يرى علماء الاجتماع أن هناك فرق بين المشكلة والظاهرة الاجتماعية .فالمشكلة الجتماعية تتميز بأن لها حكما مجتمعيا مسبقا لوقوعها ، وبأنها غير مرغوب فيها مثل مشكلة :المخدرات ، التحرش الجنسي ،الاعتداء على الأطفال ، العنف ضد الزوجات ...ألخ .هذه المشاكل لها أيضا جزاء الذي هوالعقوبة الجزريةحسب ما تنص عليه القوانين . ما الظاهرة الاجتماعية فهي على عكس المشكلة الاجتماعية لا يوجد لها حكم مجتمعي سابق، بأنها غير مرغوبة ، وليس لها عقوبة محددة .ومن بين أمثلة الظاهرة :الزواج والطلاق والهجرة ، لكنه متى وجد لها حكم مجتمعي بأنها غير مرغوبة أو تهدد كيان المجتمع تحولت من ظاهرة إلى مشكلة . مناسبة هذا القول ، هو محاولة التساؤل لفهم ما أصبح يسمى بالتشرميل ،هذا المصطلح الذي انتشر في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم .هل هو مجرد مشكلة اجتماعية يمكن علاجها في المهد أم أن هذه المشكلة في في سبيلها للتحول إلى ظاهرة لتصبح هذه الأخيرة بدورها مشكلة تهدد استقرار المجتمع . قبل الذهاب قدما في هذا المقال ، نشير إلى أن التشرميل كما يعرفه البعض يعني ارتداء الملابس الغالية الثمن وامتلاك أغلى الهواتف المحمولة والساعات اليدوية النفيسة والتزين بأغلى العطور ، فضلا عن تسريح الشعر بطريقة مختلفة ولافتة للأنظار .والتشرميل يعني أساساس استعراض القوة من خلال تهديد الآخر بالسيوف والخناجر الضخمة كي ينهب المتشمرلون ضحاياهم .وهو عكس التشمكير الذي يقنع صاحبه بالقليل ، والذي يتجه فيه اللفرد إلى تدمير الذات من خلال التعاطي للمخدرات والخمر وكل الموبقات المهلكة . البعض يرى بأن التشرميل أصبح ظاهرة حقيقية ، وأن المواطنون أصبحوا يخشون على حياتهم قبل ممتلكاتهم نتيجة ارتفاع عدد الشبان الذين أصبحوا ينظمون إلى صرح التشرميل .مدينة الدارالبيضاء بالخصوص أصبحت تعرف تناميا لافتا لهذه الظاهرة مما جعل النائبة خديجة الرويسي من حزب الأصالة والعاصرة تطرح سؤالا كتابيا على وزير الداخلية حول هذه الظاهرة المؤرقة التي انتشرت في العاصمة الاقتصادية بالخصوص والتي اصبحت تعرف تناميا ملفتا في باقي المدن الأخرى . لا شك أن تحليل أي ظاهرة اجتماعية يتطلب منا مقاربتها من شتى الزوايا ، فالظاهرة الاجتماعية بما أنها تتسم بهذا التوصيف الاجتماعي في حاجة لتحليل عالم الاجتماع ، وبما أن أبطالها هم الشباب فإن البعد النفسي حاضر بقوة لفهم الظاهرة ، ناهيك عن التحولات الأقتصادية والسياسية ودور المواقع الاجتماعية في الاسهام في انتشار ظواهر غريبة عن مجتعنا .كل هذا يجب أن ننتبه له لمعالجة هذه الآفة . إذن مالذي يحدث لشبابنا حتى يلجأ بعضهم لنهج هذا السلوك المنحرف ؟ هل هو انسداد الأفاق أمام جيوش من الشباب المعطل الذي لم يعد يأمل في الحصول على عمل ووظيفة تضمن له العيش الكريم .أم أن ما يقع هو إذانة لمنظومة تربوية وتعليمية ،من قبل شباب أقتنع بأن لا جدوى من مواصلة الدراسة لأن مخرجاتها لا تؤدي سوى إلى الشارع .أم أن ما يحدث هو إعلان عن انهيار القيم النبيلة التي ينشأ عليها الابناء في أسرهم ،بحيث أصبحت الأسرة ولعدة أسباب عاجزة عن نقل هذه القيم لأبناء الألفية الثلثة . هؤلاء الأبناء ، الذين أصبحوا لا يحلمون سوى بالربح السريع والعيش الرغيد بأسهل طريقة ، سواء من خلال الحلم بالهجرة إلى أوربا أو بيع الممنوعات ،و النصب على المواطنين من أجل تحقيق الثراء المحرم دينا وقانونا . لن يختلف إثنان حول أن بعض التمثلات الخاطئة قد بدأت تعشش في عقول فئة كثيرة من أبناء هذا الوطن ، ومنها أن الرشوة والنهب أصبحا أمرا مشاعا في العديد من القطاعات مما جعل بعض الأشخاص يحققون ثروات غير مشروعة ، دون أن تطالهم يد العدالة .مثل هذه الانطباعات الخاطئة ، تجعل الكسالى من هؤلاء الشباب يحاولون أن يبرروا لضمائرهم شرعية الاعتداء على ممتلكات الأفراد بالقوة وتحت تهديد الأسلحة البيضاء . الخلل النفسي للظاهرة يبرز حين يلجأ هؤلاء الشباب إلى عرض غنائمهم المنهوبة ظلما،على صفحات المواقع الالكترونية ، كمحاولة منهم لأثبات الذات وجعل الآخر ينتبه لهم . هؤلاء المنحرفون يريدون أن يقولوا لكل جهة معنية بمشاكل الشباب ، نحن هنا ، إننا نعبر عن ذواتنا بصيغة أخرى مادام لا أحد يعيرانتباها لوجودنا وما نحلم به في غدنا . بقي أن نقول أن هذه الظاهرة ، يجب أن تنظر إليها الحكومة بعين الجد، لأن نهج سياسة النعامة في التعامل مع موضة التشرميل ومشاكل الشباب عموما ، سيزيد من استفحال ظاهرة اللاأمن التي أصبحت تؤرق بال المواطنين في العديد من المدن المغربية إن لم نقل كلها .ولمعالجة هذه الآفة لا بد من تظافر جهود كل الوزارات والآباء وأولياء الأمور وكل الفاعلين في المجتمع المدني .أما المقاربة الأمنية فقد تحد من الظاهرة لكن حتما لن تقضي عليها. - كاتب وروائي