التدخلات الأمنية المتكررة التي شهدتها جامعة فاس السنة الماضية لازالت تداعياتها تتفاعل لحد الآن، خاصة مع بداية السنة الجامعية الجديدة. فإذا كانت تلك التدخلات جاءت في ظروف معينة - وإن كانت غير مبررة - ردا على ما كانت تعرفه الساحة الجامعية، إلا أن تأثيراتها لم تقف عند هذا الحد. إذ لا زالت صورة الأحداث عالقة في أذهان الطلبة الذين عايشوها، في حين تشكلت لدى الطلبة الجدد خيالات الخوف والرعب التي تتبادر إلى أذهانهم بمجرد ذكر " ظهر المهراز" نظرا لما سمعوه أو قرؤوا عنه من هول الفاجعة. "" هذه الصورة الملصقة "بظهر المهراز" جعلت البعض يفضل عدم الالتحاق بكلياتها حتى وإن كان فيها التخصص الذي يستهويه ويفضل التسجيل فيه !! هكذا إذن ستسمع الكثير من الحكايات عن طلبة وطالبات حددوا توجههم الدراسي انطلاقا من هذه الإعتبارات...تحكي إحداهن لزميلتها أنها قبلت التسجيل بشعبة علم الاجتماع في كلية "الاداب سايس" لأن تخصصها المفضل الذي هو علم النفس لا يوجد إلا في كلية الآداب "ظهر المهراز"!! فيما يطرح الآخر مشكلته أمامك وهي أنه اضطر للتسجيل في كلية الشريعة تفاديا لظهر المهراز حيث تخصصه المرغوب فيه وهو الدراسات الإسلامية، ولأن التقسيم الجغرافي لا يسمح له بالدراسة في سايس !!. ومن العجيب ان هذه الاعتبارات تدخل حتى في التفضيل بين كليات "ظهر المهراز" نفسها، فقد استشارتني إحدى الطلبات عن إمكانية انتقالها من كلية الآداب إلى كلية الحقوق..وكان مبررها طريفا للغاية، وهو أن كلية الآداب مفتوحة على شارع واحد يجعلك محاصرا لو تم اقتحام الكلية بينما تتوفر كلية الحقوق على مداخل متعددة وتنفتح على عدة شوارع تسمح بإمكانية النجاة بجلدك في حالة حدوث المكروه !!. ومثل هذا كثير ممن فضل كلية الآداب على الحقوق، فقط لأن هذه الأخيرة تكثر فيها الاضطرابات وهي مهددة في أية لحظة بالتدخل الأمني. هذا مع كل ما نعرف من فارق كبير بين تخصصات الحقوق وتخصصات الآداب من الناحية العلمية. إن هذه الوقائع التي تبدو مضحكة ومبكية في آن واحد ليست من نسج الخيال أو من موضوعات النكتة.بل هي مما شهدناه بالفعل ولعله يقلق كل طالب جديد أو على الأقل يخالج خواطر. فهي مضحكة لأنها مثال على الطريقة التي يحدد بها الطالب تخصصه ومساره العلمي الذي يتحكم في مستقبله وحياته !!. والذي لا يمكن أن يراعى فيه إلا الرغبة والميولات والإمكانيات الذاتية لكل طالب، لأن اختيار التخصص محدد أساسي في الحياة الشخصية ، وقد لا تتكرر منه فرصة أخرى مدى العمر. وهي مبكية لأن اقتحام الجامعة بالطريقة التي شهدتها "ظهر المهراز" دون مراعاة لحرمة الجامعة ولا لأمن الأبرياء، واعتقال العشرات من الطلبة وتعنيفهم والتحرش بالطالبات..يجعل المرء يفقد الأمن والثقة داخل الجامعة المهددة في أي يوم بالإقتحام بدون سابق إنذار. ويجعل الحالة التي أصبحت عليها الجامعة كمؤسسة للعلم والحوار والسلم تثير الحزن وتستحق البكاء والرثاء. إن هذه الأحداث إن كانت لها من دروس فهي: 1-أن العنف داخل الجامعة سواء كان من طرف طلابي أو كان جراء تدخل أمني لا يخدم إلا أجندة الإجهاز على الجامعة العمومية والتعجيل بإفشال دورها في إنتاج المعرفة وتخريج الأطر أو على الأقل تخريج شباب متعلم وسوي في حياته الشخصية دون عقد. 2- أن الدولة لم يعد لها رهان على الجامعة ولا على طلبتها ولذلك يستوي عندها أي تعامل مع هذا الفضاء الجامعي ، ومستعدة للتدخل الأمني فيه لسبب تافه أو حتى بدون سبب..ببرودة دم.. ودون خوف من أضراره الجانبية. هذا إن لم نسلم بأن التدخلات الأمنية جاءت لتحقيق أهداف معينة من قبيل تنفير الطلبة من الجامعة العمومية، والتعجيل بتنزيل مشروع تفكيك المركب الجامعي "ظهر المهراز" ( الذي لاقى معارضة شديدة من طرف المعنيين المباشرين أعني الأساتذة والطلبة). وكذا استعراض العضلات وزرع الرعب تمهيدا لتمرير المخطط الاستعجالي خاصة وأن جامعة فاس معول عليها في هذا الإطار وهي محط الأنظار في تنزيل هذا المخطط.