1) هذه الأيام، وبسبب كتاباتي حول مواضيع لها ارتباط بالدين، تصلني عبر بريدي الالكتروني رسائل شديدة اللهجة لا تحمل تحية البداية ولا تحية النهاية، وتبتدئ في الغالب بمطالبتي بالتوبة وعدم العودة إلى الكتابة حول كل ما له ارتباط بالدين، وإلا فإن عاقبتي في الدار الآخرة ستكون سيئة، وكأنّ أصحاب هذه الرسائل هم الذين سيوزعون بطائق الدخول إلى الجنة أو النار عندما ينتهي الحساب يوم القيامة! 2) الرسائل التي تصلني، تبلغ الوقاحة بأصحاب البعض منها، إلى حدّ إخراجي من الدين الإسلامي رغم أنفي. ورغم أني لم أعلن ردّتي، لكن الجهالة والتعصب تدفع ببعض عميان البصيرة إلى التسرع في توزيع صكوك التكفير، وكأننا نعيش عصر محاكم التفتيش الذي عاشته أوروبا قبل عصر التنوير، هؤلاء لا يعرفون أن الرسول محمدا عليه الصلاة والسلام، خاتم الأنبياء والمرسلين وأكبر المؤمنين، قال: "أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وعلى الرغم من أن مسألة تكفيري من أي طرف كان لا تهمني، لأن لا أحد يعلم خائنة الأعين وما تحفي الصدور سوى الله تعالى، إلا أن هناك سؤالا كبيرا يجب على علماء النفس والاجتماع عندنا أن يبحثوا له عن جواب، وهو: لماذا بلغ التعصب في عقولنا هذا المبلغ العظيم؟ 3) وإذا كان الدين الإسلامي يحث على التمسك بالأخلاق الحميدة، فإن هؤلاء المتعصبين الذين يدّعون دفاعهم عن الإسلام، رغم أن الإسلام ليس بحاجة إلى دفاعهم المتعصب، ما دام أن الله وعد بحفظه وحمايته،"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ومن خلال رسائلهم وتعليقاتهم، يبدون بعيدين جدا عن تعاليم الإسلام، الذي يدعو إلى التخلق بأخلاق حسنة، في المعاملات وحتى في الحديث، ففي القرآن الكريم نقرأ مثلا: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم"، الله تعالى أمرنا أن نتعامل بشكل لائق حتى أثناء النقاش والجدال مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن، حْنا زعما راه كلنا مسلمين، ومع ذلك لا أثر لأدب التحدث على ألسنة محامي الإسلام المزيفين هؤلاء. أكثر من ذلك، يقول الله تعالى في كتابه المبين: "وقد نُزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم (أي الكفار) حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذن مثلهم". فلماذا نحن نتعصب بمجرد أن يعبر أحدنا عن رأيه في سلبيات المسلمين ومساؤهم وينتقدهم، بينما الله تعالى، كل ما أمرنا أن نصنعه لما نسمع أحدا ما، يستهزئ بالقرآن ويكفر بآيات الله تعالى، هو أن ننسحب بهدوء، ولم يأمرنا سبحانه وتعالى حتى بمقاطعته، بل يقول :"فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره". 4) وقبل أيام فقط، وصلتني رسالة غير موقعة، يطلب مني صاحبها رقم هاتفي، وأجبته بأنني لا مانع لدي من ذلك، شريطة أن يعرّفني عن نفسه وعمن يكون، ولو كان ذلك تحت اسم مستعار، لأنني لا أحب التواصل مع "مجهولي الهوية" المرتعبين حتى من توقيع رسائلهم بأي اسم كان، وكان رده أنه مغربي يقيم في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية، دون أن يذكر اسمه مرة أخرى، أما سبب رغبته في الحصول على رقم هاتفي، فيعود لكونه، حسب ما جاء في رسالته، بْغا يْجبد ليا ودْنيا شي شوية"! صراحة عندما أقرأ مثل هذه العبارات أشعر بالحزن، لأنها تعبر عن كون كل واحد من هؤلاء المتعصبين الذين يدعون دفاعهم عن الإسلام، يخفي في دواخله دكتاتورا عظيما لو وجد الطريق ليخرج إلى الوجود لعثى في الأرض فسادا. صديقنا، قال في رسالته العنيفة، التي وصفني فيها بالكلب، عندما قال بأنني "أتقن النباح من وراء الحاسوب"، وهو يرد على المقال الذي تطرقت فيه على موضع الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية قائلا: "أتريد أن تحتفل بالكريسماس؟ أنا ما كنتش عارف أن أمك اسمها ماري، وأبوك "الفقيه" اسمه جوزيف". يا لها من وقاحة! ما يهمني في حقيقة الأمر ليس هو الهجوم علي، بل ما دخل أمي وأبي، الذي يشتغل فعلا فقيها، وما الداعي إلى إقحامهما في أمور لا ناقة لهم فيهلا ولا جمل. وماذا لو كان هذا الشخص العنيف يناقشني وجها لوجه؟ أليس من السهل عليه أن يستل خنجرا أو سيفا ويمرره على رقبتي؟ الأمر لا يبدو بعيدا، حيتْ هادو ما صعيبة عليهم حتى حاجة! 5) هناك أيضا من يوزع التهم والأباطيل يمينا وشمالا دون أن تكون له أية حجة أو دليل، مثل ذلك القارئ الذي دخلت معه في نقاش عبر الماسنجر، بدأه بلا تحية ولا سلام قائلا: "الله غادي يْحاسبك"، بحال يْلا هو ما غاديش يتحاسب! وبعد ذلك اتهمني بكوني أستدل في مقالاتي بآيات قرآنية غير موجودة أصلا في القرآن، ولما طلبته أن يدلني على أي واحدة من هذه الآيات "المتخيلة"، طلب مني مهلة واتجه صوب تعليقات القراء وأخذ منها تعليقا أشار فيه صاحبه إلى آية قرآنية كتبتها على هذا الشكل "ومن يقتل نفسا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا"، (وأنا هنا أعترف بخطئي غير المقصود، طالبا العفو من الله تعالى وليس من أي احد آخر). صديقنا لم يجد شيئا آخر غير نسخ ولصق هذا التعليق ليجعله حجة ودليلا على كوني أستدل بآيات قرآنية غير موجود في كتاب الله تعالى، ولكي أضعه أمام مسؤوليته قلت له إن هذه الآية فعلا موجودة في القرآن، وإن شابها نقص في مقالي، المهم أنني لم آت بها من عندي، وطلبت منه بإلحاح أن يدلني على الآيات التي اتهمني بالاستدلال بها وهي غير موجود في القرآن، وكان جوابه أن قطع خط التواصل في وجهي، واختفى في رمشة عين! 6) هذه الواقعة على بساطتها، تدل على شيء مهم وسيء للغاية، وهو أننا لا نفكر بعقولنا، بل بعقول الآخرين، وهذا معروف عنا، فيكفي أن يسمع أحدنا عن فيلم أو كتاب أو مقال أو صورة تتناول المسلمين (وليس الإسلام) بشكل لا يتفق مع رأي العامة، حتى نتهجم على صاحب العمل، حتى ولو لم يسبق لنا أن اطلعنا على هذا العمل، وهذا ما يفعله حتى علماء الدين مع الأسف، الذين ينتقدون الأعمال الفنية والكتب ويكفرون أصحابها ولو لم يشاهدوها أو يطلعوا عليها، أي أننا نهمل أهم وأعظم نعمة وهبها الله تعالى للإنسان، وهي نعمة العقل، الذي يجعل كل واحد منا مستقلا بأفكاره ومبادئه ومواقفه، ونتصرف وفق عواطفنا الجياشة. فمزيدا من التعقل وقليلا من التعصب يرحمكم الله! [email protected] mailto:[email protected]