لم يكن هذا المؤلف ليظهر للقراء بالحجم الذي ظهر به، وبالمحتوى الديني الذي هو موضوعه، لولا شخص فاضل، بعثه الله إلي في وقت لم أجد غير استقطاعه من ضمن برامج اهتماماتي. فقد حثني على الإسراع للانتهاء من كتابته، حتى يستقبله علماء الأمة تحديدا، كتنبيه وكتذكير! خاصة وأن حضورهم المكثف السلبي في المجالس العلمية الجهوية، وفي المجلس العلمي الأعلى، يدفع إلى التساؤل عما إذا كانوا – وهم علماء الجهة الرسمية – يميزون بين السني والبدعي؟ أم إن الأمور قد اختلطت عندهم في الأذهان إلى حد أن السني في نظرهم هو البدعي؟ وأن البدعي في نظرهم هو السني ذاته؟ والحال أنهم يقرون علنا - خاصة في خطب الجمعة – بأنه لا وجود لأقوال، ولا لأفعال، ولا لتقريرات، أفضل من أقواله ومن أفعاله ومن تقريراته ص في الدين! فهم يروون عنه قوله: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". مما يتضح معه أنهم يسلمون باعتماد شيئين متناقضين: ما صح عنه وروده، وما لم يصح وروده عنه ص، أي ببدع في الدين تضلل ممارسيها والدعاة إليها والمروجين لها، وتقودهم – إن لم يتوبوا – إلى أسوأ حال دنيا وأخرى! يعني أنهم يسلمون بصحة ما ورد عن ضلاليين وعن ظلاميين زنادقة أفاكين! وحتى إن تأكدت لديهم السنة في موضوع بعينه، وجدناهم يبحثون عن تجاوزها للعمل بالمبتدعات، التي تشرف عليها الدولة وتحميها في إطار ما يعرف بتدبير الشأن الديني! وإلا فهل تأكد لدى واحد منهم بأنه ص كان يقرأ القرآن على هيأة الاجتماع؟ وأنه كان يدعو على نفس الهيأة متى انتهى من هذه الصلاة أو تلك؟ وأنه أمر ببناء الأضرحة ورفع القباب عليها وزيارتها والذبح عندها وإقامة مواسم لأصحابها، والتوسل بهم لقضاء الأغراض أو لتحقيق المطالب؟ أو تأكد لديه كونه ص أول ما خلق الله عز وجل؟ وأنه لولاه ما خرجت الدنيا من العدم، كما ادعى الضلالي الشاذلي الطريقة، صاحب "البردة والهمزية"؟ هاتان القصيدتان يشتغل بقراءتهما علماؤنا في مناسبات رسمية وأمير المؤمنين حاضر! وهم يعتقدون أنهم يحصدون – بمدحهم للرسول – أكيالا فوق أخرى من الحسنات! بينما هم في واقع أمر اشتغالهم بأنواع من المبتدعات، إنما يحصدون أكيالا فوق أخرى من السيئات! لأن أية كيفية محدثة من كيفيات التعبد، مخالفة لكيفات التعبد عنده ص، ليست سوى بدعة ضلالة. من نظائرها حذر الله وحذر رسوله المؤمنين أيما تحذير! فيكون من الواجب على العلماء أن لا يساهموا في التضليل، وإنما عليهم أن يساهموا في التنوير؟ ومساهمتهم في التضليل لن نحصرها في عجالة من الكلام، تكفي الإشارة إلى أن الاشتغال – للصلاة على المختار - بصيغ لم ترد عنه، مساهمة مباشرة في الازدراء بالسنة من جهة! وفي الكذب عليه ص من جهة حينما يدعي أحدهم بأنه تلقى عنه مباشرة تلك الصيغة! وفي الخروج بالمؤمنين عن صراط الله المستقيم، وعن نهج الرسول في التعبد من جهة ثالثة، وهو النهج المعروف بالسنة التي أمرنا باتباعها لا باتباع طرق محدثة ضلالية بدعية! فالمسمى "الياقوتة الفريدة". أو "صلاة الفاتح لما أغلق". صيغة للصلاة على النبي الأكرم، جرى تلفيقها على يد المتصوف الشاذلي الطريقة: محمد البكري المصري. فقد جمعها من مصادر متعددة. أوردتها في مؤلفي "التصوف الطرقي بالمغرب الحديث والمعاصر". وهذا منطوقها: "اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراطك المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم" ولما لاحظت كيف أنها هي الدعاء الذي تختم به الدروس الرمضانية الرسمية أمام ملك البلاد، أبت علي نفسي – من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – إلا أن أبين حقيقتها في كتاب لم يتطلب تأليفه غير أسبوع واحد. لأن المادة العلمية كانت متوفرة لدي. في مقدمتها كون "الياقوتة الفريدة" لم تكن من قول الرسول ولا من فعله ولا من تقريره. فحينما نزل عليه قوله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبي. يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". سأله الصحابة عن كيفية الصلاة عليه. فأملى عليهم الصلاة الإبراهيمية المعروفة. فكان أن التزموا بها ليلتزم بها بعدهم التابعون وأتباع هؤلاء، وكبار العلماء والأئمة والمحدثين. ثم يلي ما أوضحناه كونها محاطة بالضلال البدعي، إلى الحد الذي كان عنده من الضروري أن تجري محاكمة من ادعى لها ما ادعاه من فضل على غيرها محاكمة علمية لن تؤدي لا محالة إلا إلى تكفير من دفع بها إلى الواجهة التعبدية، كإحدى الوسائل التي تقرب العبد من ربه في أقل من رمشة عين! صاحبها الداعي إليها، والمروج لها هو الزنديق الجزائري - المغربي: أبو العباس أحمد بن محمد التجاني؟ توفي محمد البكري المصري الذي جمعها من مصادرها عام 994 هجرية. أي قبل ولادة التجاني ب(156) سنة. ولما حج مؤسس الزاوية الدلائية قام بزيارة البكري في بيته. وأذن له في الذكر ب"صلاة الفاتح لما أغلق". فكانت هي العنصر الثالث من عناصر ورد الدلائيين كما ورد لدى الراحل محمد حجي في مؤلفه عن "الزاوية الدلائية". وعندما استقر التجاني بفاس، وادعى أن النبي ص أستاذه المباشر في التصوف، وأنه يقابله في اليقظة حيث قال له ص: "أنا شيخك ومربيك وكافلك ولا منة لأحد عليك من أشياخ الطرق". أخذ يملي على المحيطين به ما يدور من حوار بينه وبين شيخه. فقد أمره أن يشتغل للصلاة عليه ب" الياقوتة الفريدة" دون غيرها؟ وكأنه ص تراجع عن "الصلاة الإبراهيمية" التي لقنها أصحابه الفضلاء. إذ ربما تبين له بعد وفاته أنها لم تعد مجدية!!! وأن المجدي تحديدا هو "صلاة الفاتح لما أغلق"! والحال أنه ص قال: "تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي. فمن رغب عن سنتي فليس مني" (يقصد الضلاليين المبتدعين وأتباعهم ممن روجوا ويروجون لمبتدعاتهم)! فإذا به هو ص على لسان التجاني المفتري ينقض ما كان قد أبرمه؟ وهل هذا يتصور يا علماءنا في حقه ص؟ ثم ادعى أن الرسول أخبره بأن "صلاة الفاتح لما أغلق" وحي من الله أتى به ملك إلى البكري المصري في صحيفة من النور! وأنها لم تكن من كلام بشر؟ وبما أنها لم تكن من كلام بشر، وإنما هي وحي من الله، فإنها إذن كلام الله – والحال أنني حددت مصادرها مما يفند هذا الزعم الخطير – وبما أنها كلام الله، فهي إذن بمنزلة القرآن الكريم! لكن التجاني تجنب مساواتها بالقرآن من حيث الفضل الذي يحصل عليه تاليها! بل إنها أفضل منه من حيث ذلك الفضل. فقد قال ص للتجاني – ودائما في اليقظة -: من قرأها مرة واحدة، نال نفس الأجر الذي يناله من ختم القرآن ست مرات! ثم قال له مرة أخرى: من قرأها مرة واحدة، حصل على أجر من ختم القرآن ستة آلاف مرة!!! مما يعني أن أي مريد تجاني يحصل على ملايين الحسنات – عكس جميع المسلمين – في يوم واحد وهو يواظب على أداء مسمى الورد اللازم. مرة في الصباح، ومرة في المساء. حيث إنه يقرأ "الياقوتة الفريدة" في الصباح 100 مرة. ثم يقرأها في المساء 100 مرة كذلك. بينما يقرأها وهو يؤدي مسمى الوظيفة: 30 مرة، بحيث يكون ما قرأه منها كل يوم هو 230 مرة. وبما أن قارءها مرة واحدة، يحصل على أجر من ختم القرآن 6000 مرة. فإن الحسنات التي يحصل عليها المريد التجاني هي نتيجة ضرب 230 في 6000. وهي بالتحديد (1.380.000 حسنة)!!! هذا إن لم يلتزم المريد بين ليله ونهاره بقراءة إضافية لها من باب التطوع! أملا منه في جني المزيد من الحسنات! ولا أخفي سرا إن أنا صرحت بأنني أعرف مريدا يقرأها خارج ورد الصباح وورد المساء والوظيفة 500 مرة إضافية. مما يعني (230+500 مضروبة في 6000)، بحيث تكون حصيلته اليومية من الحسنات الصافية (4.380.000 حسنة)!!! وفي شهر واحد يحصل الملتزم بقراءتها 230 مرة في اليوم على 41.400.000 حسنة. أما من أضاف إلى قراءتها اللازمة 230 مرة، قراءتها 500 مرة إضافية من باب التطوع، فإن ما يحصل عليه من الحسنات في شهر واحد هو بالتحديد 131.400.000 حسنة. ولا يمل الزنديق التجاني – وهو يلقي في وجوهنا بظلامه الدامس – من إضافة أصفار تلو أخرى إلى أرقام يبتكرها من باب الخبل والتهويل. ومن باب الإصرار على الإحداث في الدين. فقد نسب إلى الرسول ص قوله: "إن من صلى علي بها (أي بصلاة الفاتح لما أغلق) مرة واحدة، حصل له ثواب ما إذا كان صلى بكل صلاة (= بكل دعاء) وقعت في العالم من كل جن ومن كل إنس وملك ستمائة ألف صلاة من أول العالم إلى وقت تلفظ الذاكر بها. أي كأنه صلى بكل صلاة ستمائة ألف صلاة من المصلين عموما، ملكا وجنا وإنسا. وكل صلاة في ذلك بأربعمائة غزوة! وكل صلاة من ذلك بزوج من الحور وعشر حسنات، ومحو عشر سيئات، ورفع عشر درجات. وأن الله يصلي عليه وملائكته بكل صلاة علي عشر مرات"!!! إنه بعبارة أولى كلام الرسول! أو درس لقنه للتجاني بعد وفاته ص وفي اليقظة! وفي المدينة العلمية فاس كما تسمى! وهو بعبارة ثانية حديث من أحاديثه! ثم إنه بعبارة ثالثة سنة من سننه القولية التي ينبغي التصديق بها!!! وإن نحن تأملنا سنته هذه، لما وجدنا غير معاول لهدم الدين من أساسه!!! ومع ذلك يسكت علماء السلطان المتهافتين على المتاع الدنيوي عما تحويه معاول زنديق أفاك من ظلام مبين!!! فالصلاة على المختار ب"الياقوتة الفريدة" مرة واحدة إذن، تعدل كل دعاء وقع في العالم صدر عن عباد من الجن! وعن عباد من الإنس! وعن عباد من الملائكة! فلو تصورنا عبادة الأنبياء والرسل والأولياء منذ أول العالم – حسب تعبير التجاني المخبول – لوجدنا عبادة من قرأ "صلاة الفاتح لما أغلق " مرة واحدة تفوقها! لأن المريد التجاني المواظب على التعبد بها، لم تنحصر الحسنات التي يحصل عليها في حدود حسنات حصل عليها الأنبياء والرسل والأولياء عبر التاريخ. وإنما تجاوزتها لأنها تشمل حسنات حصل عليها – كما قلنا – كل من عبدوا ربهم من إنس ومن جن ومن ملائكة؟ إن الإمعان في تحليل الظلام الذي ساقه الزنديق التجاني، لن يقودنا إلا إلى الإمعان في سبه وشتمه ولعنه بدليل الكتاب والسنة. كقوله ص: "من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"! فإن كانت الصلاة على الرسول ب"صلاة الفاتح لما أغلق" مرة واحدة تعدل الصلاة عليه بغيرها (حتى بالصيغ التي صحت عنه) ستمائة ألف مرة. فهذا يعني أن ستمائة ألف مرة هذه مضروبة في أربعمائة غزوة، توفر لصاحبها أجر من غزا في سبيل الله (240.000.000 غزوة)! وتوفر له من الحور العين (600.000 مضروبة في 2 = 1.200.000)، له أن يتمتع بهن وهو مقيم في جنة الفردوس!!! وتوفر له (600.000 مضروبة في 10 = 6.000.000 من الحسنات)! وتمحو عنه (600.000 مضروبة في 10 = 6.000.000 من السيئات). وترفعه عشر درجات، يعني (600.000 مضروبة في 10 = 6.000.000). ويصلي عليه الله وملائكته عشر مرات. يعني (600.000 مضروبة في 10 = 6.000.000 صلاة). وهل يعقل القبول بهذا الضلال الذي نسبه الزنديق الجزائري – المغربي إلى النبي ص؟ هل يعقل القبول به من خلال المواظبة على التعبد ب"الياقوتة الفريدة" المزعومة، والتي هي في الحقيقة بهتان وإفك مبين؟ ومع ذلك تختم بها الدروس الرمضانية بعد قول أحدهم بصوت جهوري: "الختم لمولاي"؟ أو لا يوجد عالم واحد عبر التراب الوطني يملك الجرأة ليقول لا، مدوية مسموعة لما هو منكر؟؟؟ وعندما نعود إلى قصتها التي لخصها التجاني – راويا يقظة عن الرسول في كونها وحيا من الله إلى محمد البكري المصري، فإننا نسوق بخصوصها رواية ثانية عن مصدرها المخالف الذي حدده الرسول ص للمخبول التجاني! إنها من جملة ما تلقاه النبي من ربه مباشرة ليلة الإسراء والمعراج! هذا ما ادعاه الحسن البعقيلي التجاني في مؤلفه "ترياق لمن فسد قلبه ومزاجه" يعني أنه ص على معرفة تامة بها وهو بمكة، قبل أن ينزل عليه وهو بالمدينة قوله تعالى: "إن الله وملائكته يصلون على النبيء يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما". لكنه ص لم يلقنها لأصحابه بعد أن سأله أحدهم بقوله: عرفنا كيف نسلم عليك. وعلمنا كيف نصلي عليك؟ فكان أن أملى عليهم "الصلاة الإبراهيمية" ولم يمل عليهم "الياقوتة الفريدة". بل ولم يتحدث عنها لأي كان إلا في أوائل القرن الثالث عشر الهجري! فقد تحدث عنها للتجاني دون غيره! بحيث نكون نحن أمام حيرة لا حد لها ولا حصر؟ هل نكذب الرسول الذي قال للتجاني إنها وحي من الله نزل على محمد البكري المصري؟ أم نكذب التجاني الذي روى قصتها عنه ص؟ أم نكذب البعقيلي الذي كذب كلا من الرسول والتجاني حين ادعى أنه ص تلقاها مباشرة من ربه ليلة الإسراء والمعراج؟ وبما أن الرسول أبعد ما يكون عن الظلاميات التي يسوقها المخبولون من المتصوفة، خاصة ما ينسبونه منها إليه ص، إن في المنام وإن في اليقظة. فإنه لم يبق غير اتهام كل من التجاني والبعقيلي بالكذب عليه ص! ومتى صحت هذه النتيجة بمنطق الدين، وصحت بمنطق الواقع. وصحت بمنطق العقل، صح إنذارنا وتحذيرنا الشديدين من مغبة اعتمادها رسميا بالتحديد كختم للدروس الرمضانية التي تلقى أمام أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، وبحضور من أسندت إليه مهمة تدبير الشأن الديني وإن لم يكن من العلماء المتصفين قبل كل شيء وبعده بالكافي من التقوى والعلم بالله عز وجل!!! الموقع الإلكتروني: www.islamtinking.blog.com العنوان الإلكتروني: [email protected]