سؤالان نظيرهما أو ما شابههما لا يصدران إلا عن غبي غارق في الغباء! وحتى لا أكون ذاك الغبي البليد في نظر القراء، أعدهم بتوضيح ما وراء الدافع إلى طرحهما من منطلق واقعي هو بالتحديد: مواجهة مختلف الإساءات اللامسؤولة إلى نبي الإسلام! والتي تجد حماية لها مستميتة من أطراف، بينها علمانيون متنطعون! من مناصري سيادة العقل والتجربة على حد ما يزعمون! بادئ ذي بدء، ما الذي يقوله منطق الدين عن وفاة الرسل والأنبياء قبل بعثة نبينا وبعد انتهائه من تبليغ رسالة ربه؟ قال تعالى يخاطبه: "إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيئين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا. ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم ننقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما".فصح أن نتساءل هنا عما إذا كان أحد هؤلاء الأنبياء والرسل معمرا حتى الآن؟ تأكيدا للزعم الصوفي الظلامي الذي يذهب إلى أن مسمى الخضر – وهو عند مشايخ التصوف صاحب موسى الوارد ذكره في القرآن الكريم – لم يفارق الحياة الدنيوية، أو أنه لم يذق بعد طعم الموت! بل إنه يقابل الزهاد والمتصوفين منذ أقدم العصور، أينما حلوا وارتحلوا! إن في البيوت وإن في الخلوات، وإن في الفيافي والقفار؟ إنما ما الذي نفعله بقوله تعالى: "كل نفس ذائقة الموت"؟ هل نحول هذا الحكم الإلهي المطلق إلى حكم نسبي. فنكون هكذا قد دخلنا في استثناءات غير مؤيدة بنصوص نقلية قطعية الثبوت والدلالة؟ ولا بحجج منطقية؟ ولا بدعائم من التجريب تكللت بالنجاح الفائق؟ ومتى اعترض الدين والعقل والتجربة على وضع استثناءات أمام حكم مطلق من باب المستحيل إلغاؤه. تأكد لنا مضمون قوله سبحانه – والخطاب موجه إلى نبيه -: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفأن مت فهم الخالدون". وهذا التقرير الإلهي الذي ينفي البقاء في الدنيا عن أي كان، جاء بعد قول الكافرين خصوم الدين: "نتربص بمحمد ريب المنون، ولعله يموت كما مات شاعر بني فلان، فقال الله تعالى: قد مات الأنبياء من قبلك وتولى الله دينه بالنصر والإحاطة والتأييد. وهكذا نحفظ دينك وشرعك". فسقطت على الفور مزاعم كل مدع في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل بأنه صلى الله عليه وسلم حي يرزق. وأنه يجول في الدنيا عرضا وطولا كما يجول فيها الأحياء! دون ما حائل يحول بينه وبين الذهاب إلى حيث يريد وفي الوقت الذي يريد؟وكتأكيد لواقعية منطق الدين بخصوص موت الخلق عامة، وبخصوص موت الأنبياء والرسل خاصة، قوله عز وجل مخاطبا رسوله: "إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون". فنكون بكل وضوح أمام إخبار الله رسوله بأنه سوف يموت كما سوف يموت بقية الناس، وأنه لا أحد يخلد في الدنيا كما يدعي المدعون من المخبولين الذين يزعمون بأنهم يجتمعون به، ويتلقون عنه ما يتلقاه التلاميذ من المعلمين أو الطلبة من الشيوخ والأساتذة. وبالعودة إلى الوراء التاريخي حين اعتل صلى الله عليه وسلم وازداد وجعه، فأشفق المهاجرون والأنصار من وفاته، فكان أن خرج إليهم معصوب الرأس يخط برجليه، حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر وثار الناس إليه، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أيها الناس، بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم. هل خلد نبي قبلي فيمن بعث إليهم فأخلد فيكم؟ ألا وإني لاحق بربي وإنكم لاحقون به، فأوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا، وأوصي المهاجرين فيما بينهم خيرا". فلما اشتد عليه الأمر صلى الله عليه وسلم، صار يدخل يده الشريفة في القدح، ثم يمسح وجهه الشريف بالماء ويقول: "اللهم أعني على سكرات الموت، أي غمراته". وحينما تحققت وفاته، أو حينما التحق بالرفيق الأعلى، طاشت عقول الحضور، واضطربت أحوالهم للمصاب الجلل، وقال عمر بن الخطاب، من فرط هول شديد الوطء على نفسه: "إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات، ولكن ما مات، وإنما ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران عليه السلام! ثم رجع إلى قومه بعد أربعين ليلة. والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم". ولا زال رضي الله عنه يتوعد المنافقين حتى أزبد شدقاه!!! فقام أبو بكر رضي الله عنه، وصعد المنبر، وقال: "يا أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله سبحانه: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين"! وتساءل عمر رضي الله عنه قائلا: "أهذه الآية في القرآن؟". وفي لفظ آخر: فكأني لم أسمع بها في كتاب الله تعالى قبل الآن لما نزل"! وريثما نحصل على أدلة من يزعمون أنه صلى الله عليه وسلم يطوف العالم برمته متى شاء وكيف شاء وأين شاء – هذا إن كانت لديهم أدلة - خاصة لمجالسة بعض من أولياء الله الصالحين! كانوا في دورهم أو كانوا في المساجد، أو كانوا خارجها. كانوا فرادى أو كانوا يديرون كشيوخ حلقات للذكر الجماعي داخل التكايا أو الزوايا، فإننا نتساءل عما إذا كان الدين قد اكتمل بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟ أم إنه لم يكتمل بعد؟ بحيث يكون على نبينا أن يواصل بعد وفاته تبليغ ما لم يتمكن من تبليغه وهو على قيد الحياة؟ فكيف نواجه بعد هذه الاستفهامات، من يفهم من ثقافتهم الصوفية أن الدين لم يكتمل بعد؟ والحال أنه تعالى يقول: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"! كيف نواجه ما علينا مواجهته ورسولنا يقول في حجة الوداع: "اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد"، مما يفيد بأنه قام بأداء رسالته كاملة غير منقوصة، فلا مزيد لمستزيد؟ فضلا عن كونه أورثنا وصايا ذهبية غالية من ضمنها قوله: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه"، وجاء في حديث آخر له: "من رغب عن سنتي فليس مني". يقصد من رفضها أو تخلى عنها أو ترك العمل بها فإني بريء منه. فالدين إذن قد اكتمل، ورسول الله قد بلغ ما أمر بتبليغه. ثم إنه أوصانا أن نتمسك بعد وفاته بكتاب الله وبسنته. وحذرنا من أي خروج عنهما، لأن الخروج عنهما في المعتقدات والعبادات والمعاملات يؤدي إلى الضلال المبين، لكن التمسك بهما يجعلنا باستمرار على صراط الله المستقيم. ولنترك الكلام هنا لمن يزعمون – صراحة أو ضمنا – بأن الدين لم يكتمل بعد! وأن الرسول لم يبلغ الأمة كل ما ينفعها في دينها، وأنه بعد وفاته سوف يستمر في التبليغ إلى يوم القيامة! لنترك لهم الكلام كي يعبروا عن قناعتهم هذه بأنفسهم، وذلك حتى لا يهاجمنا من تشبعوا بمثل ما به تشبعوا: 1- حزب البر لأبي الحسن الشاذلي، وهو الشهير بالحزب الكبير الذي قال في حقه: "من قرأ حزبنا فله ما لنا وعليه ما علينا"! وقال: "ما كتبت منه حرفا إلا بإذن من الله ورسوله"؟ و"يقال له الورد الكامل" (يراجع كتاب: النفحة العلية في أوراد الشاذلية). ولنا بخصوص هذا الحزب تعليق موجز هو عبارة عن تساؤل مشروع، في انتظار الإجابة عنه من الطرق الصوفية حاليا عبر العالم العربي والإسلامي، ومنه مغربنا المعاصر: كيف حصل الشاذلي على إذن من الله ورسوله كي يضع حزبه الذي هو ورد الصباح، والذي لا ينبغي أن يتكلم المتعبد به حال تلاوته؟ 2- يقول صاحب "المفاخر العلية في المآثر الشاذلية" عن مسمى "حزب البحر": "وأما سبب وضعه، فإن الشيخ سافر في بحر القلزم مع نصراني بقصد الحج، فتوقف عليهم الريح أياما،. فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في مبشرة، فلقنه إياه (الحزب هنا منسوب إلى رسول الله!!!) وأمر النصراني بالسفر. فقال له: وأين الريح؟ فأجابه الشاذلي: افعل فإنه الآن يأتيك. فكان الأمر كما قال، وأسلم النصراني بعد ذلك"!!! ولا نجد ما نعلق به على حزب البحر الذي هو من إملاء الرسول على الشاذلي كما يدعي، غير الاستغراب من قدرة الرجل على الحفظ! إذ احتفظ بما أملاه عليه الرسول ليمليه هو على أتباعه! 3- أحيل القراء مرة أخرى على مقدمة كتاب "فصوص الحكم" لابن عربي الحاتمي، حيث زعم أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في مبشرة، فكان أن مكنه من ذات الكتاب، وأمره أن يخرج به إلى الناس كي ينتفعوا به! والكتاب موجود حيث يمكن لأي قارئ اقتناؤه، ومتى اقتناه، فعليه مطالعته ليقف على ظلاميات غاية في الخطورة! لا العقل يقبلها، ولا الدين يرحب بها! يكفي أن يقر فيه الرجل بأن الولي أفضل من النبي؟ وما أقره لم ينسبه إلى نفسه، وإنما هو من مضامين الكتاب الذي قدمه إليه رسول الله، وأمره أن ينشره في المسلمين! إنه إذن قوله صلى الله عليه وسلم! نعني أن الولي أفضل من أي نبي كان!!! 4- وكادعاء بأن الرسول لا يزال يمد أمته بما ينفعها دنيا وآخرة. قال علي حرازم في "جواهر المعاني" لأحمد التجاني: "وسألته رضي الله عنه: هل خبر سيد الوجود صلى الله عليه وسلم (= حديثه أو سنته) بعد وفاته كحياته سواء؟ فأجاب رضي الله عنه بما نصه: "الأمر العام الذي كان يأتيه عاما للأمة طوي بساط ذلك بموته صلى الله عليه وسلم! وبقي الأمر الخاص الذي يلقنه للخاص، فإن ذلك في حياته وبعد مماته دائما لا ينقطع". (انظر جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التجاني) 2/51. طبعة ثانية عام 1973م. فنخلص من هذا الضلال إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مسؤول عن أداء رسالة عامة في حياته. ومسؤول عن أداء رسائل خاصة إلى الخواص بعد وفاته!!! فإن كان المؤمنون يضعون في اعتبارهم أن الدين قد اكتمل، وأن رسول الله قد بلغ، وأنه التحق بالرفيق الأعلى، فإن المخبولين من أهل الزيغ والضلال يقولون: إن أداءه لرسالته مستمر، يؤديها للخواص! ولكن هؤلاء الخواص، جعلوا منها رسائل عامة بحكم ما يتلقاه عنهم مريدوهم من أذكار ومن أوراد، ومن قناعات وهمية خرافية! هذه التي تحمل توقيعه صلى الله عليه وسلم بهتانا وكذبا وزورا؟ ففي اليقظة قابل التجاني – كما يدعي – رسول الله وقال له: "لا منة لمخلوق عليك من أشياخ الطريق، فأنا واسطتك وممدك على التحقيق، فاترك عنك جميع ما أخذت من جميع الطريق"! مما يعني أن رسول الله لا يعارض وجود طرق مختلفة للتعبد، متناقضة تمام التناقض مع ما ورد في الكتاب والسنة بخصوص المحدثات أو البدع! فيصح كذب التجاني عليه! فضلا عن كونه يدعي أن الرسول شيخه الوحيد! فلزم – كما قال له في اليقظة – أن يتخلى عن كل ما أخذه عن بقية الشيوخ قبله في المغرب والجزائر وتونس ومصر والديار المقدسة!!! وإن اطلع القراء على آخر كتاب لي بعنوان: "الدروس الرمضانية الرسمية. ما الدعاء الغريب الذي تختم به" فإنهم سوف يقفون على مصدر هذا الدعاء بأدلة قاطعة. إنها مسمى "صلاة الفاتح لما أغلق" أو "الياقوتة الفريدة". ولم يخجل التجاني من الادعاء بأنه صلى الله عليه وسلم أخبره في اليقظة بأنها نزلت على محمد البكري المصري في صحيفة من نور! وأنها ليست من كلام بشر! وأن من قرأها مرة واحدة، ينال ثواب من ختم القرآن ستة آلاف مرة! (راجعوا جواهر المعاني لتقفوا على أفظع ما نسبه صاحبه إلى رسولنا من ظلاميات لو قدر له أن يعود إلى الحياة لكفر صاحبها كما كفره علماء كثر في المشرق والمغرب)! وهذا الهراء الصادر عن التجاني، يشكل غاية الافتراء على الله وعلى الرسول وعلى المؤمنين! فقد وقفت – كما قلت في جملة من المصادر على العناصر التي تتألف منها "صلاة الفاتح لما أغلق" وتوصلت إلى أن محمد البكري المصري لم يقم سوى بجمعها من مصادرها، بحيث يصح القول: إن التجاني كذاب! ومن كذب على الرسول – كما ورد في حديث له -: "فليتبوأ مقعده من النار"! وزاد الطين بلة، ادعاء التجاني بأنه قطب الأقطاب! وخاتم الأولياء! وهو ما ادعاه الكثيرون قبله، كابن عربي الحاتمي الذي يشترك معه في القول بوحدة الوجود! نعني أن الله هو العالم وأن العالم هو الله عز وجل!!! ففي "جواهر المعاني" قول التجاني متحدثا عن كون الأديان واحدة: "فمنهم (أي من المتدينين) المتوجه إلى صورة الحضرة الإلهية نصا جليا في محور الغير والغيرية (حيث يتميز الخالق عن المخلوق)، ومنهم المتوجه إلى الحضرة العلية من وراء ستر كثيف، وهم عبدة الأوثان ومن ضاهاهم، فإنهم في توجههم إلى عبادة الأوثان، ما توجهوا لغير الحق سبحانه وتعالى ولا عبدوا غيره"! (فعبدة الأوثان والدواب والكواكب كلهم يعبدون الله في نظر التجاني وفي نظر من قالوا قبله بوحدة الوجود التي تعني كذلك: وحدة الأديان). وهذا ما حدا بنا إلى نشر موضوع في نفس هذه الجريدة المحترمة منذ أيام تحت عنوان "تلك إساءتهم إلى نبينا. فماذا عن إساءاتنا إليه نحن؟"! ونرى أن نختم بملاحظة واحدة حتى ينتبه من هم في السهو والغفلة سادرون. وملاحظتنا هي أن كل ما يرويه المتصوفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، إن في المنام – كالمسبعات العشر – وإن في اليقظة – كروايات التجاني وابن عربي وغيرهما عنه – هو بالتحديد سنن من سننه. لأن السنة عند العلماء وعند طلاب العلم المبتدئين، هي أقواله وأفعاله وتقريراته. لكنه صلى الله عليه وسلم لم يقل قط بأنه سوف يواصل تقديم سننه، لا للعامة ولا للخاصة بعد وفاته، وإنما أوصى باتباع سننه تلك، وحذر بالتالي من الخروج عنها إلى الابتداع أو الإحداث في الدين! مما يعني أن ما يرويه المتصوفة عنه بعد موته مجرد كلام من إنشائهم لا أقل ولا أكثر! بحيث يكون من سوء أدبهم معه نسبة ما قالوه أو فعلوه إليه! والله عز وجل يقول: "يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيء ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون"! سواء في حياته أو بعد مماته!!!