في زنقة خريبكة، اصطفت عشرات الحافلات، تحمل على واجهتها لافتات تشير إلى فروع نقابات حج أعضاءها من مدن بعيدة، للمشاركة في مسيرة ثلاث مركزيات نقابية اختارت خروجا واحدا وموحدا في يوم غضب، اختار له المنظمون عنوان "المسيرة الوطنية الاحتجاجية المنظمة يوم 6 أبريل من أجل الدفاع عن القدرة الشرائية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية". مسيرة تخللها دَفْعٌ ودفاع ورُفِعَ فيها الصوت ضد سياسات الحكومة كما رفع السياط ضد صحافيين راغبين في الوصول لقيادة مسيرة اختتمت بتدخل عنيف وتوقيف لعدد من الشباب المحسوبين على حركة 20 فبراير. جزر متناثرة في المدار الرابط بين شارع محمد السادس و شارع لالّة الياقوت وقف عدد من المحتجين في ما يشبه "جزرا موضوعاتية" بألوان مختلفة و شعارات متنوعة و يافطات كتبت عليها كل مجموعة مطلبها المركزي و بين المجموعات باعة العصير وأصحاب "صيكوك" وقبعات شمسية مصنوعة من الكوفية الفلسطينية التي اقتناها المحتجون بأعداد كبيرة حباعلى ما يبدو، في القضية و اتقاء أيضا لضربات شمس في صباح كان يعلن بداية يوم ارتفعت فيه حرارة الجو والمطالب العمالية سواء بسواء. الساعة تشير إلى التاسعة صباحا، وهو التوقيت المعلن في بلاغ المركزيات لانطلاق المسيرة، لكن المحتجين لازالوا واقفين يرفعون شعاراتهم في المدار الرابط بين أزقة تحولت الى شعاب يعبرها النقابيون لتغذية الوادي الرئيس الذي سيمشى فيه الغاضبون وراء قيادة نقابية لم تظهر بعد في وقت تكلف فيه قياديون من الصف الثالث بالتناوب على المايكروفون لإذكاء حماس شغيلة أنهكتها "السياسات اللاشعبية" لعبد الاله بنكيران، رئيس الحكومة الذي قال فيه خطباء المنصة النقابية ما لم يقله مالك في الخمر، معتمدين قاموسا يتأرجح بين أدبيات الماركسية اللينينية والنص القرني. صوت وسياط تحرك المنتمون للإتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل و الفيدرالية الديمقراطية للشغل صوب شارع لالة الياقوت يحملون لافتاتهم ومكبرات الصوت مطالبين بسحب مشروع مدونة التعاضد وعرضه على المفاوضات الجماعية وفي أيديهم رسومات كاريكاتورية صُوِرَ فيها الفقراء و قد بلغ السيل أعناقهم وهم يوجهون شكواهم للحكومة بالقول "راه غرقنا.." بينما صُوِرَ أعضاء الحكومة في سفينة وهم يردون على شكوى المواطنين بالقول "مازال ما وصلتوش مرحلة الخطر..". بعيدا عن مقدمة المسيرة بحوالي مائتي متر، خرج الميلودي موخاريق، من زقاق مجاور لأحد المراكز التجارية، حيث تجمهر حوله ما يقارب ثلاثين عضوا من نقابته إلى جانب صحافيين ومصورين يحمل بعضهم السلالم للاستعانة بها في أخد صور أضحت شبه مستحيلة أمام زحمة مفتعلة سببها أعضاء لجنة التنظيم أنفسهم. دقائق بعد ذلك و على بعد أمتار من موخاريق خرج عبد الرحمان العزوزي، كاتب العام ال FDT من زاوية زقاق مجاور في مشهد ازدحام لا يقل تصنعا عن ذاك الذي صاحب ظهور زعيم ال UMT. مع انطلاق المسيرة بدا تخوف بعض النقابيين ظاهرا من مشاركة جماهيرية لا تليق بمستوى مسيرة وطنية تقودها ثلاث نقابات تعتبر الأقوى في المشهد العمالي المغربي. تخوف عبر عنه أحد الحاضرين بالقول "يبدو أن العياء مس أوصال نقاباتنا.." قبل أن يكمل النقابي القادم من مدينة إفران وصفه لشيخوخة المؤسسات النقابية خرج نوبير الأموي في نفس طقوس رفاقه حيث الازدحام الشديد و الهرج شرطان لظهور القيادة. بدا الزعيم منهكا في خطوه وطريقة كلامه المرفوقة بصعوبة في التنفس، عياء زاد من دراميته تحلق قواعد نقابة ال CDT وصحافيين راغبين في أخد تصريحات الأموي أو التقاط صور تزين صدر المقالات. الازدحام الشديد دفع بأحد أعضاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى سحب حزام سرواله الجلدي والتلويح به سوطا في وجه الصحافيين مع كلام يوحي بان البلطجة و"الشرملة" تجاوزت أحياء البيضاء الهامشية لتصير سلوكا مشينا لدى بعض المحسوبين على الصف النقابي. نهاية غير سعيدة استوى النقابيون في مسيرهم وتراصت الصفوف مع زيادة ملحوظة في عدد المحتجين في كل خطوة يخطونها نحو نقطة النهاية. وجوه من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ترافق المحتجين في دعم ظاهر لحقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية. نبيلة منيب وعبد الرحمان بنعمر وعدد من قيادات فدرالية اليسار كانوا حاضرين في الموعد وعبد الحميد أمين و رفاقه من الذين شقوا عصى الطاعة على موخاريق يمشون بتؤدة تحت علم أحمر كبير كتب عليه "عاشت الوحدة النقابية" وكأن أصحاب "التوجه الديمقراطي"، داخل الاتحاد المغربي للشغل، يقولون لقيادتهم "نحن فوق التبعية ودون الانقسام". أعضاء الجامعة الوطنية لعمال الفوسفاط يطالبون بتفعيل مبدأ السلم المتحرك للأجور والأسعار وعاملات إحدى الشركات يصرخن طلبا لاحترام الحريات النقابية، وعمال النظافة يحملون المكانس ومجموعات أخرى توزعت مطالبها بين التصريح بالمأجورين و المصادقة على الاتفاقية الدولية 87 المتعلقة بالحريات النقابية أمام حضور امني خفيف، على جنبات الأرصفة، إذ اختارت عناصر الأمن البقاء في حافلات ركنت في الأزقة الخلفية بينما وضعت شرطة المرور حواجز على كل المداخل المؤدية لمكان المسيرة مما أوحى للملاحظين أن الامور تسير وفق الخطة المرسومة سلفا. عند نهاية شارع لالة الياقوت وقبل انعطاف بعض المشاركين يسارا صوب شارع الحسن الثاني، حيث هديل الحمام و ماء النافورة يخفف قيظ النهار، تدخل عناصر الأمن، بشكل فجائي، ضد مجموعة من الشباب المحسوبين على حركة 20 فبراير معتقلين عددا منهم بعدما خلفوا في صفوفهم عددا من الإصابات. خديجة الرياضي، منسقة الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان، علقت على التدخل بالقول "إن الحادث مؤشر مقلق و دليل على استهداف الدولة للشباب.. وهو الأمر الداعي للإدانة و الباعث على الأسف خاصة أن الهجوم وقع في مسيرة سلمية ومرخص لها على بعد أيام من التزام المغرب، أمام مجلس حقوق الإنسان، باحترام الحق في التظاهر السلمي..".