وأميتها وجهلها وسذاجتها مطية للوصول إلى أعلى مراكز القرار لإعادة إنتاج العبث السياسي و سياسة العبث. وهكذا أصبح يبدو للمرء كما لو أنّ الذين بيدهم الحل والعقد في إدارة شؤون البلاد يلهون غير واعين بجسامة مسؤولياتهم و المهام الملقاة على عاتقهم. و هذا ما يجعل، أيضا، الناس يطرحون أكثر من سؤال عن المؤهلات التي جعلت أشخاصا معينين يظلون يحتلون مواقع حساسة رغم أنهم برهنوا بالملموس عن أنهم الأشخاص غير المناسبين. هذا غيض قليل من فيض كثير نطل من خلاله على العبث السياسي و سياسة العبث ببلادنا، ذلك العبث الذي يعتمد الهشاشة في التفكير وتحاكم الأحداث بشكل سطحي، معتبرا السلوك المشين الذي ينتهجه مجرد مسايرة مؤقتة لواقع لا بد وأن يتغير جراء أزمات متراكمة ومصادفات متوقعة وآمال عريضة متخيلة في الذهن، بدل بناء الأفعال على أسس وقواعد سليمة في الفهم والتحليل لتحقيق أهداف المتوخاة مبلورة من طرف أكفاء ذوي مصداقية و أهل المجال و ليس متطاولين عليه.