أبتلينا في هذه السنوات الأخيرة من عمر تاريخ أمتنا الإسلامية بنوع من العلماء والمشايخ والدعاة همهم جمع المال بأي وسيلة كانت، ولو كان على حساب استقرار البلاد وقتل العباد..!! تراهم ركعا سجدا لأهوائهم ومصالحهم الشخصية الضيقة يبتغون عرضا من الدنيا الفانية؛ يحرفون الكلم عن مواضعه، ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا...لا يتعففون في أكل أموال الناس بالباطل؛ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وهم في حقيقة أمرهم ذئاب في جلود أغنام، علماء في خدمة شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا؛ أينما حلوا وارتحلوا أو تكلموا إلا ودخان الفتنة يخرج من أفواههم يصاب من خلاله شباب المسلمين، ويسقطهم صرعى في أحضان التكفير والقتل والتخريب والتفجير والخروج على حكام المسلمين، طمعا في الحور العين، أو العيش تحت ظلال خيمة امارة إسلامية تطبق شرع الله الكريم الرحيم، حسب فهمهم العقيم لشريعة رب العالمين، مبررين تحريضهم على قتال المؤمنين الصالحين وخروجهم عن سلاطين وحكام المسلمين بأحاديث ضعيفة أو مكذوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ولو ثبتت عندهم هذه الأحاديث والأدلة ، وتأكدت عندهم البراهين ، فإنهم يذهبون بها مذهباً آخر، ويسلكون بها طريقاً مختلفاً، ويقومون بلي اعناقها ليوافق ما قذفه الشيطان في نفوسهم وقلوبهم من هوى فيتحملون في تأويلها، ويتكلفون في توجيهها، لأنهم أبعد كل البعد عن الفهم الصحيح لمقاصد النصوص الشرعية ولأحاديث خير البرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذه الأحاديث التي اعتمدوا عليها في خروجهم عن الحاكم وعدم الاقتراب منه أو التعاون معه وهاجموا العلماء والشيوخ والدعاة الذين يتعاونون معه ويدخلون عليه ويحترمونه ويطيعونه بمعروف حديث الذي أخرجه أحمد في مسنده، والبيهقي بسند صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد أحد من السلطان قربا، إلا ازداد من الله بعدا"، وفي حديث آخر أخرجه ابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "إن أبغض القراء إلى الله تعالى (أي العلماء) الذين يزورون الأمراء" ، كما أخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والحاكم في تاريخه، وأبو النعيم والعقيلي والديلمي والرفاعي في تاريخه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، "العلماء أمناء الرسل على عباده الله، مالم يخالطوا السلطان، فإذا خالطوا السلطان، فقد خانوا الرسل فاحذروهم، واعتزلوهم". وفي هذا السياق نستحضر الاتهامات التي تعرض لها الإمام مالك رحمه الله تعالى من قبل خصومه من العلماء؛ بحيث كانوا رحمهم الله وغفر لهم يتهمونه أنه من علماء السلطان، نظرا لما كان يدعو ويحث في دروسه بالمسجد النبوي الشريف العلماء للدخول على الحكام والأمراء ، والتعاون معهم على البر والتقوى والدعاء لهم بالخير والصلاح والفلاح، ويأمرهم بالسمع والطاعة لهم انطلاقا من قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.." ، وعندما قيل له في معرض الاتهام: إنك تدخل على السلاطين وهم يجورون ؟! "أي يظلمون" قال: يرحمكم الله، وأين التكلم بالحق، إن لم يكن في هذا الموقع ؟! ويؤثر عنه أنه استنكر على الخليفة هارون الرشيد وجود الشطرنج عنده، فما كان من الرشيد إلا أن رماه برجله وأخرجه، كما نهى الخليفة المنصور عن رفع صوته في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهى المهدي عن الشرب من كوز له حلقة فضية، فما كان من المهدي إلا أن أتى بالكوز وقلع الحلقة الفضية منه، وأنكر على والي المدينة خروجه إلى صلاة العيد بالسلاح.." هذا هو الإمام مالك الذي يتهم اليوم من قبل علماء الشيطان، كما اتهم من قبل بأنه كان من علماء السلطان.. ؟؟ فتبا لهؤلاء وسحقا لعلماء الشيطان ولهم عذاب السعير، الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات وزرعوا في أرض الله الفتن والفساد.. مع العلم أن نوعية هذه الأحاديث الذي اعتمد عليها هؤلاء في تحريض العامة والغوغاء على السلطان والخروج عليه، ناهيك عن تدليس الناس شؤون دينهم، دون أن يبينوا معناها الحقيقي وسياقاتها الزمانية والمكانية وأسباب ورودها.. قلت: هؤلاء العلماء الذين حذرنا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتبرهم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم فيما يدعو إليه قذفوه فيها، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشرًّ، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرًّ؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنُكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دُعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. فقلت: فيما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعضًّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك" (رواه البخاري). ومما لايدع مجالا للشك فإن ضرر وخطرهؤلاء العلماء ودعاة الفتنة أصبح واضح وبين، وخاصة عندما وجهوا سهامهم الخبيثة النتنة السامة تجاه حكام المسلمين بتكفيرهم تارة، وبتحريض العامة والغوغاء عليهم تارة أخرى، وهذا كما هو معلوم مخالف تماما لهدي النبي الكريم ولتعاليم القرآن العظيم، الذي أمرنا بتوقير وتبجيل أولياء أمورنا وحكامنا واحترامهم ؛ بحيث جعل طاعة أولي الأمر بطاعة الله ورسوله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني”.ففي هذا الحديث الشريف يبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن طاعة السلطان هي من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعكس صحيح، ففي الحقيقة الأمر خطير جدا على عقيدة كل مسلم وخاصة الذي يهين أو يعارض السلطان ويحمل بين جوانحه الحقد والكراهية تجاهه، فهي شارات دالة على شيطنة العقول ودنس القلوب، وضعف الإيمان بالله، وبنبيه وعدم اتباع سنته صلى الله عليه وسلم، جاء في الحديث عن أبي بكرة الثقفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “من أهان السلطان أهانه الله” وإهانة السلطان لها عدة صور وأشكال وألوان، منها أن يسخر بأوامره ومجهوداته ونشاطاته، وهندامه، وخطبه، فإذا أمر بشيء قال انظروا ماذا يقول على سبيل التهكم والإهانة؟ ومنها، التشهيربه والافتراء والكذب عليه بين الناس، والهمز واللمز أثناء التحدث عن مناقبه أو أخلاقه أو إصلاحاته وعدله..، أو كتابة تقارير مزورة وملفقة ضده، ونشرها في مواقع أو جرائد ومجلات غربية معادية؛ بالإضافة إلى إعطاء حوارات لجهات معادية؛ بغية حلحلة وزعزعة مكانته بين مواطنيه وشعبه..!!.ومنها كذلك عدم الدعاء له عمدا على منابر الجمعة وفي الاجتماعات العامة!! ناهيك عن رسم بعض الصور”الكاريكاتيرية” لا تليق بشخصه..!! أو رفع له وشايات كاذبة، أو بعض التقارير الرسمية من مؤسسات معنية تكون غير صادقة و”مفبركة” لتصفية حسابات شخصية ضيقة، أو لتغطية عيب ما..!! والهدف من هذا كله هو تحريض الغوغاء والحمقى ضده، وتهوين أمره على الناس، لأنه إذا هون أمر السلطان على الناس استهانوا به، ولم يمتثلوا توجيهاته وتعليماته..، كما تتلاشى المحبة بينه وبين شعبه، ويكثر القيل والقال وكثرة السؤال. وبالتالي تدخل البلاد والعباد في فوضى وفتن مظلمة لا يعلم ضررها إلا الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا من يهين السلطان بنشر أخطائه ومعايبه بين الناس، وذمه والتشنيع عليه والتشهير به يكون عرضة لغضب الله وسخط رسوله، وسيهينه الله في الدنيا قبل الآخرة ؛ لأنه كان السبب في نشر الشر والفتن في المجتمع المسلم المتماسك، والله سبحانه وتعالى يخبرنا في كتابه بقولة: “والذين فتنوا المومنين والمومنات فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق”. نجد كذلك في الجانب الآخرمن أعان السلطان على الخير والصلاح وإقامة العدل بين الناس ومساعدة المحتاج وإرجاع الحقوق لأصحابها عن طريق القضاء ونحو ذلك، أعانه الله، لأنه أعان السلطان على الخير وعلى البر والصلاح، فإذا بينت للناس مثلا، ما يجب عليهم للسلطان وأعنتهم على طاعته في غير معصية فهذا خير كثير؛ بشرط أن يكون إعانتة على البر والتقوى وعلى الخير، مصداقا لقول الله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على لإثم والعدوان..”. ولحكم عظيمة ومصالح كثيرة لا تعد ولا تحصى في احترام السلطان وطاعته أشار لبعضها الإمام القرافي بقوله: “قاعدة: ضبط المصالح العامة واجب، ولا تنضبط إلا بعظمة الأئمة في نفس الرعية، ومتى اختلف عليهم أو أهينوا؛ تعذرت المصلحة..”. وقد أخرج ابن عبد البر في التمهيد أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان كان يقول: “ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن” وسئل الإمام مالك: ما يزع؟ قال يكف. هذا مما اعتبر ابن خلدون في المقدمة بأن السلطان هو نائب عن الله في تطبيق الشريعة، وقال: “إن السلطان نائب عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا”؛ لأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل، وإقامة الحج والجمع والأعياد ونصر المظلوم.. لهذا روي: “أن السلطان ظل الله في الأرض” لذا كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم كالإمام أحمد بن حنبل، والفضيل بن عياض يقولون: “لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان” وقال بعض السلف: “ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بدون سلطان” ومن عايش الحروب والفتن التي مرت على الشعوب والأمم عبر تاريخهم، يعرف هذا جيدا، فواقع بعض الدول العربية والإسلامية اليوم يكفينا في البحث عن كثير من الأدلة والبراهين في هذا الأمر، ومن لم يقتنع بكلامنا هذا المؤصل من القرآن والسنة، وأقوال سلف الأمة فما عليه إلا أن يسأل أبناء أفغانستان وباكستان، والعراق وفلسطين وليبيا وتونس وسوريا ومصر والبحرين .. أكيد سيلقى الجواب واضحا وضوح الشمس في كبد السماء..!!؟. مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية بالبرازيل [email protected]