سبتة و مليلية و الجزر الجعفرية ... مناطق مغربية ترضخ بالقوة للمستعمر الإسباني المتعنت ، هذه المناطق تعتبر كأقدم استعمار أوربي في المتوسط ، و الحديث عن هذه المستعمرات يقودنا إلى متاهات عدة تتأرجح بين الاقتصاد و السياسة وا لتاريخ و امتدادات الحروب الصليبية و مفهومي القيادة و الريادة. "" وطمس الهوية ... الأمر أخطر مما نتصور ، والأشد خطورة هو هذا التجاهل لهذه المناطق و الذي أصبح أمرا واقعا فرضته إسبانيا على المغرب وجعلته بلدا بلا رأس و لاقدم خاصة و أن ملف الصحراء مرتبط بهذه المدن الشمالية تحت خطط الضغط و الابتزاز و المساومة ... فهل يمكن الحديث عن استقلال سبتة و مليلية بالمفاوضات السلمية ؟ أم أن منطق التدخل العسكري يفرض نفسه لاسترداد المدينتين السليبتين؟ ولماذا تعتبر قضية الصحراء القضية الأولى في برامج الحكومات المغربية المتعاقبة و يتم إغفال قضية سبتة و مليلية ؟ و إلى أي حد يمكن الحديث عن هوية ثابتة لأهل هاتين المدينتين ؟ يحيلنا الحديث عن سبتة و مليلية إلى التوقف عند المكانة الجغرافية المتميزة التي يتمركز فيها المغرب كبلد عربي إفريقي يتبنى الديانة الإسلامية بصفة عامة و تموقع مدنه الشمالية كبوابة على أروبا بصفة خاصة ، لقد كانت مدينة سبتة و طنجة من أعظم عمالات دولة الموحدين وأكبر مماليكهم ومرقى الأساطيل ودار لإنشاء الآلة البحرية ، وحظيت باهتمام جميع الحضارات التي تعاقبت على المغرب ، لذلك ستدفع سبتة ثمن موقعها الجغرافي الاستراتيجي في أواخر القرن 15 . و تعود بداية سقوط مدينتي سبتة و مليلية تحت الاحتلال الأوربي بعد سقوط غرناطة عام 1492م بعد أن دب الصراع بين أمراء المسلمين في الأندلس ، فانتهز زعماء قشتالة – إسبانيا حاليا – و البرتغال الفرصة للقضاء على الوجود الإسلامي في هذه البقاع ، فسقطت سبتة في يد البرتغاليين عام 1410م وأصبحت تحت السيطرة الإسبانية عام 1735م ثم تلتها مليلية عام 1497م بعد اتفاق و اتحاد إسبانيا و البرتغال ... مفارقة ... شقاق وصراع في الدول الإسلامية يفضي إلى تفكك وانهيار بقاعه ... اتفاق و اتحاد بين الدول الأوربية يؤدي إلى ريادة و استعمار البقاع الإسلامية . أكثر من خمسة قرون ومدننا الشمالية تعيش تحت وطأة الاستعمار الغاصب رغم محاولتي المولى إسماعيل في القرن 16 والمولى محمد بن عبد الله في القرن 18 عندما حاولا محاصرة المدينتين لكن المحاولتين باءتا بالفشل . لم يكن هذا التقديم التاريخي الموجز عبثا بل أردت مد قنطرة للإجابة عن التساؤلات التي طرحتها قبلا وسأبدأ بأطروحة الاستقلال عن طريق المفاوضات السلمية أو لنقل منطق الضعفاء ، هل مايؤخذ بالغصب و القوة يسترد بالسلم و المفاوضات ؟ إننا أشبه بمفاوضات فلسطين و إسرائيل حول القدس ومن الغباء الاعتقاد أن إسبانيا ستقدم المدينتين للمغرب بكل بساطة ، و السبب يرجع لعدة اعتبارات نجملها في : 1- إن إسبانيا تراهن على طمس الهوية المغربية لأهل و سكان المدينتين بعدما خضعتا لمئات السنين تحت كيانها الغاصب وخاصة عند الأجيال المتعاقبة تحسبا إذا ماكان هناك استفتاء حول هذه المناطق 2- يشكل الموقع الجغرافي لهذه المدن الشمالية نافذة إضافية على المتوسط و بالتالي ينضاف مورد آخر لاستغلال الخيرات البحرية 3- يشكل إرث الحقد التاريخي على المغرب سببا رئيسيا لكل الآفاق السلمية المستقبلية فقد أظهر استطلاع للرأي أنجز في إسبانياعام 1996م عبّر فيه 62 في المائة أن البلد الذي يشكل خطرا هو المغرب و 71 في المائة اعتبروا الخطر ينبعث من المغرب العربي 4- إن إسبانيا مدعمة بالحلف الأطلسي خاصة بعد اعتبار سبتة و مليلية قاعدتين للتدخل في المغرب وشمال إفريقيا في إطارالمخطط الأمني للحلف 5- نتذكر حدث جزيرة ليلى و الأزمة التي وقعت بين البلدين مما أدى إلى تدخل عدة دول و نتذكر أيضا تعنت الحكومة الإسبانية عندما رفضت التحاور حول المدينتين و جزيرة ليلى التي تبعد فقط ب 150 مترا على السواحل المغربية في حين تبعد بعشرات الكيلومترات عن سواحل إسبانيا . لكل هذه الأسباب لا يبقى إلا الخيار العسكري لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل المغرب مستعد للحرب؟ من الكياسة و المنطق الاعتراف بمحدودية القوة العسكرية المغربية مقارنة مع المعدات الحربية لإسبانيا لذلك يجب إعادة طرح السؤال بصيغة أخرى ماذا أعد المغرب طوال هذه السنوات لاسترجاع مدنه ؟ أليس من الحكمة الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية لتطوير ترسانتها العسكرية بصناعة محلية ، فقد فاجأ حزب الله إسرائيل و العالم من خلال صواريخه المتوسطة و البعيدة المدى بعدما اخترقت أجواء الكيان الصهيوني و العراق فاجأ العالم أيضا بصواريخه في حرب الخليج لكن المغرب لايتوفر على نظام الصواريخ البعيدة المدى والتي تستطيع اختراق الأجواء الإسبانية . يجب الإيمان بمنطق القوة وبفضلها نستطيع التفاوض ، فقد عرف المغرب ببسالته في الحروب وإلا مااستطاع الوصول إلى غرناطة وفتح الأندلس ... يبدو أن زمن طارق بن زياد ولّى ... ويجب التفكير في خطط استعجالية لتطوير الترسانة العسكرية المغربية بصنع محلي عوض استيراد طائرات بأموال طائلة وعوض ترك إسبانيا تساومنا وتضع العراقيل لفك ملف الصحراء وهي تدرك جيدا أن المغرب لن يغامر و يحارب على واجهتين لذلك تبقى المستفيد الوحيد ... صحيح أن الجزائر من مصلحتها أيضا الظفر بواجهة على المحيط الأطلسي لكن إسبانيا تبقى المستفيد الأكبر ، فمادام المغرب لم يجد حلا لقضية الصحراء لن يدخل غمار المغامرة و التهور فيحارب في الشمال و الجنوب لذلك ستبقى إسبانيا العدو الأكبر للمغرب و ستحاول ما في وسعها أن تضع العراقيل ليصبح بلا رأس و لا قدم .