إن المتأمل لواقع الإعلام المغربي والتلفزي منه خاصة، يتأكد يوما بعد يوم أن هذا القطب مازال غارقا في الهواية والتقليد حتى أخمص قدميه، ولا يكاد يبارح مكانه في اتجاه محاولات تطويره رغم مساحيق التجميل التي تطاله والتي لا تزيده بعضها إلا قبحا وتشويها. يتم هذا في وقت تدفع فيه الدولة أموالا طائلة من جيوب دافعي الضرائب قصد إنقاذ القناة الثانية من الإفلاس وضمان استمراريتها في عرض برامج الإلهاء والميوعة للمشاهد الذي يحصل له وأن يقتطع بعضا من وقته لمتابعتها. مظاهر الهواية والتقليد والغباء أحيانا في قنواتنا التلفزية متعددة، انطلاقا من القناة الأولى وانتهاء بالقناة السادسة. وهنا أذكر مثالا لبعض مقدمي نشرات الأخبار الذين يبدون أحيانا وكأنهم يجلسون أمام الكاميرا لأول مرة في حياتهم، بحيث الارتباك والخوف والنطق غير السليم للألفاظ سمات مميزة لأداء هؤلاء، والطامة الكبرى عندما يتعلق الأمر باتصال مباشر مع أحد الصحفيين أو عند استضافة أحد المسؤولين في البلاطو، إذ تتم عملية طرح الأسئلة وطريقة الحوار عموما بشكل يثير الشفقة. بل إن من هؤلاء الذين يقدمون نشرة الأخبار في القناة الثانية من يظهر على الشاشة وكأنه لم يضبط بعد قصاصة كل خبر على حدا، كمن دخل إلى البلاطو ووجد نفسه فجأة أمام الكاميرا، لذلك تراه يتحدث بشكل يبعث على الاشمئزاز. ومن الغرائب أن يحرص مقدمو الأخبار في هذه القناة حرصا شديدا على تذكير المشاهد باسم الصحفي الذي أنجز التقرير والذي تلاه واسم المصور أحيانا، حتى إن حصل ونسي الأمر فإنه يستدركه فور انتهاء التقرير، وإن حصل وأخطأ في الأسماء المعنية يعمل على تصحيحها. هذا المشهد يتكرر مع كل خبر وفي كل نشرة، ما يدعو إلى التساؤل عن سر هذا الحرص في إطلاع المشاهد بأسماء معدي التقارير؟ أما صحافيو قناة الرياضية، خاصة أولئك الذين يتولون التعليق على المباريات، فأقل ما يقال عنهم أنهم يصرخون أكثر مما يعلقون، ولا يسمع من تعليقهم إلا عبارات متناثرة هنا وهناك، إلى درجة يتمنى فيها المشاهد لو صمتوا لكان أحسن. فهؤلاء المساكين، وبدافع تقليد أو مضاهاة معلقي قناة "الجزيرة الرياضية" أو "إرت"، ولأجل إضفاء نكهة خاصة على المباراة يقدمون صورة سيئة لأدائهم. جانب أخر يؤكد أن قنواتنا بعيدة كل البعد عن عالم الاحتراف الإعلامي، ذلك المتعلق بالجوانب التقنية في البث المباشر للمباريات، ذلك أن هذه القنوات المغربية طبعا لا تسخر في عملها سوى كاميرتين أو ثلاث، ما ينتج عنه بطبيعة الحال غياب الجودة في الصورة وعدم الإحاطة بزوايا الملعب، حتى إذا تعلق الأمر بحالة تسلل مشبوهة يحاول المخرج إعادة اللقطة من جديد، لكن المؤسف أن اللقطة لا تمكن من الحكم على صحة الحالة من عدمها مما يخلق ارتباكا واضحا للمعلق على المباراة. كما يحصل كثيرا وأن تكون هنالك محاولة على مرمى أحد الفريقين، فيما المخرج يُظهر صورة الجمهور من على المدرجات، أو يُعيد إحدى اللقطات السابقة، والأخطاء في هذا الباب كثيرة جدا. إن القطع مع حالة الهواية في أداء قنواتنا التلفزية وبلوغ عالم الاحتراف الإعلامي أصبح ضرورة ملحة تفرضها تحديات العصر اليوم أكثر من أي وقت مضى خصوصا وأن الحرب القائمة إعلامية بدرجة أولى. لذلك فإننا عندما نتعرض لقنواتنا بالملاحظة والنقد لأدائها وطريقة اشتغال العاملين بها، ليس بدافع التشفي والسخرية، بقدر ما هو نابع من الغيرة التي تأخذنا عليها. فنحن كمغاربة لا يمكننا إلا أن نسعد ولا يمكننا إلا أن نبتهج ونحن نرى قنواتنا في مصاف القنوات الرائدة من خلال تقديم منتوج يستجيب لتطلعات الشعب المغربي انطلاقا من خصوصيته الدينية والتاريخية والحضارية.