لا شك أن موضوع القيادة السياسية يعتبر بمثابة قطب الرحى في عملية البناء الديمقراطي والحزبي الجاد؛ لكون شخصية ومواقف الزعيم السياسي بالمغرب لها ارتباط وثيق بإشكالية الديمقراطية، خصوصا لما يتركه من بصمات في الحقل السياسي، إيجابية كانت أم سلبية. ولا أدعى من استدعاء شخصية الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي والتركيز عليها؛ إيمانا بحمولة الشخص السياسية والثقافية والشعبية، وعلاقته بوجدان الذاكرة السياسية والحزبية بالمغرب. لازال الجميع يتذكر الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ومواقفه الجريئة، بل وقراراته السياسية الكبرى. وهذه بعض منها: في سنة 1975 ساند المؤتمر الاستثنائي للحزب وبعث برسالة صوتية مسجلة بصوته المبثوث من المنافي يذكر فيها المؤتمرين بفشل خيار الثورة، والتي كان لها وقع عميق في نفس المؤتمرين، بالرغم من معارضة جزء كبير من رفاقه وعلى رأسهم المرحوم "الفقيه البصري". في سنة 1993، وبعد نتائج الانتخابات المفاجئة، لم ينتقد اليوسفي ما حصل ولم يصدر بيانات التنديد والاستنكار، وانما انسحب بهدوء، وعاد الى منفاه الاختياري في مدينة "كان" الفرنسية. «لننقذ البلاد من السكتة القلبية"، كان شعاره سنة 1998، وقبل بدخول تجربة حكومة التناوب التوافقي، بالرغم من معارضة جزء كبير من المناضلين لهذا القرار. "أرض الله واسعة"، كانت هي المقولة التي اضطر لرفعها في سنة 2001، خلال المؤتمر الوطني السادس، ليؤكد أن الاتحاد لن ينتهي بالانشقاقات بل سيستمر كحزب تاريخي عريق. حتما، يستوقف المتتبع لتاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي، كثرة لحظات الانفصال، التي عاش أكبرها الزعيم السابق للحزب عبد الرحمان اليوسفي، وأحسن تدبيرها. ففي كل هاته اللحظات العصيبة التي مر منها الحزب، واجه الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي خصومه بردود فعل قوية تبرز الشجاعة السياسية لهذا الزعيم السياسي وتعطي أكثر من رسالة لمن يهمهم الأمر اليوم. إن الزعيم السياسي لا يجدر أن تعتري شخصيته صفة من صفات الجبن السياسي، إنما يحتاج لتحمل المسؤولية والاعتراف والإخلاص لمبادئ لا تتجزأ. فالحزب اليوم يحتاج إلى قرارات جريئة لا تعمل على تكرار سيناريوهات مقيتة ومذلة، شبيهة بمعضلة الانتخابات التشريعية لسنة 2007، وخساراته التي لا تنسى نتيجة إرضاء النفوس وتغليب العلاقات الشخصية، والتي-للأسف-لا زال الحزب يدفع ثمنها إلى يومنا هذا. نحن اليوم في حاجة إلى ممارسة السياسة بأخلاق، بمبادئ، بمنطق، وبديمقراطية، فإن كانت الأخيرة لا تبنى إلا بالديمقراطيين، فإن التاريخ لا يدون إلا بمداد المواقف النبيلة." *باحثة في العلوم السياسية