يصعب على المرء تصنيف مولاي هشام من الناحية السياسية بالرغم من خرجاته الإعلامية في المنابر الفرنسية ثم الاسبانية السمعية البصرية والورقية والالكترونية . فهو شخصية إعلامية وبوليميكية بامتياز . فانفصاله عن القصر ، والذي يمكن اعتباره انفصالا سياسيا بالنظر لطروحاته المنشورة في كل الاتجاهات ، أتى في وقت دقيق : موت الملك الراحل الحسن الثاني وتنصيب محمد السادس ملكا . هل يا ترى أحس مولاي هشام آنذاك ، سنة 1999 ، بأن السلطة ، أو على الأقل جزءا منها ، قد راحت من يده إلى غير رجعة؟ اختار إذاك أن يغادر المغرب ، لكن المغادرة كانت جسدية وليست روحية . فما فتئ منذ ذاك الحين يصرح بأنه مغربي حتى النخاع وملكي بنفس القدر. حيث أنه لم يعبر ، ولو بالإشارة ، بسوء ضد النظام الملكي أو ضد الملك محمد السادس . وحتى لما نشر علي عمار كتابه " محمد السادس ، سوء تفاهم " ثار مولاي هشام أبان عن اشمئزازه العميق مما جاء في الكتاب مضمونا وأسلوبا بالقول : " عوض سرد جرد جاد و موضوعي عن السنوات العشر من حكم محمد السادس ، قام الكاتب ، أي علي عمار ، بجرد كل التصورات الخبيثة حول شخص الملك ، وحول زوجته ، والعائلة المالكة ، وكذا العديد من الشخصيات السياسية والثقافية والفنية ، وحول الصحافيين والمناضلين الجمعويين . إن علي عمار مشكوك في أهدافه . " ولكي نكون قادرين على بناء الديمقراطية الحقيقية ، حسب تعبير مولاي هشام دائما ، هو مع المؤسسة الملكية وهو الأقل تكلفة و لكن عبر إصلاحها ، وبمساعدة القوى التي خارج اللعبة السياسية . وبالفعل فإن الوحش الذي يضر بأمعاء مولاي هشام دوما وأبدا هو " المخزن " الذي يعتبره العائق الوحيد في وجه الشعب والملكية معا : " استمررت بعد موت عمي الحسن الثاني ، في القول علانية أن على المخزن أن يزول لكي تعيش الملكية و تخدم المغاربة . و قلت كذلك بأني ضد نظام الخليفة ، أي ضد ملكية تحت سلطة أمير المؤمنين تجمع بين السلطتين السياسية و الدينية . " وهنا يصعب على المتتبع لأدبيات وحوارات مولاي هشام في الكثير من الأحيان أن يفصل في الحدود بين المخزن وسلطة الملك ، حيث أنه ينتقدهما معا مع بعض التخفيف تجاه الملك . فمع أن الملكية هي حجر الزاوية بالنسبة للوحدة الوطنية ، فلها ظل الذي هو المخزن ، المخزن المفترس و السيئ السمعة . والفكرة الأساسية لكتابه الأخير " يوميات أمير منبوذ " هي شرح بنية الدولة المغربية كهيكل برأسين : الدولة الحديثة بمؤسساتها المعروفة و الدولة/الظل التقليدية التي تعيق سير وتطور الدولة الحديثة نحو الديمقراطية و الحداثة . إلا أن الأمير يتحاشى ذكر متى تنتهي سلطة الملك لتبدأ سلطة المخزن . ولأجل تسمية الأشياء بأسمائها ، الشيء الذي لا يفعله الأمير ، فهذه الدولة / الظل التي هي المخزن ، لها مميزات " السلطات الموروثة " le pouvoir patrimonial التي منها الاستحواذ التاريخي لأقلية على مقدرات البلاد عبر أجيال و ليس اليوم فقط . والآن هل لمولاي هشام شهية سياسية ؟ الجواب : نعم . لا يقولها بشكل صريح . لكن يعبر عنها في العديد من الأحيان باحتشام . وما العيب في ذلك ، فالسياسة شأن عام يهم الأمراء و الفقراء و حتى الشعراء .. " من واجبي أن أخدمك ، وفاء لطفولتنا المشتركة ، لصالح عائلتنا و لصالح المؤسسة التي تمثلونها " يقول الأمير في رسالة إلى الملك . وأيضا " لا زال لدي إيمان عميق بأن الملكية في المغرب لم تستنفذ كل أوراقها و دورها التاريخي ." فهو يطمح في المساهمة السياسية و قالها في الكثير من المرات و لكن كيف ؟ لا نعلم . ولكن مع ذلك ، وهذا يحسب له ، فالأمير ساند حركة 20 فبراير في بعض الفترات ، انتقد ما أحاط بالدستور ابتداء من وضعه ثم التصويت عليه وأخيرا تفعيل مقتضياته ، ثم محاولاته المتعددة في فضح المخزن الذي كان هو أيضا واحدا من ضحاياه . وذلك بالإضافة إلى الانتقادات التي يوجهها للملك بين الفينة و الأخرى :" فالملك يخطئ حين يتكئ على سلطة ذات منطق أمني باتجاه محافظ " " أما القداسة و الديمقراطية لا يلتئمان" و غيرها من الأمثلة . وختاما فتسمية مولاي هشام بالأمير الأحمر لا تعني شيئا لأن كل نشاطاته علنية وسلمية ، و كذا تسميته بالمتمرد rebelle كما تنعته وسائل الإعلام الغربية ليست في محلها لأنه لم يقل يوما بتغيير النظام بل هو متشبث بالملكية في كل تصريحاته وإنتاجاته المنشورة التي من بينها المقال المطول و الأكثر حدة " المغرب الآخر" . وإن المبارزة السياسية بين ملك لا يعرض أفكاره إلا نادرا و أمير" منشق " وليس أحمر ولا متمردا يعلن عن أفكاره ومشاعره بكل لذة ، هذه المبارزة إذن ، انتهى منها فصل آخر بصدور كتاب الأمير . إلا أننا ، نحن مساكين هذا الوطن ، الذين فقدنا الثقة في السياسة منذ عشرات السنين ، لن نستطيع التنبؤ بمواصفات فصولها التالية . ويحق القول مع الأخ نور الدين اليزيد " أنا المنبوذ ماشي نْتّ " . - أستاذ متقاعد Moulay hicham /textes choisis L'autre Maroc / Pouvoirs Avril 2014