ظلت المنح التي يستفيد منها الوزراء السابقون، المتعاقبون على السلك الحكومي المغربي، في مناطق الظل شوطا من الزمن، كونها ليست مدرجة ضمن القوانين المنظمة للوظائف والمناصب العمومية بالمملكة، إنما تمت عن طريق العطف الملكي الذي خص به الملك الراحل الحسن الثاني هذه الفئة من خدام الأعتاب الشريفة، إلا أن الأسئلة ظلت تحوم حول هذه المنحة المخصومة من المال العام، وكبرت دائرة السؤال مع توالي الأيام وكثر الجدل حولها، لدرجة اعتبرها البعض ثمنا لإخراس الألسنة داخل أفواهها ...، فيما أرجعها البعض الآخر إلى السياسة المتبعة من طرف النظام السياسي القائم في إدماج النخب بشكل مستمر في دائرة حكمه ...، وأنها في العمق شكل من أشكال استنزاف أموال الشعب بطرق غير مقبولة ولا معقولة ...، في حين تدفع أصوات من بين الوزراء السابقين أنفسهم بالدعوة إلى تقنين طرق الاستفادة من هذه المنحة عن طريق المؤسسة التشريعية على اعتبار أن ما قاموا به من مهام وزارية يدخل في إطار تقديمهم خدمة للمجتمع، وان من حقها على هذا الأخير الاعتراف بهذه الخدمة عن طريق صرفه منحة لفائدتها. كثيرة هي علامات الاستفهام المرفوعة أمام الرأي العام الوطني المغربي، بخصوص استمرار استفادة الوزراء السابقين من شهريات مالية تخصم من مال الشعب، وغالبا ما تتضارب الآراء بين عدم أو أحقية هؤلاء المنتمين للسلك الحكومي المتعاقب على المغرب على امتداد مساحة استقلاله، في الاحتفاظ بالرواتب التي كانوا يتقاضونها عن المهام التي كانوا يقدمونها داخل الأجهزة الحكومية السابقة. هناك فعاليات من الطبقة السياسية الوطنية ترى أن من حق هؤلاء الوزراء الاستفادة باستمرار صرف رواتبهم بعد إنهاء مهامهم الوزارية على اعتبار أنهم قدموا خدمات للمجتمع من خلال مشاركتهم لفترة معينة في تدبير الشأن العام الوطني من خلال تواجدهم داخل المجلس الحكومي ومجلس الوزراء، شأنهم في ذلك شأن البرلمانيين المغاربة الذين يتقاضون معاشات عن خدماتهم داخل المجلس التشريعي، بعد انتهاء مدة انتدابهم ومغادرتهم قبة البرلمان، خاصة وان المهام الحكومية تبقى صعبة قياسا مع نظيراتها داخل مجلس الشعب، بحكم حجم المسؤولية وتبعات المهام الوزارية وجسامتها إلا أن فريقا آخر من نفس الطبقة السياسية بالبلاد، يرى في استمرار استفادة الوزراء السابقين شكلا من أشكال الاستفادة غير المشروعة كونهم يتقاضون أرقاما مالية تصل إلى 40 ألف درهم شهريا عن مهام لا يقومون بها، بمعنى أنهم يأخذون رواتب شهرية عن خدمات قاموا بها منذ سنوات خلت، خاصة وأن هذه المنحة غير مبررة قانونيا، وتصرف في الظل وخارج الحسابات التي تعرضها الميزانية العامة للدولة أمام مجلس الشعب، أي أنها لا تصرف بشكل واضح وشفاف يجعل منها امتيازات مقرونا بتبرير علني، الشيء الذي جعل منها حصة مالية تصرف من المال العام في ظروف تلفها الضبابية والغموض ويطبعها الكتمان والسرية، خلافا لمعاشات البرلمانيين التي وإن كان فيها نظر حسب رأي الفعاليات السياسية نفسها، إلا أنها مشرعنة من قبل المجلس التشريعي رغم الانتقادات التي صاحبت عمليات تمريرها من طرف نواب الأمة، كما أن المنحة المخصصة للوزراء السابقين إضافة إلى عدم قانونيتها، فهي ليست مرتبة في أي صندوق من الصناديق الحكومية، فقط تصرف تطبيقا للأمر الملكي الصادر في مطلع التسعينيات من طرف الملك الراحل الحسن الثاني، وأصبحت بموجب هذا الأمر تقليدا شهريا تستخلص بموجبه عشرات الوزراء حصصا مالية متفاوتة من خزائن وزارة المالية، في حين ذهبت فئة أخرى في تحليلها لنفس الاستفادة المتعلقة بمنح الوزراء السابقين، إلى كون النظام السياسي القائم بالبلاد يغازل خدامه من النخب التي توالت على تدبير شؤون البلاد، عن طريق امتيازات يبررها على طريقته دونما الحاجة إلى إعطاء التفاصيل لمؤسسات الأمة، ولنواب الشعب أنفسهم، الشيء الذي يجعل هذه النفقات المخصومة من أموال الشعب في نظر تلك الفئات مجالا لتقوية رصيد الولاءات لفائدة النظام السياسي، ونفخ أرقام الجهات الموالية له، من ذلك تجده أي النظام يحافظ على مستوى عيش تلك النخبة طالما أنها تحافظ على ألسنتها داخل أفواهها، وتمسك عن الانتقاد خاصة وأنها مارست تدبير الشأن العام من الداخل، الشيء الذي يؤهلها لمعرفة بعض الأسرار التي من شأنها خلق الشوشرة والتشويش على نظام السير العادي بالبلاد، هذا المنحى يمكن الأخذ به واعتباره الأقرب إلى الصواب، طالما أن مبرر استمرار استخلاص هؤلاء الوزراء لحصص مالية بعد إعفائهم من مهامهم، لا يملك أي سند مقبول، ويبقى بعيدا إلى حد كبير عن منطق المعقول، لأن الراتب أو المنحة تسلم بناء على مهام سارية المفعول، وليس على مهام انتهت منذ سنوات، الشيء الذي يجعل من هذه الاستفادة لغزا كبيرا، يصعب فك طلاسمه وتشفير رموزه، لما يلفها من تعقيد وضبابية، وما تعتريها من أبعاد سياسية ترتبط بتوسيع دائرة الأعيان والمريدين حول النظام السياسي. إضافة إلى أن المستويات المالية التي تعرفها الميزانيات المغربية، أصبحت مقرونة بالتقشف في ظل التراجع الاقتصادي الذي عرفته البلاد في العقد الأخير، مما يجعلها في حاجة ماسة إلى ترشيد وعقلنة وتدبير مركز، ويبعث على التدقيق في كل النفقات التي تشكل عبئا عليها، وفي مقدمتها هذه الأقساط المالية الضخمة التي تحصدها فئات الوزراء السابقين، دون وجه حق وبدون أي خدمة في المقابل، مما يجعلها مصاريف غير مبررة تثقل كاهل الميزانية العامة للدولة، وترفع الكثير من الاستفهامات حول حقيقة وجودها في كنانيش وزارة المالية. كما ارتفعت من قلب المجتمع المدني المغربي مجموعة من الأصوات المدنية تدعوا إلى حماية المال العام الوطني من مظاهر العطاءات والهبات التي تمنح لفئة من المغاربة بغير وجه حق، أو تلك التي يمكن اعتبارها مجرد امتيازات شكلت على اختلاف أشكالها وأرقامها عبئا ماليا على الميزانية العامة، وظلت على امتداد وجودها تنخر جسم المالية المغربية وتستنزف قدراتها، مما يستوجب معها حسب تقدير تلك الفعاليات فتح الملفات القديمة المتعلقة بالاستفادة غير المشروعة، على اعتبار أن استنزاف المال العام لا يختلف في شيء عن الاغتيالات والتصفيات وأشكال التعذيب التي عاشتها زنازين مخافر البوليس أيام سنوات الجمر وأثناء ما سمي بزمن الرصاص بالمغرب، وأن هيئة وطنية يجب أن تحدث خصيصا للتحقيق في ملفات الامتيازات والهبات والمنح التي ظلت تغدق على أصحابها ثروات بغير حساب، راكموا بواسطتها أرصدة ضخمة فاحت روائحها في الأبناك الدولية، في حين تعرف البلاد أزمات مالية خانقة، دفعت بالحكومة المغربية إلى بيع الكثير من القطاعات العمومية، تحت يافطة الخوصصة أو تفويت تدبير القطاعات، واستفادة الوزراء السابقين تدخل ضمن هذه الخانة، كونها مجرد منحة تقدم دون مبرر قانوني أو شرعي يحدد ملامحها وأوجه وجودها، إضافة إلى أن مستويات عيش هؤلاء الوزراء قبل استو زارهم كانت لا بأس بها، لأن النظام السياسي أثناء تعيينهم وزراء لم يكونوا عاطلين عن العمل أولا يعيشون على دخل شهري محترم يضمن لهم ماء الوجه، بمعنى أنهم لم يفقدوا عملهم أو دخلهم بسبب مهامهم داخل دواليب السلك الحكومي المغربي، مما يلزم هذا الأخير بصرف تعويضات لهم عن الضرر الذي لحقهم جراء تواجدهم بين ظهرانيه، على العكس من ذلك فالأطر المغربية مطالبة بخدمة وطنها داخل دائرة اختصاصها ودونما مطالبتها بإكراميات أو منح أو هدايا وما شابه من ميزانية الدولة التي هي في الأصل أموال عمومية. في حين ترى فئة من هؤلاء الوزراء السابقين أن استفادتها من المنح المقدمة لها من ميزانية الدولة، تدخل في باب الرعاية المولوية السامية التي خصهم بها الراحل الحسن الثاني، وأنه من الضروري في ظل العهد الجديد أن تتم شرعنة هذه المنحة بموجب مقرر من مجلس النواب، خاصة وأن هذه الفئة من المغاربة قدمت خدمات وطنية على مستوى الحكومة من ذلك فهي تستحق أن تصرف لها هذه المنحة لأن الغاية تبرر الوسيلة، إذ لا يعقل في نظرها أن تتنكر الدولة لأناس قدموا خدمات جليلة لوطنهم دون أن تنتبه لأوضاعهم وأن تساهم إلى جانبهم في الحفاظ على مستويات عيش كريم نظير ما قدموه من خدمات. تباين الآراء داخل الأوساط السياسية المغربية وفعاليات مجتمعها المدني، يشير إلى أن المستوى الديمقراطي الذي تعيش عليه البلاد، لا يؤهل أطرها للإيمان بأن الخدمة الوطنية والدفاع عن المصالح العليا للبلاد أمر ضروري يغذيه الحس الوطني وارتفاع درجته في النفوس المغربية، وأن المهام الوطنية الكبرى لا تحتاج إلى صرف تعويض أو منحة أو هدية أو ما شابه لأنها واجب وطني قد يموت لأجله الوطني دون أن تراوده فكرة التعويضات أو المقابل.