القيم الشمولية هي مجموع الانتاجات السياسية و الاجتماعية المميزة للمجتمع الشمولي، أما المجتمع الشمولي فهو المجتمع الذي يتناسخ فيه الأفراد لدرجة يصبح كل فرد نسخة طبق الأصل لباقي الأفراد.ارتبطت ظاهرة المجتمعات الشمولية في العصر الحديث مع ظهور ثلاثة أنواع من الدكتاتوريات: الدكتاتوريات الشعبية ( النازية الألمانية والفاشية الإيطالية)، دكتاتوريات الحزب الواحد (الإتحاد السوفيتي سابقا والدول المشابهة له ) و الدكتاتوريات الشعبية الدينية (إيران، السودان ونظام الطالبان). الشيء الذي مهد لظهور هده الأنظمة ومعها النظم الاجتماعية التي ترتكز عليها هو انتشار نوع من التفكير خلاصته أن أفراد المجتمع بدون استثناء يجب عليهم أن يتطابقوا مع قاعدة عامة وهاته القاعدة العامة هي التي يجب أن تشكل سلوكهم وتنمطه. الذي مهد لظهور المجتمعات الشمولية ليست هي الأنظمة السياسية الشمولية بل القيم الشمولية، لأن الأنظمة الشمولية هي نتيجة للقيم الشمولية وليست سببا لها، في جميع الحالات التي تتحقق فيها الحياة الشمولية داخل المجتمعات يترتب عنها ظهور الأنظمة السياسية الشمولية، لهذه الأسباب يجب تحديد بعض مظاهر القيم الشمولية حتى يتم تفاديها، هكذا يمكن اعتبار ارتفاع مؤشر التنميط بين أفراد المجتمع من جهة وارتفاع الاحتجاجات الجماهيرية من جهة ثانية من بين القواعد العامة التي تمهد لظهور وترسيخ القيم الشمولية. قد تأتي الاحتجاجات الجماهيرية كنتيجة منطقية لارتفاع أشكال الظلم والقهر وغلاء الأسعار ولكن هاته الاحتجاجات قد تأتي كذلك، من حيث لا تدري، بنظام سياسي شمولي ومجتمع شمولي يصعب التخلص منه ونتائجه دائما تكون أكثر كارثية. من بين المظاهر الممهدة للنظام الشمولي نجد تدني مستوى وعي السياسيين والمناضلين، كما نجد استعمال الحقد الأعمى الغير محدد الغايات والأهداف وتوظيف الإشاعات الدنيئة كوسيلة لتعبئة الحشود الغير مميزة وكأداة لمكالبة المجتمع ضد الديمقراطيين الحقيقيين والشرفاء العزل. لقد أثبتت حقائق التاريخ أنه لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين. من بين العلامات المميزة كذلك لقرب ظهور نظام سياسي شمولي هي ظهور الإعلام الشمولي ذي الطابع المركزي القوي والاعتقاد في فكرة المجتمع الضمني ونظرية التواصل الجماهيري الشمولي. مصطلح الجماهير في الأدبيات النضالية يتمتع بدلالة خاصة والكل يستعمله كسلاح من أجل الدعاية ومن أجل استنهاض الجماهير إلا أن هذا السلاح قد ينقلب على مستعمله ويصبح سلاحا قويا بين أيدي أشخاص غير ديموقراطيين، لهذا ولهذه الأسباب يجب التعامل مع مصطلح الجماهير كسلاح ذو حدين، ككتلة قوية، هو سلاح سياسي يتم استثماره في الاستحقاقات الانتخابية ولكن كأفراد مميزون يختلفون في كل شيء: اللغة، المعاناة والتاريخ الشخصي، و المستوى المادي الخ... هؤلاء الأفراد المميزون يتم استغلالهم من أجل خدمة تمثلات ليس إلا وقد تكون هذه التمثلات مصالح الآخرين وأغراضهم...إن أنجع الحلول للخروج من مرحلة تاريخية تتميز بالصعوبة واللبس هو تبني منطق التنمية المستدامة، لأن هذا المنطق يخضع للقياس والتقويم، كلما أتضح أن أحوال المجتمع بكل شرائحه تعرف نوعا من النمو وفق مؤشرات إحصائية واضحة كلما تم الاستمرار على نفس المنهج وكلما ثبت العكس كلما تم تغيير السياسة المتبعة. "" بالإضافة إلى الخمس عناصر التي تم ذكرها سالفا ضمن القيم الشمولية الممهدة للنظام السياسي الشمولي، يمكن كذلك ذكر احد أهم القيم الشمولية وهي هيمنة الدين السياسي على الدين المدني ان أي متتبع للحقل السياسي الإعلامي سيلاحظ بكل تأكيد هيمنة الدين السياسي على الدين المدني و الدليل على ذلك هو رغبة ممثلي الدين السياسي تنميط كل المواطنين المغاربة على نمط واحد و هذا النمط هو النمط المهيأ على مقاس الأقانيم الايديولوجية التي يعتبرها ممثلوا الدين السياسي عقيدة. ممثلوا الدين السياسي أكثر قوة و أكثر إمكانيات من ممثلي الدين المدني. ممثلي الدين السياسي وراءهم بعض جهات الدولة و هم مخترقين من طرف أجهزة بعض الدول الأجنبية مثل المملكة العربية السعودية و المملكة الإسلامية الإيرانية و دول أخرى تسعى جاهدة إلى إضعاف المملكة المغربية عبر عدم تمكينها من مواكبة الركب الحضاري على المستوى العلمي، التقني و الإنساني, أما ممثلي الدين المدني فوراءهم التاريخ ووراءهم الانتاجات الفكرية التراثية المتوارثة. الدين المدني أقل عنفا و انفعالا من الدين السياسي. الدين السياسي يسعى إلى السيطرة و التحكم في منابع الرزق أما الدين المدني فانه مسالة شخصية وحضارية يسعى إلى تطهير المجتمع و خلق توازن روحي داخلي للأفراد و الجماعات. الدين السياسي أكثر تنفيرا لغير المتدينيين و لممثلي الأديان الأخرى. الدين السياسي يتحكم فيه محاربون و يستعملونه كرأس حربة في المواجهات. هيمنة الدين السياسي على الدين المدني، جعلت الحقل السياسي و الإعلامي الوطني الحالي تحت هيمنة تيارات إعلامية و سياسية تمتح من الدين السياسي تارة ومن الدين المدني تارة أخرى، أما التيارات التي تمتح من قيم العلوم الإنسانية و قيم الحضارات الإنسانية المتعددة و المتنوعة فان تمثيليتها أصبحت ضئيلة بداخل المجتمع إن لم نقل هامشية و غير مؤثرة. التيارات السياسية و الفكرية المدنية المتعددة رغم أنها متدينة بالدين الإسلامي المدني الحنيف الذي ساهم في بناء الحضارة الإنسانية الحالية، فإنها محاصرة لتكالب عدة ظروف دولية عليها، من بين هذه الظروف، ظروف الحرب الإسرائيلية الفلسطينية التي لا تنتهي، الحرب الدولية على عراق صدام حسين و الحروب اليومية التي تخوضها الدول الأوروبية ضد المهاجرين الفقراء المعدمين...ناهيك عن بعض الخطاطات الجيوستراتيجية التي تسعى إلى فصل بعض الدول عن أقاليمها المحررة من الاستعمار الأوروبي... بدون اسهاب في جرد العوامل الدولية التي ساهمت في هيمنة الدين السياسي على الدين المدني يمكن القول،حاليا بأن أربع تيارات من الدين السياسي تتصارع في ما بينها بداخل المنابر الإعلامية سواء المكتوبة المسموعة أو المرئية. هذه التيارات هي: 1. التيار السني المدعم من طرف الدولة 2. التيار الوهابي المستند إلى بعض الأطراف المزدوجة العمالة 3. التيار الشيعي المستند إلى اجتهادات بعض المثقفين و إلى تدخلات قوى خارجية 4. التيار الصوفي الشعبي الممتد في التاريخ و المسند حاليا من طرف وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية التيارات الثلاث الأوائل هي تيارات سياسية أما التيار الرابع فهو تيار ديني مدني تمتزج فيه المعتقدات بالتمثلات الفكرية و الفلسفية. التيار الرابع رغم انه تيار ديني مدني فأمام حالة الحرب الغير متكافئة التي خاضها ممثلو التيارات الدينية السياسية الشرسة، فقد تم احتضانه سياسيا حتى يضمن الاستمرارية، لان، التيارات الدينية الثلاثة الأوائل أصبحا عبارة على عقائد لممارسة شؤون الدولة الدينية... صعود نجم التيارات الدينية السياسية الثلاث عمل على خنق التيار الصوفي الشعبي مما دفع بالدولة إلى حمايته خصوصا و انه تيار ديني شعبي وطني خالص لعب أدوارا سياسية أثناء حالات الاحتلال الأجنبي للتراب الوطني. التيارات السياسية الثلاث المهيمنة على المجال السياسي و الإعلامي هي مجالات غير مدعمة للديمقراطية لأنها حبيسة المطالب السياسية، المطالب التي لازالت لم تقبل بعد طبيعة الدولة القائمة. هذه التيارات مثلها مثل التيارات اليسارية لحقبة الستينات و السبعينات من القرن الماضي. كما يلاحظ ذلك القارئ قد أقحمت حتى التيار السني الرسمي المسند من طرف الدولة ضمن التيار السياسي الديني المعرقل للديمقراطية لان هذا التيار سيطرت عليه بعض المجموعات الانتفاعية الريعية التي توظفه سياسيا و إعلاميا لصالحها. التيارات الدينية السياسية، عكس التيار الديني المدني، لا تساعد على الانفتاح الحضاري و لا تساهم في التنمية الاقتصادية لأنها، كما قلت سالفا، حبيسة المطالب السياسية و ليست لديها القدرة على خلق توازن روحي داخلي للأفراد و للجماعات المختلفة المكونة للشعب المغربي، بل أكثر من ذلك هي مصدر لخلق حالات الخوف و الريبة لدى معتنقيها لأنها توهمهم دائما بأنهم بصدد مواجهة عدو كافر يتجلى في مؤسسات الدولة و تخلق حالة الخوف الدائمة كذلك لدى الجماعات الدينية و الفكرية الأخرى المختلفة التي تجد نفسها رهينة النموذج المجتمعي الواحد المفروض عليها من طرف هذه الجماعات الدينية السياسية و الجماعات الدينية الريعية. هذه التيارات تربك عملية التنمية الاقتصادية لأنها تحول دون انتشار العلوم المدنية من علوم إنسانية و علوم اقتصادية و إعلامية و غيرها. هيمنة تيار الدين السياسي جاءت جراء حالة الفراغ التي ظهرت أثناء مرحلة الانتقال التي لا زالت الدولة و المجتمع المغربي يعيش مخاضها. هذه التيارات رغم أنها معيقة للديمقراطية إلا أنها تعتبر كذلك تحد مهم بالنسبة للدولة المغربية لأنها وضعتها أمام امتحان عسير حيث وضعتها أمام خيارين إما التفريط في الأمن الروحي للمغاربة و ركوب مخاطر التغريب الكلي للمجتمع أو مواجهة الجماعات الممثلة للدين السياسي الطامع في السلطة من اجل الحفاظ على الدين الإسلامي كموحد وضامن لأمن المغاربة جميعا. تيارات عدة بداخل الحقل الإعلامي و السياسي لعبت دور المهدئmodérateur. فبداخل الحقل الإعلامي يمكن ذكر تجربة وخبرة جريدة المساء اليومية التي حاولت و تحاول استلهام تجربة اسبانية بعينها. لمن يريد التعمق في معرفة التجربة الاسبانية المستلهمة ، ما عليه إلا الإطلاع على التجربة الاسبانية للمسيحيين اللائكيين المنضوون في جمعية "القدرة الإلهية" OPUS DEI التي هي تيار ديني سياسي أجمع المحللون على انه ساهم في دعم الديمقراطية باسبانيا. الإعلام المعكوس يدعي محاربة حالات نفسية واجتماعية لكن ليس من أجل محاربتها و لكن من أجل تطبيعها و جعل المجتمع يقبلها ضدا عنه ، لا تنسوا بان الفيلسوف الألماني نيتشه عرف الإنسان قائلا "هو ذلك الكائن الذي تحمر وجنتيه" و معظم المغاربة لازالت وجنتاهم تحمر من جراء إثارة تلك الحالات النفسية و الاجتماعية.