لم يكن التلاميذ والأساتذة والأطر الإدارية في إعدادية صلاح الدين الأيوبي بسيدي يحيى زعير يعرفون أن حليمة، وهي فتاة في الثالثة عشر من عمرها، تعيش حياة وواقعا يوميا مختلفا عن أقرانها، حتى جاء شهر أبريل الماضي عندما كشفت الصغيرة عن قصتها التي حملتها بين أضلعها منذ أربع سنوات دون أن تستطيع البوح لأحد بما تعانيه. "" حليمة اشتكت لمعلمتها معاناتها مع والدها الذي يغتصبها منذ أن كان عمرها تسع سنوات بعيدا عن أعين أمها التي تشتغل خادمة بالبيوت. المعلمة اتصلت بجمعية ما تقيش أولادي التي استمعت إلى قصة حليمة، وكيف كان والدها يعنفها كلما امتنعت عن تلبية رغباته الجنسية، وبالرغم من أن الطفلة أبلغت والدتها بما يحدث معها، إلا أن هذه الأخيرة لم تحرك ساكنا بالرغم من ملاحظتها اختفاء حبوب منع الحمل التي كان الأب يجبر ابنته على تناولها بعد أن وصلت مرحلة البلوغ. جمعية ما تقيش أولادي التي ترأسها نجية أديب تبنت الموضوع واتصلت بعناصر الدرك بالمنطقة الذي استمع إلى الطفلة بحضور والدتها ووضع الجاني تحت الحراسة النظرية. فيما وضعت حليمة تحت المراقبة الطبية بمستشفى الأطفال بالرباط بعد أن تم تسليمها شهادة طبية تثبت أن الطفلة تعرضت لاعتداء جنسي دام أربع سنوات فقدت على إثره بكارتها. القصة لم تنته هنا، فبعد ستة أشهر من الحادثة التي شغلت الرأي العام المحلي في سيدي يحيى زعير وفي المغرب، قالت نجية أديب إنه تم إطلاق سراح الأب المعتدي فيما هربت الطفلة من المنزل إلى مكان مجهول، الجمعية بحسب رئيستها قررت تعيين محامي جديد للضحية وفتح الموضوع بشكل جدي وأقوى. الأرقام.. الغائب الأكبر قصة حليمة واحدة من قصص كثيرة لأطفال سقطوا في مختلف مراحل نموهم ضحايا لزنا المحارم .. إنها ظاهرة مسكوت عنها، تفضل كثير من الأسر المغربية مواجهتها بالصمت خشية الفضيحة والعار الاجتماعي الذي قد يطالها، فتضيع حقوق ضحايا الاغتصاب أو التحرش من قبل من يفترض أن يكونوا مصدرا للحماية والأمن. بالمقابل تجرأت أسر أخرى على طرح قضيتها على أنظار المحاكم وطلبت دعم جمعيات المجتمع المدني وبلغت حد نشر تفاصيل معاناتها على صفحات الجرائد الوطنية. من الصعب الحصول على أرقام حقيقية تعبر عن حجم انتشار حوادث زنا المحارم في المجتمع المغربي، والسبب كما يقول عبد الرحيم العطري أستاذ علم الاجتماع يرجع إلى غياب دراسات حقيقية تتناول الظاهرة، كما أننا لا نعرف سوى الأرقام التي تدافع عنها الجمعيات، والمتعلقة بالاعتداءات على الأطفال القاصرين يشرح العطري، ويضيف بأن هذه الأرقام لا تعبر سوى عن الثلث الظاهر من جبل الجليد ولا تعبر عن حقيقة هذه القضية ووضعها في المجتمع. جمعية ما تقيش ولدي التي ترأسها نجاة أنور، وهي جمعية تنشط في الدفاع عن الأطفال ضحايا العنف والاعتداءات، أصدرت شهر ماي المنصرم تقريرها السنوي 2008 حول الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، واعتبرت الجمعية في تقريرها أن هذا الموضوع يمثل مشكلة مستترة ويصعب تقدير ضحاياه، بحيث أن الكثير منهم حسب المعاينات التي أجرتها الجمعية، يبدون الكثير من التردد في الإفادة بتعرضهم للاعتداء الجنسي لأسباب عديدة.. منها أسباب مرتبطة بصلة النسب وقرابة الدم، التي تربط المعتدي جنسيا بالضحية، ويكون الصمت رغبة في حمايته من الملاحقة القضائية، أو الحفاظ على التماسك العائلي يقول التقرير. وفي ظل غياب إحصائيات رسمية حول الموضوع، اجتهدت الجمعية في تقديم إحصائيات قال إنها نسبية حول الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال، إذ بلغت 306 حالة اعتداء جنسي خلال سنة 2008 (166 حالة من مجموعها تبنتها الجمعية واشتغلت عليها على امتداد سنة 2008 و140 حالة اعتداء استقتها مما نشرته وسائل الإعلام المغربية)، وسجلت ما تقيش ولدي أنه من بين 166 ملفا التي تبنتها، توجد ستة حالات اعتداء من طرف الآباء، وحالة واحدة من طرف العم، والأخ حالتين وستة عشر حالة من طرف المحيط العائلي (ابن العم، ابن الخالة)، في حين سجلت تسعة حالات بالنسبة للمدرسين، وتوزعت بقية الحالات بين فقيه المسجد ومشغل الأم والمدرب والممرض ورئيس الجمعية وما تبقى من المعتدين هم من الغرباء. من جهته كشف المحامي في هيئة تطوان الحبيب حجي أنه في غضون الشهرين الماضيين، عرضت على أنظار محكمة الاستئناف في تطوان ما بين أربع إلى خمس ملفات تتعلق بحالات اغتصاب أطفال ارتكبها الأب أو فرد من العائلة. أما في الدارالبيضاء يقول المحامي والناشط الحقوقي عبد المالك زعزاع فإن زنا المحارم موجود بحدة؛ وإن كان أقل من جرائم الاغتصاب الأخرى، إذ تعرض على أنظار المحكمة أكثر من خمس حالات شهريا، لكنه يشير إلى أن ما يصل إلى قاعات المحكمة أقل بكثير من الواقع، ذلك أن المجتمع ينصح باحتواء المشكل داخل الأسرة عوض اللجوء إلى القضاء، ولا يخفي زعزاع أنه بفضل جمعيات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية أصبحت الأسر تلجأ إلى المحكمة وتبحث عن الدعم. بين أحياء الصفيح والفيلات وإذا كان عياد أبلال يرى - استنادا إلى معايناته المباشرة أو بالرجوع إلى الصحافة والإعلام السمعي البصري - أن نسبة مهمة من هذه الحالات ينتمي أصحابها إلى الفئات الدنيا من المجتمع، أوما يسميه مغرب الهامش(الأحياء الشعبية الفقيرة سواء في المدن أو في المناطق الشبه حضرية)، فإن عبد الرحيم العطري يرفض أن يربط هذه المسألة بالفقر، ويقول كما نجد زنا المحارم في النخب المخملية نجده أيضا لدى الفقراء، فهي توجد في أحياء الصفيح وأيضا في الفيلات. ويوضح أبلال في تحليله للمسألة، أن الحالات في القرى تكاد تكون أقل بكثير منها في الحواضر بالرغم من حالات الكبت الجنسي، لأن هذا الأخير يتم تحويله في اتجاه علاقات جنسية طبيعية بفضل الزواج المبكر اليوم، كما أن ضغط المعيش اليومي والظروف السوسيو اقتصادية ومتطلبات الحياة تكون أقل من المدن، ناهيك عن أن المسافة الجسدية داخل القرى تكون كبيرة جدا مقارنة مع مثيلتها في المدن والمناطق الشبه حضرية، ويقصد أبلال بالمسافة الجسدية داخل العائلة، حجم المسافة التي تفصل أفراد العائلة عن بعضهم البعض في البيت خاصة في النوم. مسؤوليات متشعبة المسألة مركبة تحتاج مجهود الدولة القانوني والاقتصادي، فليس الفرد وحده هو الذي يتحمل المسؤولية كاملة، هكذا يلخص المحامي الحبيب حجي الحلول التي يراها للحد من انتشار زنا المحارم في المجتمع المغربي، فالفرد كما يرى يتعرض لضغوطات كثيرة تجعله يسقط تحت تأثير خلل نفسي يدفعه لارتكاب هذا السلوك. أما الباحث السوسيولوجي عبد الرحيم العطري فيشدد على أهمية التربية الجنسية للأطفال، حتى لا يكون الجنس ذلك الطابو الذي لا يجوز التحدث عنه، مشيرا إلى أن التربية الجنسية يفترض أن ترتبط بجو الحوار والتواصل داخل الأسرة وكذا التحصين، خاصة في هذا الوقت الذي أصبح فيه الأطفال عرضة لما أسماه قاذفات إلكترونية وإعلامية أصبحت معها كل المعلومات والصور متاحة للجميع. الإسلام يشدد على ضرورة الفصل في المضاجع، وعلى الحشمة والوقار وهي شروط ضرورية لضمان حميمية الجسد حتى لا يستباح يقول عياد أبلال، لكن يستدرك بأن واقع الحال والشروط الضرورية للعيش الكريم تكاد تكون غائبة في مغرب الهامش، حيث الفصل في المضاجع مستحيل، والحفاظ على حميمية الجسد والمسافة الجسدية والراحة النفسية كلها أشياء مستحيلة في ظل الواقع المزري، كما أنه بمجرد الوصول إلى الاضطراب النفسي والانحراف السيكولوجي تصبح مهمة ووظيفة الدين مستحيلة. *التجديد