السياسة مطبخ كيميائي لا يحق خبايا وصفاته إلا من استوعب و حفظ عن ظهر قلب جدول ميندليف. فقد تخدعك و توحي لك بالجديد في الوقت الذي تستمر فيه الأوضاع على نحوها القديم. "" والغريب في الأمر هي ردود الفعل لدى الشعوب، حيث لا تنتبه لما يجري على ارض واقعها بل تقف كالمسحورة أمام العبارة الرنانة و الوعود الواهية لدجّالين يمتهنون الكلمة و يحترفون الاحتيال. والطريف التراجدي في الأمر هو أنّ بالرغم من حياة هذه الشعوب المستضعفة التي لا تتغير بتغير وجوه الدجل، أي دار لقمان تبقى دائما على حالها، فإنها في كل مرة تصدق بسذاجة، تحسد عليها، فنّ الكلام المرصع بالوعود السريالية و لا تستفيد من تاريخ مخادعتها. هذا ما حصل لشعوب العالم، بما فيها المغرب، مع الرئيس المنتخب الجديد للولايات المتحدةالأمريكية، حيث علقت عليه آمالها و آمنت بعمق أنه سيغير وجه العالم نحو الأفضل و سيملأ الأرض عدالة. و قد أنست هذه الشعوب سذاجتها حقيقة لا مفرّ منها و هي أنّ المناخ السياسي لأمريكا لا يحدده الرئيس و إنما رجال أشداء، قابعون وراء الكواليس محجوبون عن العين المجردة، همّهم الوحيد هي الأرباح الطائلة التي تذرها عليهم سياسة العنف و الترهيب و نار الحروب الموقدة في أماكن نائية بالنسبة لبلادهم. كما أنّ هؤلاء هم أناس متعصبون لاستراتيجيتهم، أي الحصول على أكبر قدر من الأرباح سنويا عبر تجارتهم الدامية، و مخلصين لها و لا يغيرون غير التكيك لتحقيقها. وباراك أوباما ما هو إلا تكتيك جديد لهدفهم القديم. هذا ما دلت عليه سياسته على الحلبة الدولية، حيث لا تزال بلاده تعمل جهدها لنشر نظامها المضاد للصواريخ بأوروبا الشرقية و تدعم ولايتها الثانية و الخمسين بأوروبا الشرقية، و المقصود جمهورية بولاندا، لتكسير الاتحاد الأوروبي من الداخل. كما أنها لم ترفع الحصار عن كوبا و كوريا الشمالية.. ولم تدفع بمخطط السلام في الشرق الأوسط إلى الأمام، اللهم على مستوى الخطب الرنانة، و لم تسحب جيوشها من العراق و أفغنستان و لم توافق، حتى الآن، على تحديد مفهوم الإرهاب في القاموس الدولي. علاوة على أنها عملت على تمديد عقد تواجد قاعدتها العسكرية بقيرغيزيا و تسعى لنشر قواعد أخرى بالأقطار التي لم يحصل لها "شرف" التعامل معها في المجال العسكري. و المغرب أحد المرشحين لهذه "الثقة العظيمة"، و إن كان لظروف سياسية معينة لم يحن الوقت للتباحث في الأمر بشكل علني و رسمي. عودة إلى العندليب الأسمر الأمريكي و وعوده الفارغة المحتوى، فقد بدأ يظهر خداعه، ليس فقط للمجتمع الدولي بل و لشعبه الذي منحه ثقته و ربط تحقيق آماله في مجال الديمقراطية و حرية الإنسان بتقلّده عرش أسلافه بالإمبراطورية، و ذلك من خلال إخلاله بوعده المتعلق بإغلاق السجن غير القانوني بغوانتنامو، و الذي فاح بفضائح التعذيب الشنيعة (إحداها تعلقت برمي الجنود الأمريكان للقرآن الكريم في المرحاض و التبول عليه) و خروقاته لحقوق الإنسان. فصديقنا، الإفريقي الجذور، عوض تنفيذه لبتر و استئصال وصمة عار جبين بلاده، يعمل حاليا جهده لنقل هذا السجن من كوبا إلى جمهورية جورجيا. و هذا يعني أنه صدق من قال أنّ: أوباما هو بوش لكن بوجه أسمر.