كاريكاتير سعد جلال مدارس علّقت فيها الدراسة، مستشفيات غصت بتلامذة تدبروا أمر الأقنعة، وأتوا مطالبين بالتلقيح، رعب اقتحم حياة أولياء الأمور، حديث بين طلبة الجامعات حول سنة دراسية بيضاء، وتلامذة الابتدائي خرجوا في مظاهرات مصغرة رافعين شعارات عفوية لإنقاذهم من هذا الشبح المخيف. "" وسط كل هذه الفوضى، أصوات غير مسموعة لأطباء تطفو على الساحة، مشككة في خطورة المرض، متهمة الحكومة بالتهويل، ومشددة على خطورة اللقاح المتداول ضد أنفلونزا الخنازير. جهل بالوباء يتفشى داخل أسوار العلم! تحول الرعب الذي اجتاح تلامذة المدارس في المغرب إلى فوضى عارمة قلبت مستشفيات المملكة وعياداتها الخاصة رأسا على عقب، وكأن هذه الشريحة من المجتمع لم تكن على علم بوجود هذا الوباء إلا بعد انطلاق الموسم الدراسي، والذي معه اكتشفت حالات جديدة للإصابة بأنفلونزا الخنازير. رد فعل توقعه المراقبون المحليون، والذين كانوا يشككون في مدى استعداد وزارة التعليم والتربية الوطنية لمكافحة هذا الوباء، ونشر وعي كاف به وكيفيه الوقاية منه، يقول مصدر مطلع من وزارة الصحة في حديث خاص ل"هسبريس": "الوزارة انشغلت بالاهتمام بالمهاجرين المغاربة الذين توافدوا على البلاد في فصل الصيف، وأولتهم كل اهتمامها لما يشكلونه من مصدر هام للعملة وأيضا للسياحة، وفي المقابل أهملت الاستعداد للدخول المدرسي، ووضع خطة تقوم على توعية الأساتذة بهذا المرض وتلقينهم كيفية تحسيس التلامذة بالأمر، والتعامل معه، ومع الأشخاص المرضى سواء في المدارس أو بين عائلاتهم". كيف يتعامل التلاميذ والأساتذة مع شخص زميل أصيب بأنفلونزا الخنازير؟ يجيب الأستاذ مولاي علي بنعزوز مفتش في السلك الابتدائي قائلا: "وكأنه أصيب بداء الإيدز...بل إنه يصبح عرضة للسخرية وأيضا للنبذ! وهنا يظهر بشكل جلي ضعف النظام التعليمي في بلادنا، حيث يتعامل المتعلمون بنفس السلوك الذي يظهره الجهلة، والقائم على النبذ بدل التكافل، حتى عندما تثبت عدم إصابة المريض بأنفلونزا الخنازير يظل الحذر لصيقا بالمحيطين به، مما يضع المصاب في وضعية لا يحسد عليها، لذلك أشدد على ضرورة التوعية أيضا بالحس الإنساني في التعامل مع المصاب بهذا الوباء، أو المشكك في الإصابة به، أو حتى المصاب بزكام عادي لأنه هو بدوره تلازمه نظرات الشك والحذر في أنه أصبح شخصا خطيرا على المحيطين به". الحل في الصابون! التهويل الإعلامي الذي رافق انتشار وباء أنفلونزا الخنازير، لا يقنع المغاربة في أن الوقاية بالصابون خير منفذ من الإصابة بهذا الداء، ولا يرضون بأقل من التلقيح، وإن كان أغلبهم قد تدبر أمر الأقنعة، وأصبح ارتداء كمامة الأنف يتحول إلى أمر مألوف، ولم يعد يثير نظرات الاستغراب بين المارة الذين اعتادوا على هذا المنظر في نشرات الأخبار عن الدول الآسيوية فقط. حتى بين صفوف التلاميذ، بات ارتداء كمامة أنف أمرا عاديا، ولم يعد مثيرا للسخرية، وإن كانت الأقنعة المتداولة عادية ومتواجدة في الصيدليات، ولا تتوفر فيها معايير الوقاية العالية من عدوى الأنفلونزا. تقول الدكتورة رجاء السفياني ل"هسبريس": "يأتي إليّ مرضى بزكام عادي خائفين من أن يكونوا مصابين بأنفلونزا الخنازير، فأؤكد لهم أن الإعلام ساهم في التهويل من خطورة المرض، وأن الحل يكمن في الوقاية، وأن غسل اليدين بالصابون والماء كان مطلبا ضروريا من قبل ظهور هذا المرض". الدكتورة السفياني، وإن كانت توافق الدولة في دعوتها المغاربة إلى تفادي العدوى باستعمال الصابون، فإنها تعارضها في السماح بالتطعيم، حيث تقول: "ما يؤرقني كثيرا، ويجعلني أؤكد على كل من ألتقي بهم من مرضاي وغيرهم هو ألا يسمحوا بتلقي التطعيم الذي أعلنت الدولة على توفره، لأن هناك أبحاثا وتقارير أكدت خطورته على صحة الإنسان، ومن خلال منبركم أؤكد أن التلقيح الذي ادعى الرئيس الأمريكي أنه سمح بإعطائه لبناته ما هو إلا التلقيح المعتاد ضد الزكام، ويؤسفني أن أقول أن حكومة بلادنا عاجزة عن نشر الوعي اللازم بين الناس من خلال برامج إذاعية وتلفزيونية وتواصل مع الناس يخفف من التهويل الإعلامي، وينشر الوعي الكافي بهذا المرض، وطرق الوقاية منه، والتعامل معه". موجة الرعب والفوضى التي زادت من ثقل كاهل المؤسسات التعليمية والصحية في المغرب، دفعت الحكومة إلى توزيع الصابون بكميات هائلة على المدارس، وتزويد بعضها بالمياه التي طالما افتقرت إليها، رد فعل دفع بالمغاربة إلى التساؤل، ألا يمكن للحكومة أن تتدخل قبل وقوع الكارثة؟ وهل من المعقول في الألفية الثالثة، وفي بلاد يسعى لتعزيز البنيات التحتية تفتقر مؤسساته التعليمية للماء والصابون؟