تجلس على كرسي وسط مجموعة من النساء والرجال، بلباسها المغربي التقليدي، وتسترسل في الحكي بعامية مغربية جميلة، وبجمل فرنسية مناسبة، تنسي المستمع إليها المكان واللغة المستعملة. الحكواتية المغربية حلمية حمدان، المقيمة بفرنسا، تنقل مستمعيها عبر حكاياتها إلى عوالم لا يمكن تصديقها، تجعله يستمع إلى حكاياتها التي قد تستغرق ساعات وساعات. استطاعت حليمة حمدان، أن تشد انتباه متتبعي الدورة الخامسة من المهرجان المتوسطي لكتابات المرأة، الذي تنظمه جمعية "جمع المؤنث" منذ الأربعاء الماضي، بالرباطحول موضوع "الحكاية في أدب المرأة"، بحكاياتها المتنوعة، وبطريقة حكيها الممتعة. تجمع الحكواتية المغربية بين المسرحة وبين الحكي المتميز، الذي فتح لها أبواب الشهرة بفرنسا، حيث ينتظرها بشوق كبير مستمعو إحدى الإذاعات الفرنسية الشهيرة (RFI )، لتسمعهم حكاياتها المغربية المتنوعة، التي تربت عليها، وسمعتها من جدتها، ونقحتها بطريقتها الخاصة لصبح حكايات معاصرة مقبولة، يسمعها الكبير قبل الصغير. وعن الحكاية، قالت حليمة حمدان، الروائية والحكواتية المغربية لوكالة لأناضول، إنها تربية وتسلية وغذاء للروح لا يمكن الاستغناء عنه، مشيرة إلى أن الحكي طريقها في الحياة. وأضافت حمدان، أنها اكتشفت موهبة الحكي لديها بالصدفة بباريس، التي حلت بها من أجل إتمام دراساتها العليا بجامعة السوربون عام 1986، واشتغلت بها في التدريس، وذلك لما زارت ورشة الحكواتي الفرنسي المعروف هنري بوكون، الذي كان يؤطر مجموعة من الحكواتيين الشباب. وأشارت حمدان إلى أن هنري بوكوم انتبه إلى وجودها في الحصص الأربعة التي حضرتها، وطلب منها في آخر حصة أن تحكي شيئا، ما ولكنها رفضت، فقال لها بالحرف "شئت أم أبيت فأنت حكواتية". وأكدت حمدان أن هذا الحكواتي الفرنسي هو الذي صالحها مع الحكاية الشعبية المغربية، ومع لغتها الأم، حيث صارت تبدع في الحكايات بطريقتها الخاصة، وأصبح الحكي بالنسبة إليها ضرورة وطريقها إلى الحياة، وإلى الانفتاح على الناس والعالم. واعتبرت حمدان أن الحكاية هي المشارك الجميل بين شعوب العالم، وأنه لا تحتاج إلى التنميق أو الكذب بقدر ما تحتاج إلى براعة الحكواتي، الذي يستطيع إثارة اهتمام المستمع، ليسافر معه عبر الخيال. وعن تفرغها اليوم للكتابة الأدبية والحكاية، وانقطاعها عن التدريس بالجامعة، قالت حليمة حمدان "وجدت أن ما يمكن أن أقدمه عبر الحكي أكثر وأهم من التدريس، فالحكاية تضم دروسا وحكما ومواعظ متعددة، الحكاية تسلك طريقها بسهولة إلى الإنسان ، وتقدم له فوائد جمة". وأضافت حمدان أنها تبدع في الرواية والكتابة الأدبية بالخصوص، وتخلق حكايات فيها نابعة من عوالمها الصغرى، ومن قضايا المجتمع الذي تعيش فيه، أما عن الحكايات التي تلقيها على آذان المستمعين الفرنسيين، فهي تقول "أنا أحكي الحكايات التقليدية بطريقتي الخاصة، لأن الحكي الشعبي قديم جدا، وما زال يمارس إلى الآن، ومازال صالحا لكل عصر وزمان". وأشارت حمدان إلى أن الحكايات تراث عالمي مشترك، قد تتشابه أسماؤها وقد تحمل أسماء مختلفة، من مثل "عائشة الرمادة"، التي كانت تعتقد أنها حكاية مغربية قحة، ولكنها تفاجأت فيما بعد لما اطلعت على الحكايات العالمية، أنها هي "السندريلا"، التي تحمل بكل تأكيد أسماء أخرى في مناطق مختلفة. وبينت حمدان إلى أن هناك فرقا بين الحكايات التي تحكيها النساء، وتلك التي يقدمها الرجال، وهو يكمن في العوالم التي تتناولها الحكايات، حيث تظل عوالم حكايات المرأة داخلية، مرتبطة بالبيت والأسرة، والمكان المغلق الداخلي، في حين تنفتح عوالم الرجال على الخارج، وتقدم سير البطولات، والملاحم، والسير النبوية. حلمية حمدان كاتبة روائية وحكواتية مغربية، تقيم بفرنسا منذ عام 1986. اشتغلت بالتدريس الجامعي، وهي حاليا تنشط في مجال الحكاية بفرنسا، حيث تقدم الحكايات الشعبية المغربية باللغتين العامية المغربية الفرنسية، ب "دار الحكايات والقصص" بباريس، ودار "ألفونس دودي"، والمسرح الشعبي وغيرها. وتشتغل حليمة حمدان أيضا ضمن برنامج لمحاربة الأمية وتعليم اللغة الفرنسية عن طريق الحكاية. أصدرت حليمة حمدان روايتها الأولى باللغة الفرنسية "دعوني أتكلم" عام 2006، وتلتها رواية أخرى عام 2012 بعنوان "فوضى الحرية"، كتب تقديمها الكاتب الفرنسي جون ماري لوكليزيو. وتتواصل فعاليات الدورة الخامسة من "المهرجان المتوسطي لكتابات المرأة"، الذي تنظّمه جمعية "جمع مؤنث" حتى يوم الجمعة القادم بالمركز الثقافي أكدال في العاصمة الرباط، بحضور مجموعة من الكاتبات والكتاب المتوسطيين المهتمين بالحكاية. *وكالة أنباء الأناضول