مرة أخرى يطل علينا والي بنك المغرب ليحدثنا عن الاقتصاد المغربي في ظل "الأزمة" دون أن يفوت الفرصة ليدلي بموقفه من الأوضاع الاجتماعية بالمغرب. ولم يكتف هذه المرة في خرجته هاته بتحذير الحكومة من مغبة الزيادة في الأجور والانسياق وراء المطالب النقابية بل تعداه إلى أبعد من ذلك ليطلب من النقابات الانكباب على تدارس مشكل الإنتاجية بالمقاولات والتحلي بروح المواطنة من خلال الكف عن المطالبة بالزيادة في الأجور وتخفيف الضغط على الحكومة. وهذا ما حصل بالضبط حينما كان يلقي إحدى محاضراته بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمدينة الدارالبيضاء في موضوع "المغرب في مواجهة الأزمة وما بعد الأزمة" إذ حذر الحكومة من العواقب الوخيمة التي ستترتب عن أي رفع من الأجور على الاقتصاد الوطني داعيا النقابات إلى التحلي بالموضوعية وبروح المواطنة عبر الانخراط إلى جانب الحكومة في حوار اجتماعي ليس حول المطالب الاجتماعية وإنما إلى ماهو أهم من ذلك كله من خلال طرق القضايا ذات المصلحة الوطنية وعلى رأسها مسألة الرفع من الإنتاجية داخل المقاولة بغية الحفاظ على مناصب الشغل تماما هو الشأن بالنسبة لنقابات الدول الأخرى التي اختارت أسلوب التنازلات عن مطالبها من أجل الحفاظ على هذه المناصب وعيا منها بظروف المرحلة. وإذا ما علمنا أن ملفات من قبيل الرفع من الإنتاجية والحفاظ على مناصب الشغل والقدرة التنافسية وتحفيز الاستثمار...الخ، هي من الأوراق التي دأبت الباطرونا على إشهارها في وجه الحكومة من أجل التملص من الاستجابة للمطالب الاجتماعية للشغيلة وتبرير خرقها لقوانين الشغل وابتزاز الحكومة وتكديس الامتيازات أخيرا، فإن والي بنك المغرب يكون بذلك قد أعلن عن انحيازه دون لبس إلى صف الحكومة والباطرونا لإعطاء الأولوية لمطالب أرباب العمل على حساب المطالب الاجتماعية. ومن هنا يكون والي بنك المغرب قد عرفنا بنفسه وبفهمه لمعنى المواطنة والموضوعية التي طالب النقابات بالتحلي بها، وأطلعنا دون لبس عن تمثله للأوضاع الاجتماعية التي يعيشها المغرب في وقتنا الراهن، حيث طالب بتأجيل الموضوع إلى ما بعض الأزمة وحينها يجب التركيز على التنمية البشرية وإصلاح السياسات الاجتماعية بغية تحقيق إنصاف أحسن لصالح الطبقات الأكثر خصاصا وهشاشة. وبمعنى آخر فما يهم والي بنك المغرب من البلاد هو جانبها الاقتصادي الذي يجب تطويعه لخدمة الباطرونا عبر ضبط المؤشرات الماكرواقتصادية التي هي في حقيقة الأمر كائنات إحصائية مجردة أما التوازن الاجتماعي فيبدو أن والي بنك قد ترك مسألة ضبط مكوناته البشرية لوزارة الداخلية.