الضجة الكبيرة التي أثارها الشاب المراكشي "مول الحوت"، فتحت المجال، لتوجيه البوصلة كاملة نحو الأثمنة غير المسبوقة ما لم نقل الخيالية، التي باتت تسجلها أسعار السمك في السوق الوطني، في بلد حباه الله بسواحل بحرية متوسطية وأطلسية ممتدة، غنية بالخيرات والثروات ما ظهر منها وما بطن؛ عفوية وشعبية "مول الحوت"، تفرض فتح نقاش حقيقي، حول ما يجري في قطاع الصيد البحري، الذي بات وجهة آمنة للمضاربين والمحتكرين والوسطاء والمتلاعبين، الذين يفرضون أسلوب لعبهم، في قطاع حيوي واستراتيجي، يفترض أن ترتفع فيه درجات المراقبة والضبط والردع؛ في بلد ممتد السواحل كالمغرب، يفترض أن يكون السمك بكل أشكاله، في متناول عموم المغاربة، بأسعار منطقية ومقبولة، كما يفترض أن يكون "الحوت" أو "السمك" الملاذ الآمن للمغاربة، في سياق اجتماعي واقتصادي شاق، موسوم بارتفاع الأسعار والغلاء الكاسح، الذي بات لا يطاق، لكن الواقع مختلف تماما، بل ويوحي، أن المغرب هو دولة "حبيسة"، تستورد كل حاجياتها السمكية من الخارح؛ "مول الحوت" عكس ويعكس ما بات يهدد السلم الاجتماعي، من ممارسات "الجشع" و"الاحتكار" و"الأنانية" و"المضاربة"...، التي باتت تجتاح قطاعات كثيرة، في ظل تهاون أو تقاعس أو تقصير أو عدم انتباه سلطات الرقابة والضبط والزجر، والنتيجة المأسوف عليها "مواطنون" مقهورون لا حول لهم ولا قوة، وأسعار مرعبة، تهدد شرائح واسعة من المغاربة بسوء التغذية ما لم نقل الجوع، في ظل صعوبات الوصول إلى عدد من المواد الاستهلاكية الأساسية، التي شكلت على الدوام، أس وأساس المائدة المغربية، من بطاطس وطماطم وبيض وحوت ودجاج وزيت وسكر وشاي والقائمة طويلة؛ "القفة" باتت شبحا مخيفا لشرائح واسعة من المغاربة خاصة من ذوي الدخل المحدود، في ظل الأثمنة الصاروخية التي باتت عليها مواد استهلاكية أساسية كالدجاج الأبيض واللحوم الحمراء والأسماك والخضر، و"الدرويش" و"المسكين"، رفع الراية البيضاء، ولم يعد أمامه من حل أو مخرج، سوى رفع يافطة "الشكوى الله"، في انتظار أن تعود "حليمة" الأسعار إلى حالتها القديمة؛ واقعة "مول الحوت" تتجاوز حدود الحادث العرضي، وتتخطى عتبات الإثارة أو الضجة العابرة، هي رسالة مفتوحة أمام الحكومة بكل أجهزتها المركزية والجهوية والمحلية، تفرض وضع خطط عمل جريئة، تروم محاربة الفساد بكل تمظهراته وتعبيراته، من احتكار ومضاربة وجشع وأنانية، والتصدي الحازم لكل تصرف أو سلوك أناني وغير مسؤول، مهدد للأمن والسلم الاجتماعيين، ومكرس لفقدان الثقة في الدولة والقانون والمؤسسات؛ واقعة "مول الحوت"، هي فرصة بالنسبة للحكومة بكل أجهزتها الرقابية، لتتحمل مسؤولياتها كاملة، في ضبط عقارب الأسواق الوطنية على بعد أيام قليلة من شهر رمضان المبارك، وتطهيرها بشكل لارجعة فيه، من أخطبوط الاحتكار والمضاربة والجشع والأنانية والعبث، وهذا لن يتحقق إلا، بتفعيل آليات الرقابة والزجر والعقاب، وفرض التطبيق الأمثل للقانون، وتدخلات من هذا القبيل، من شأنها تطويق بؤرة وباء الأسعار، وتأمين القوت اليومي للمغاربة بأثمنة مناسبة ومعقولة؛ ونختم بالقول، إذا كان "المال السايب تا يعلم السرقة" كما يقول المثل الشعبي، فإن التهاون أو التقاعس أو التواطؤ من جانب سلطات الرقابة، يشجع "اللوبيات" أو "صحاب الشكارة" في كل القطاعات، على المزيد من المضاربة والاحتكار والجشع والتلاعب والعبث، وعليه، وجب محاصرة كل أناني يجعل من الاحتكار والمضاربة والجشع، وسيلة لقهر المواطنين والإجهاز على قدراتهم الشرائية، بكل ما يحمله ذلك، من تهديد للسلم الاجتماعي، ومن مساس بصورة وسمعة المغرب، المقبل على تنظيم استحقاقات كروية ودولية، تفٍرض من الآن، التصدي لكل الأنانيين ومنعدمي المسؤولية والضمير، الذين لا يهمهم، إلا استغلال الفرص وأنصافها، لمراكمة المزيد من الأرباح، ولا تهمهم البتة، صورة الوطن، ولا وجع المواطن...