أُناسٌ ينظرون لأطفال يُصبحوون ويمسون على ضربات صقيع برد الجبال بدون رٍِفق من أصحاب القرار والأضرار، أشخاص يلعبون بشعب على المكشوف بدون قلوب نسوا حساب ربهم في اليوم المعلوم الذي لا ينفع فيه كذبهم اللامحدود، مسؤولون تاجروا بإسم الوطن باعوا ما فيه وتركوا الذل والهوان بين أبنائه، متكلمون تعلموا حكمة الصمت في السجون بتهمة مس رموز البلد المنهوك. أرادوا لنا وطنا بدون مواطنة وعيشا بدون كلام والنظر بدون إحساس، خططوا لقتل أحلامنا ونحن في المهد لهذا علمونا أن نتألم ونبكي في سكون ونحن أطفال، وأن ننحت مآسينا في القلوب ونحن كبار، من منا لم يصرخ يوما في وجه هذا الوطن الذي تاجر في لحم بناته، وفرق أبنائه، وأسكت صوت المتظاهرين فيه، ومرغ رايته في وحل الذل والهوان، وأتلف تضحيات البعض من أجل إستكمال وحدته. وطن قيّد شرفائه، أتلف هوية أبنائه، شتت أصحاب أرضه، مع رفعه شِعار دولة الحق القانون والوطن غفور رحيم من أجل مصلحته بل أطلقوا علينا مفهوم الرعية وجردونا من مفهوم المواطنة نعم نحن رعايا في يد الملك ولسنا مواطنين في الوطن، صدق أبي الضياف (1802ء1874) في كتابه "إتحاف أهل الزمان ..." منددا بالحكم المطلق، ومعللا ضعف الممالك الإسلامية قال: "ومن المعلوم أن شدة الملك القهري تفضي إلى نقص في بعض الكمالات الإنسانية من الشجاعة، وإباءة الضيم، والمدافعة عن المروءة، وحب الوطن والغيرة عليه حتى صار بعض الجهات من المسلمين عبيد جباية ليس لهم من مسقط رؤوسهم وبلادهم، ومنبت آبائهم وأجدادهم إلا إعطاء الدرهم والدينار على مذلة وصغار، والربط على الخسف ربط الحمار حتى زهدوا في حب الوطن والدار، وانسلخوا من أخلاق الأحرار، وهذا أعظم الأسباب في ضعف الممالك الإسلامية وخرابها". وما أشبه الليلة بالبارحة! الولاء للوطن والمواطنين ليس بالقول و لكن بالقول و العمل .العمل ليس فقط برفع الأعلام على المنازل أو المركبات في عيد العرش العمل هو أن تحافظ على ثرواته الوطن ليس أرض و تراب فقط الوطن معتقدات و ولاء و ثوابت للمواطنين. إن الثروة الحقيقية لكل وطن هم أبناؤه الصالحون فالمواطن الصالح هو الذي يبني بأفكاره و بيده الوطن ليتقدم و يصل إلى مصاف الدول المتقدمة، ليس بالاعتماد على ليفني أو غيرها.... لمواطنة مرتبطة بالقدوة والنموذج كذلك، فلا يمكن أن تطالب السلطة المواطن باحترام قيم المواطنة، والدفاع عن المصلحة العامة وهي غارقة إلى الأذقان في الفساد والسمسرة، وقاطعة أرزاق الناس ورقابهم، إذ أن المقولة القديمة "الناس على دين ملوكهم" ما تزال مؤثرة في المجتمعات العربية. * مهندس وباحث من أمريكا [email protected] mailto:[email protected]