هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حي على الفلاح
نشر في هسبريس يوم 03 - 03 - 2010

أيها الناس: إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر
أيها الناس: التسيير للرضا بقضاء الله، التخيير للحاضر والمستقبل
أيها الناس: أفكاركم مسؤولة عن نوعية حياتكم وكيفية تحديد مصيركم
أيها الناس: الثقة المطلقة في الإرادة تولد القدرة، كاليقين في الدعاء طريق الاستجابة
الفكرة منبع التغيير
للحرص على استمرارية الفهم واسترسال الفكرة لدى القراء المتتبعين لمواضيعي حول التنمية البشرية، أخص بالإجابة تساؤلات بعض من التعليقات النافعة التي إن نشرت أتت بتبيان وتوضيح وعمت بنفع على الكاتب والقراء على حد السواء.
وللقراء المتتبعين لي بمداومة والمعلقين بإيجابية وإضافات تشجيعية تثقيفية مني جزيل الشكر والامتنان، ودمنا على تواصل.
أجوبة إلى القراء
ورد في التعليق رقم 50 لصاحبه العربي من الموضوع الآخر "هل نحن مسيرون أم مخيرون" تنبيه لأمر هام ألا وهو أن "من رحمة الله تعالى بنا أنه لا يجازينا على نية القيام بالسيئات إلا بعد تحقيقها عمليا ولو كان المانع هو عدم قدرتنا. في حين يجازينا على النية الحسنة وإن لم يتحقق العمل لسبب من الأسباب."
أشكر صاحب التعليق لأنه أشار إلى أمر في بالغ الأهمية، وإن تغاضيت عن ذكره فلأنه استثناء اجتبى به الله تعالى المسلمين عن غيرهم من عباده وأمة محمد عليه أفضل السلام على غيره من الأمم حيث ضربت مثلا أقواما آخرين وما آل بهم أمرهم من نكران وطغيان لما أدركوا أمر تخييرهم المطلق إرادة وبلغوا القدرة فعلا في فرعون وقومه كما جاء به القرآن، ولهدف التلخيص تجاوزت الاستثناء ولو أنه كان ضروريا للتحديث بنعمة الله علينا.
كما جاء في تعليق آخر رقم 48 تساؤل على هذا النحو: " و للأخت الكاتبة أقول نحن مسيرون في كل شيء فعندما أخيرك بين الجنة و متاعها و جهنم و نيرانها فإنني أجبرك على إتباع طريق الجنة..."
وهذا أمر صحيح ولا ينقص من أمر التخيير شيئا، حيث أن العبد إذا ما اختار طريق الإسلام وآمن بما جاء في القرآن من تبشير وتنذير لم يبق له الخيرة في أمره، بل رضخ لأمر الله تعالى ليتقي عقابه، وجاء هذا في أواخر سورة البقرة: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمومنون، كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير،" فالسمع والطاعة واجبان على كل عبد اختار لنفسه الإسلام طريقا. لكن، بعد الإيمان واليقين بالعقاب منا من لا يستطيع الامتثال والطاعة وهذا لزيغ إرادته وبالتالي سوء اختياراته، وهذا دليل قاطع على وجوب التخيير في حياتنا كدلالة وحقيقة مطلقة.
بالنسبة للقراء الذين أبدوا فهمهم لمعنى آية : "الله يهدي من يشاء" بأنه تعالى يتدخل في تسيير إرادة المسلم فهذا خطأ، حيث شرحت أن الله يقدرنا على تحقيق إراداتنا بأنه يهدي من يشاء أن يهتدي ويزيد الظالمين ضلالا.
إرادتنا المطلقة صفة ألوهية
اجتهاد شخصي
من صفاته تعالى: الوجود، القدم، البقاء، الوحدانية، قيامه بنفسه تعالى (استغناءه عن كل شيء)، مخالفته للحوادث (المخلوقات)، الحياة، القدرة، الإرادة، العلم، السمع، البصر، الكلام، والتكوين حسب بعض العلماء، وهذه صفات وجب على كل فرد مكلف معرفتها لأنها صفات أزلية دائمة في ذات الخالق جل في علاه.
وقد فرق العلماء صفات المولى جل في علاه إلى صفات مشتركة وأخرى ينفرد بها الله تعالى دونا عن سائر المخلوقات ومن بينها الوحدانية والقدم والبقاء، فقد خلق الخالق من كل شيء زوجين فانفرد بصفة الوحدانية، وجعل الفناء قدر كل مخلوق فانفرد بالبقاء، وخلق الكل من عدم فانفرد بالقدم، أما الصفات المشتركة كالقوة والإرادة ... فهي صفات إنما اشترك العبد فيها بالاسم فقط.
فعندما أقول أن الله تعالى أعطانا صفة من صفاته الألوهية المتمثلة في الإرادة، فهذا لا يعني أني أنسب إلى العبد اتصافه بالإرادة كما تتصف بها الذات الألوهية، فصفات الله عز وجل ثابتة بلا كيف أزلية في ذاته الأزلية متصفة بالكمال، فليس كمثله شيء، بينما صفات الخلق محدثة متغيرة قابلة للتطور مؤطرة بشروط، فالإرادة لدى الخلق تشترط الحياة تكتمل عند العاقل البالغ الراشد حتى يبلغ التكليف محله، وتستوجب إرادة الله لتصييرها بالقدرة المنسوبة إلى مشيئة الخالق، أما إرادة المولى فهي صفة قديمة ثابتة أزلية تفعل ب"كن فيكون"، فكما وصف القادر نفسه في كتابه "فعال لما يريد".
ومفهوم امتلاك العبد لصفة من صفات الله أمر ذكر جليا في الكتاب حيث قال تعالى في مواضع مختلفة من السور: "ثم سواه ونفخ فيه من روحه" (السجدة )، "نفخنا فيها من روحنا" (مريم)، "ونفخنا فيه من روحنا" (التحريم)، وذلك عند وصفه تعالى لخلقه لسيدنا آدم وسيدنا عيسى عليهما أفضل السلام، وقد جاءت الروح في القرآن بمعاني متعددة:
فهي الحياة كما جاء في الآية إجابة منه تعالى لعباده على لسان المصطفى عليه السلام "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي،"
و هي روح القدس أو الروح الأمين وهو جبريل عليه السلام "يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا،"
وهي الإيمان "اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"،
وهي القوة "أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه،"
وهي الوحي "ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن انذروا انه لا اله إلا أنا فاتقون،"
وهي الحياة بتكليف كما جاء في خلق آدم "ثم سواه ونفخ فيه من روحه." وهذا يحيلنا دون شك على أن التكليف الذي هو مهمة العقل والعقل كمركز للقدرة على الاختيار هو رمز لصفة الإرادة، وبهذا فإن الله تعالى نفخ في آدم وسيدنا عيسى من روحه أو من صفة من صفاته وهي الإرادة، والروح هي دليل على الحياة بتكليف وقدرة على التفكير أي على الاختيار وليست دليلا على الحياة فقط، فالحيوانات أيضا حية والنباتات كذلك.
وعند قوله عز وجل: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا"، حيث النفس الواحدة في الآية مجمع على أن المقصود بها سيدنا آدم عليه السلام، دليل قاطع على امتلاكنا كبشر أحياء بالغين عاقلين لصفة الإرادة، حيث أننا من آدم وآدم من روح الله.
التسيير للرضا بقضاء الله، التخيير للحاضر والمستقبل
اسمحوا لي أن أستهل فقرتي هته بروعة من روائع الشعر العربي وهي قصيدة للشاعر أبو القاسم الشابي: حيث الإرادة مصدر القدرة، وحيث الكون بطبيعته مسخر لإرادة الإنسان
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
ومن لم يعانقه شوق الحياة
تبخر في جوها واندثر
كذلك قالت لي الكائنات
وحدثني روحها المستتر
ودمدمت الريح بين الفجاج
وفوق الجبال وتحت الشجر:
إذا ما طمحت إلى غاية
ركبت المنى ونسيت الحذر
ومن لا يحب صعود الجبال
يعش ابد الدهر بين الحفر
فعجت بقلبي دماء الشباب
وضجت بصدري رياح أخر
وأطرقت أصغى لقصف الرعود
وعزف الرياح ووقع المطر
وقالت لي الأرض لما سالت:
يا أم هل تكرهين البشر ؟:
أبارك في الناس أهل الطموح
ومن يستلذ ركوب الخطر
وألعن من لا يماشي الزمان
ويقنع بالعيش ، عيش الحجر
هو الكون حي يحب الحياة
ويحتقر الميت مهما كبر
...
كما أسلفت بالذكر في الموضوع السابق، فإن الإرادة التي تجعل من الإنسان أكرم الكائنات، هي صفة ألوهية خصها الله سبحانه وتعالى بعقل الإنسان هبة قدرة لتحقيق أمر الاختيار وتمكيننا من تحمل الأمانة وتخويلنا للحساب حسب نوايانا التي قدر لنا تحقيقها كأعمال، حيث نجسد أعمالنا يوم القيامة، وكما شرحت آنفة أن القدرة على تحقيق الإرادة المطلقة التي تتحقق عند الحي البالغ العاقل الراشد هي من الله يبتلينا بها لتمحيص ما بأنفسنا وتمييز الخبيث من الطيب ليهدي بذلك من يشاء أن يهتدي ويزيد الظالمين تبارا، أو يعجزنا عنها لأمر كان مفعولا، وكما عللت أن الله جل في علاه سخر لنا الشمس والقمر والدواب وأخر مما وجد حولنا من مخلوقات لتسهيل قدراتنا على تحقيق إراداتنا، كما وهبنا السمع والبصر واللسان وحواس القلب والجسد والقوة لمن اجتبى ابتلاء لتيسير أمر تصيير نوايانا، أخصص موضوعي هذا من سلسلة مواضيعي حول التنمية البشرية لشرح وتبيان أمر الإرادة وكيف وجدت ووجبت لتطبيق النظري وتفعيل الأيديولوجي وصياغة الفكرة إلى واقع معاش.
وكمرجع عن أصل الإرادة كنت قد فصلت مسبقا ولادتها من اللاوعي حيث أحلام الشخص وغرائزه المترسبة عن تربية وبيئة وثقافة عصر، عبر وعي الشخص وفكرته عن الكمال المتركبة أيضا من ذوق أسري وإعلام واحتكاك بأذواق الآخر، ثم الإدراك حيث يصوغ الشخص تصوراته المستقبلية وأحلام يقظته، فتنبثق بذلك إرادة صلبة إن لفت في قالب توكل بعزيمة ودعاء بغاية وجبت القدرة بإذن القادر لتحقيقها وتمرين الواقع المعاش وخطه حسب أمنيات كل فرد وتوقعاته.
وبهذا وجب ترك أمر التسيير الذي يرتبط بإرادة الإله جل في علاه في تقدير العبد على تحصيل إراداته من فكرة إلى مادة للخالق وحكمته في تدبير شؤون خلقه، و وجب ترك أمري القضاء والقدر للإيمان والتسليم والرضا عند وقوع الفرح والابتلاء أو القرح والبلاء حتى نسجد شاكرين حامدين مؤمنين أن لا اعتراض فيما فعل الله بعباده فكل أمر المسلم خير، وسلمنا أن ما أراده الله كائن لا محالة فإرادته تجلت بدوام وكمال في كلمة "كن" وقدرته تمت بدوام وكمال في حقيقة "فيكون"، وانطلقنا سائرين مبصرين أمر تخييرنا ما دمنا أحياء قبل أن توفنا المنية ونستوفي قدرتنا على الاختيار وتحقيقه بعمل إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به وابن صالح يدعو لنا، مادمنا عاقلين ننعم بملكة العقل والبديهة التي استوجبت علينا الحمد والشكر لدوام النعمة، ما دمنا بالغين استوفينا عمر التكليف والمحاسبة، وما دمنا راشدين قادرين على اتخاذ قراراتنا أنفسنا ولم نحتج لولي عدل يتكلف أمرنا في الشهادة أو الاستدلاء أو الحديث أو البيان كالضعيف أو السفيه، وبهذا كان لي أن أتطرق إلى أمر التخيير، أي أمر الإرادة، التي هي منبع العزم والعزيمة وبقدرة من الله أصل التغيير.
ولترسيخ مبدأ التفكير الإيجابي والقناعة بمبدأ أن الفكرة أصل التغيير وللإعانة بإذن الله على توجيه سليم لنفسي ولغيري من القراء المتتبعين وضعت تسلسلا لمواضيعي حسب النحو التالي:
الإرادة بين التسيير والتخيير
الفكرة كمبدأ للتغيير
التوجيه المدرسي
التوجيه الفكري الاجتماعي
وبهذا كان موضوع الأسبوع حول الإرادة كأصل للتغيير، وعن الأحلام كمنبع للإرادة.
الأحلام منبع للإرادة
فالأحلام هي قمة ما تتمناه في حياتك، هي مستقبلك المرسوم بشغف في خيالك، وحياتك الآتية في ذاكرتك. الحلم يحدد مبتغاك في الحياة، وينحث ما تصبو إليه بعناية ودقة، ويصف ماضيك ويكمل حاضرك ويخط مستقبلك، ويعرف عن شخصيتك وأهدافك وتركيبتك الداخلية. أحلامك هي أنت، هي هويتك والدافع الذي يجعلك تستمر في الحياة برغبة وأمل وصبر.
ولذلك، ارتأيت أن أعطي اقتراحا تطبيقيا يمهد إلا التفكير الإيجابي ويدعو إلى ترويض العزيمة كطريقة أولية للاستغناء عن التواكل والكسل وإعادة تأهيل العقل على التفكير بتفاؤل، وتعزيز قدرته على الاستجابة لطموحاته وتكريسها للصول إلى أهدافه ومبتغاه في الحياة، فيصبح الحاضر والروتين اليومي أداة يسعى بها وراء طموحه دون أن يغيرهما أو يبدل منهما شيئا، ودون مجهود جسدي أو عقلي كبيرين. وهذا الاقتراح هو ترجمة خلاصة ما جاء في كتاب "السر" لكاتبته "لويز هاي"، وهو ما أسمته الكاتبة الأمريكية الرائدة في التنمية البشرية والتفكير الإيجابي ب"لوحة الأحلام" أو Vision Board
وهي لوحة يمكن لأي شخص أن يصنعها، فهي إضافة إلى ما ذكرت عن فعاليتها في ترويض العقل للتفكير الإيجابي تعطي الشخص الفرصة للجلوس مع نفسه والتأمل في هدفه من الحياة.
لوحة الأحلام: حل تطبيقي
ترجمة وتحليل مايسة سلامة
هذه اللوحة تجمع بين أركانها كلمات وصور تعبر من قريب وبطريقة مباشرة عن كل حلم من أحلامك.
هي عبارة عن ورقة كبيرة أو قطعة خشبية يلصق بها أو يكتب عليها كل شيء يرمز أو يمثل أشياء ترغب في الوصول إليها، وكل رغبة من رغباتك تريد تحقيقها مستقبلا، كأسماء أشخاص تريد مقابلتهم، أو عمل ترغب في امتهانه، أو منزل أو سيارة، أو أشياء عامة كالزواج أو الأطفال أو حسية كالسعادة بأن ترسم وجها مبتسما أو تكتبها حرفيا، أو الراحة،...إلخ من معاني أو أشياء تصبو إليها، وتعيش لتحقيقها.
وبعد أخذ الوقت الكافي للتفكير مليا في أحلامك، محاولا الابتعاد عن الأشياء السطحية أو العابرة، ومركزا في ما يكمن في أعماقك من رغبات تستحق السعي وراءها وتكريس الوقت لإنجازها، علق اللوحة في مكان حيث تكون ظاهرة لك في أي وقت، في مكان تمر به كثيرا أو أمام سريرك، أو في مكان تقضي به أغلب الوقت، كالمطبخ أو على جهاز التلفاز أو بالحاسوب كصورة خلفية مثلا لتتمكن من النظر إليها صباح مساء، وحتى بالعمل أمام مكتبك، أو في زاوية خاصة بك.
وحتى إن لم تتذكر النظر إليها، أو نسيت وجودها، فإن عقلك الباطن يعلم بوجودها، ويخزن يوميا تلك المعلومات الموجودة على اللوحة دون أن تعي بذلك، فهي موضوعة طيلة اليوم أمام مجالك البصري، يتأثر العقل بكل كلمة وصورة معلقة عليها.
وبهذا فإن عقلك يبدأ في مراقبة كل الأشياء المرتبطة بأحلامك، يوميا وفي كل مكان تزوره، دون أن تنتبه لذلك، لأن اللوحة ساعدتك على تحفيز العقل الباطن لتوظيفه في التركيز على كل ما له علاقة بأحلامك من قريب أو من بعيد، وهذا ما يسمى بالذاكرة الانتقائية، أو الاهتمام الانتقائي، عملية تسمح بجذب الأشياء التي يمكن أن توصلك إلى أحلامك وتساعدك على تحقيقها من خلال الانتباه إلى الأشخاص والأماكن والطرق الموصلة إلى مبتغاك وسط العالم المحيط بك، وهو ما يدعى بقانون التجاذب الكوني، قانون يعيد إليك كل ما بعثته أو وردته من طاقة عبر حواسك وأفكارك وتصرفاتك للكون، فكما يقول الحكماء، الإحساس بالسعادة يجلب السعادة.
قانون التجاذب الكوني، هو أمر التسخير المرتبط بديننا والمبين جملة وتفصيلا في آيات القرآن الكريم، يسمح لك أن تعطي للكون أولا إحساسك بالتفاؤل، حيث تشعر بالأمل وأحلامك صوب عينيك تشجعك على المضي قدما في الحياة، وثانيا تعطيه تركيزا وإحساسا بالمسؤولية اتجاه حياتك وما تريد تحقيقه، وثالثا تعطيه مجهودك ووقتك عندما تجرب كل فرصة سانحة لتحقيق أحلامك، وبالمقابل، فإن الكون يبعث لك أفكارا، ويضع أمامك الطرق لمساعدتك على جعل مستقبلك ناتج اختياراتك، فتجعل بذلك أفكارك هي التي تحدد مستقبلك.
إلى هنا، نصل أن المسلم عندما يدع أمر التسيير إلى ما وصل إليه قلبه من إيمان ورضا بما أحاطه الله به من قدر وقضاء حتى يبينه عند كل مواجهة لفرح أو مصيبة، فكل ابتلاءات للتقرب من الله، فيصبر عن الصدمة الأولى ولا يتذمر بما أصابه، ولا يفرح مفرطا بما أتاه الله ولا يحزن على ما فاته ويؤمن أن حياته ومماته ورزقه بين يدي الله تعالى، لا للتكاسل والتهاون بل لتفادي الندم على ما فات ولتجاوز الهم والغم والحزن ، يبقى على المسلم التفكير بحزم وعزم في القادم وترويض أمر التسيير في الاستخارة عند الأمور المشتبهات وفي الدعاء والتوكل على الله كي لا يغيب إحساس الفرد بعبوديته، ووجب عليه فهم كل الفهم أن أفكار الفرد مسؤولة عن نوعية حياته وكيفية تحديد مصيره، ووجب عليه العمل على تحديد أفكار فعالة وأهداف إيجابية والثقة بما سخر الله حوله من مخلوقات في الكون بأكمله من أجل تحقيق إرادته.
هذا وأدع القراء الأعزاء إلى اختبار هذه اللوحة وفعاليتها والاستفادة مما وصل إليه الغرب من تقدم في التنمية البشرية عبر الترجمة ثم الترجمة إلى لغتنا الأصل ثم التجربة فالاختبار للتمحيص ومواكبة التطور مع تأطير الكل في قالبنا الديني الذي وإن أسميته تأطيرا إنما يعطي حرية أوسع للتجربة بقوة الإيمان والتوكل والدعاء، فكما أن طريق الإرادة إلى التغيير هو الثقة المطلقة بقدرتها على تكييف وتمرين العالم المحيط لتصييرها حقيقة، فإن ديننا جاء بالمثل، فلا طريق للدعاء إلى التحقق غير اليقين المطلق في الاستجابة، فكل ساعة يقين هي ساعة استجابة.
أختتم بقصيدة زجلية ساخرة، أصور فيها مدى تدني العيش إن عدمت الإرادة واستحال التغيير.
لاباس
دار لاباس
ماكاين باس
راه ديما عاجب الناس
دار لاباس
مللي عيا كلاس
وعيا بالحفير وهزان الفاس
درنا لاباس
مالنا شكون
حنا غير نكوْنوه يكون
ولد العساس
بالجوع معجون


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.