خيرت فيلدرز.. ارحل..Dégages.. تماماً كما رحل الديكتاتوريون من قبلك . طرق رحيل الديكتاتوريين كما شهدنا في "الثورات العربية" حين كانت في ربيعها، متنوعة. الخيارات أمامك كثيرة ولك وحدك اختيار الأنسب. اختر رحيلك وارحل قبل أن تُحول هولندا- هذا البلد الأمين- إلى مستنقع تطفو فيه طحالب مثلك وأتباعك على السطح، وتلوث نسيم الحرية والتسامح والتعايش، الذي يهب عليها من كل الجهات، ويحول ساكنيها إلى أسرة كبيرة واحدة، تتقاسم بالعدل أمتارا على يابسة استصلحت من البحر، على مساحة لا تكاد ترى على الخارطة. أمس كان موعد الانتخابات المحلية في هولندا. خيرت فيلدرز، اليميني الشعبوي المتطرف، زعيم حزبه "من أجل الحرية"، سأل الحاضرين من أتباعه في قاعة اجتماع في لاهاي: " هل تريدون مغاربة أقل؟"، فأتاه الرد بتصفيق حار: "نريد مغاربة أقل". هز فيلدرز رأسه برضا تام وقال: "حسناً.. سنرتب ذلك". وفي الصباح الباكر كان فعله ذاك خبراً دوليا مخجلاً. كثيراً ما كان النقاش الذي تشهده الساحة الهولندية، بعد "ظاهرة فيلدرز"، حول حدود حرية التعبير التي يكفلها الدستور الهولندي. وكان السؤال ما إذا كان فيلدرز يتجاوز تلك الحدود بتصريحاته العنصرية وإهاناته، بل رفعت الجالية الإسلامية في الماضي شكوى ضده أمام القاضي، على أساس ما تتعرض له من إهانات موجهة لها ولنبيها،وصفتها بالعنصرية، في حين ينص الفصل الأول في الدستور الهولندي، على المساواة وعلى محاربة كل أشكال الميز العنصري، سواء كانت تتعلق بالمعتقد أو الرأي السياسي أو العرق أو الجنس. ولكن القاضي الهولندي، لم يجد إطاراً آخر لتلك التجاوزات غير حرية التعبير تلك. وفيلدرز كان أثناء الدعوى القضائية وقبلها وبعدها، يحظى بحماية خصصتها له الدولة، ضد أي تهجم على حياته. وبالرغم من أني لا أعيش بهاجسٍ أزَماتي في الهوية، لأني مواطنة هولندية أعرف جيداً حقوقي وواجباتي نحو هذه البلاد التي احتضنتني، إلا أني فجأة شعرت أن فيلدرز يخاطبني أنا. رفضت قبل ذلك المشاركة في الهجمة التي شنها ضده مغاربة هولندا، ووصفوه فيها بهتلر زمانه. فقط لأني رأيت أنه لا يستحق أية التفاتة، سيما وأنه معروف عنه، أنه حين تقترب أية انتخابات، أو يتجاهله الإعلام الهولندي- كما حدث مراراً عن قصد- يبدأ في المناوشة ليصعد إلى الواجهة محمولا على سواعد من تستفزهم مناوشاته. حين كنت أعمل بالتلفزيون الهولندي، أنجزنا فيلماً عن فيلدرز، رفض أن يظهر فيه. اقتفينا أثره في كل مكان، وعرفنا أنه في شبابه المبكر أحب فتاة هولندية بجنون، تركته لأجل شاب مغربي مسلم، فكاد الأمر يقضي عليه حينها. ذهب زملائي بتلك النتيجة إلى أخصائي نفسي وسألوه: هل الخيانة في الحب تولد عداء شمولياً؟ قال الأخصائي إنه قد يكون ذلك أحد الأسباب بالطبع، ولكن بالتأكيد ليس وحده كفيلا أن يحول فيلدرز إلى هذا "المسخ". خاض فيلدرز حملة انتخابية عنصرية صريحة وصارخة ضد المغاربة الهولنديين. في البداية اكتفى بالصراخ أنه يجب أن تنتزع من المغاربة المجرمين جوازاتهم الهولندية ويُطردون من هولندا. ولكنه أمس، يوم الانتخابات، ذهب لأبعد الحدود، وثار عليه الهولنديون من مختلف الأصول بالجملة على الشبكات الاجتماعية، بهاشتاق خاص على تويتر #MeerMarokkanen ، يعني: مغاربة أكثر، وبصفحات على الفيسبوك، يتزايد عدد أصدقائها بسرعة فائقة، منها صفحة مزيداً من المغاربة وصفحة لرفع دعوى على فيلدرز، حيث رفع اليوم بالفعل الآلاف دعوى ضده ووتجاوزعدد المشاركين في الساعات الأولى أربعين ألفاً، أكتفي بأن أخاطب فيلدرز بلغته وأدواته، ولكن من منطلق إنساني حقوقي وليس من منطلقه العنصري. إذا كان ينادي بطرد المغاربة الهولنديين لأنهم "مجرمون"، فأطلب منه أن يرحل لأنه عنصري، والعنصرية ممارسة تتعارض مع حقوق الإنسان. هذه أرضي وأرض أولادي، أرفض أن يكون فوقها وجود لمسخ عنصري. خيرت فيلدرز.. آن لك أن ترحل.. Dégages * ينشر بالاتفاق مع هنا صوتك