في ليلة الأحد 24 محرم 1431ه الموافق للعاشر من يناير 2010م ووري الثرى بمقبرة السراغنة بمراكش؛ جثمان الأستاذ الداعية السيد أحمد نبيل رحمه الله. والذي توفي ليلة السبت 23 محرم 1431 ه / 09 يناير 2010 م. وقد أقيمت صلاة الجنازة بمسجد الوحدة الرابعة بحي الداوديات، وحضرتها جموع غفيرة من الناس، يتقدمهم عدد من العلماء والأساتذة والدعاة إلى الله؛ من أمثال: الشيخ الدكتور لحسن وجاج الأستاذ بجامعة القاضي عياض –سابقا-، والشيخ القدوة محمد زهرات المدرس والواعظ بدور القرآن الكريم التابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش، والشيخ الفقيه عبد القادر دراري الكاتب العام للجمعية، والمقرئين الشهيرين عبد الرحيم نابلسي وعمر القزابري، والأديب الدكتور عبد السلام الخرشي الأستاذ بجامعة القاضي عياض سابقا، وعدد كبير من الدعاة والأساتذة وطلبة العلم ومسؤولين حزبيين ونقابيين وفاعلين جمعويين وأعيان من التجار وغيرهم ... وقد أم المصلين المقرئ الدكتور عبد الرحيم نابلسي في جو مهيب، وامتلأ المسجد عن آخره مما اضطر عددا كبيرا من المصلين للصلاة خارجه. وأثناء دفن الفقيد ألقى فضيلة الشيخ عبد القادر دراري كلمة وعظية سرد فيها حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الذي حدّث به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في مثل ذلك الموطن، كما ذكّر المشيعين -الذين عُدّوا بالمئات- بضرورة الاستعداد لمثل ذلك اليوم بالإيمان والعمل الصالح، ولزوم توجيهات القرآن الكريم والسنة المشرفة، كما ذكّر بمنزلة السيد أحمد نبيل رحمه الله ودعا له بعد دفنه بالمغفرة والتثبيت عند السؤال كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسيد أحمد نبيل بن الطاهر بن إبراهيم؛ هو أحد رجالات السلفية في المغرب؛ ولد عام (1359 ه / 1940) بتالوين قرب تارودانت. كان من الأعضاء المبرزين في الحزب الاشتراكي، ثم انسحب منه، وفضل العمل في حقل الدعوة إلى الله تعالى. اشتغل بطلب العلم والتفقه في الدين وحفظ القرآن إلى أن ختمه، بالموازاة مع اشتغاله مدرسا لمادة التربية الإسلامية. شارك في تأسيس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة عام (1396 ه/ 1976م.)، وشغل منصب المستشار والأمين العام للجمعية إلى يوم وفاته، وكانت له جهود دعوية مشكورة، وعناية خاصة وفائقة بأبنائه الدعاة وطلبة العلم وحفظة القرآن الكريم، كان رحمه الله يتعاهدهم بالزيارة والمتابعة وأنواع الإكرام المادي والمعنوي، وكان صاحب أخلاق حسنة وشمائل طيبة يشهد له بها كل من يعرفه؛ لا سيما تلامذته وإخوانه وجيرانه ... قال الأستاذ الشرقاوي: "وهو الذي أشار على الشيخ المغراوي بفتح دار القرآن بحي الداوديات وتعميم ذلك على جميع الأحياء، فكان أول فرع فتح بحي الداوديات ثم استقر هذا الفرع بحي أسيف، وكان الأستاذ نبيل هو المشرف عليه وعلى تسييره وقد عرف بتنظيمه المحكم وتسييره الراشد لهذا الفرع، وقد تخرج منه كثير من حفاظ القرآن على رأسهم الشيخ جريف والشيخ عمر القزابري". قال: "وكان يستدعي الأساتذة والعلماء إلى دور القرآن من أجل إفادة الناس وتعليمهم؛ فكان ممن دعاهم إلى إلقاء محاضرة في روض العروس بعنوان: "فلسفة الصلاة" الأستاذ عبد السلام الخرشي، ودعى أيضا الأستاذ الشيخ المهدي الوافي، -عميد كلية اللغة سابقا رحمه الله-، من أجل إلقاء دروس في تفسير القرآن الكريم بدار القرآن بروض العروس يوم الأحد صباحا على الساعة الحادية عشر إلى الواحدة زوالا وذلك كل أسبوع، فكانت دروسا علمية مفيدة، كان يحضرها بكثرة الأساتذة من كل جهة مراكش وطلبة العلم، وقد استمرت هذه الدروس طويلا وهي مسجلة في أرشيف دار القرآن". "ومن حبه للعلماء وحرصه على إفادة الناس؛ لما زار مراكش المقرئ منير المظفر احتضنه الأستاذ وأكرمه واكترى له بيتا، وهيأه له من أجل تعليم أبناء المسلمين قراءة القرآن، وذلك في حي الداوديات، وقد استفاد من منير كثير من الطلبة في الأداء والقراءات، منهم: أبو جعفر وعبد الكبير أكبوب وغيرهم. قال: "كان الأستاذ نبيل يدعو الناس إلى القرآن والسنة في أي مكان ذهب إليه، وقد ذهب إلى أكادير وكان له أصدقاء هناك كان يجمعه معهم الحزب الاشتراكي أيام الغفلة وعلى رأسهم الأستاذ الفتى وإبراهيم شكري وغيرهم، فعمل على إقناعهم بفتح جمعية دار القرآن بأكادير فاقتنعوا بذلك وفتحوا دار القرآن بحي تالبرجت بأكادير وأرسلوا له يطلبون منه إرسال طالب علم ينشط لهم عملية سير دار القرآن فوقع الاختيار علي فكلمني في ذلك فأجبته .."اه قلت: وقد تشرفت بالتتلمذ عليه ودراسة مادة التربية الإسلامية على يديه في الموسم الدراسي (1994/95) بثانوية أبي العباس السبتي بمراكش، واستفدت من توجيهاته المباركة وأخلاقه العالية، كما تفيأت ظلال رعايته الكريمة وأنا طالب بدار القرآن حي بوكار ثم مدرس وواعظ بدار القرآن حي أسيف، ولم يزل رحمه الله متابعا لأنشطتي الدعوية مشجعا وداعيا لي بكل خير. وكانت آخر زيارة شرفني بها قبيل عيد الأضحى، تباحثنا فيها عددا من القضايا الدعوية؛ على رأسها آخر تطورات قضية دور القرآن، وكان يرجو أن تراجع السلطات المعنية قرار الإغلاق الذي ألحق ضررا كبيرا بشرائح واسعة من المغاربة لا سيما بمراكش، وبيّن رحمه الله أن الدعوة القائمة على تعليم القرآن والسنة وربط تدين المواطنين بمنهج سلفهم الصالح الذي يضمن لهم الاستقامة المتصفة بالوسطية والاعتدال بين الغلو والتقصير؛ أكد أن هذه الدعوة المباركة التي تلتزم بثوابت الأمة لا ينبغي أن تقابل بالإقصاء والتهميش، بل الواجب الديني والوطني يستلزمان العناية بها وتشجيعها. وكان لسانه رحمه الله لا يفتر بالدعاء بالهداية والتوفيق لكل من يحمل عداءا أو موقفا سلبيا من هذه الدعوة. كما تباحثنا حول الإصدار الجديد لفضيلة الشيخ الدكتور لحسن وجاج الموسوم ب: "منبهة الإمام أبي عمرو الداني دراسة وتحقيق وتعليق"، وقد أبدى إعجابه بهذا العمل الجليل. .. إن المغرب فقد بوفاة هذا الرجل الصالح والداعية المصلح؛ أحد رجالات الإصلاح الكبار وأحد دعاة السلفية الحقة الذين قضوا عقودا من حياتهم في خدمة الوطن بإشاعة علوم القرآن الكريم والسنة المشرفة. والصبر على فقد هذا الرجل الطيب أمر عسير، وإنما يستعان عليه بالعمل بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: "يا أيها الناس؛ أيما أحد من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي" [صحيح الجامع] كما استبشرنا خيرا بذلك العدد الكبير من المسلمين الذين حضروا الصلاة والدفن، وتلك الشهادات الزكية التي تتابعت عليها الألسن؛ وهو ما يذكرنا بحديثين شريفين: عن أنس رضي الله عنه قال: "مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة، فأُثني عليها خيرا، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت"، ومر بجنازة فأثني عليها شرا، فقالوا: بئس المرء كان في دين الله، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "وجبت وجبت وجبت"، فقال عمر: فدى لك أبي وأمي، مر بجنازة فأثني عليها شرا، فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الارض" [متفق عليه[ عن عائشة مرفوعا: "ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه" [رواه مسلم[ إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي الرب: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا بفراقك يا أبا محمد لمحزونون ...