لا شك في أن قطاع التعليم من أكثر القطاعات حيوية التي تراهن عليها الدولة لخلق جيل مفعم بالوطنية , و حمل لواء التقدم و التنمية , و التشبع بقيم الديمقراطية و الحداثة الفكرية في الاتصال الحضاري بالشعوب و الأمم الأخرى , و هذا مرتبط بضرورة الاهتمام بمجال التعليم , و إحلاله المكانة التي يستحق كثاني قضية من حيث الأهمية بعد الوحدة الترابية . من بين مظاهر الإصلاحي التعليمي الاهتمام بوضعية موارده البشرية , و خلق دينامية عمل محفزة لهم , و إزالة كافة الشوائب التي تلصق بهم , و تصحيح النظرة المجتمعية التي توجهها شريحة واسعة من أفراد مجتمعنا إليهم , ذلك لأن أهمية رجل التعليم تكمن في أنها تشكل الجسر الوسيط بين التلميذ و عالم المعرفة , رغم تطور وسائل الوصول إليها , لكن للأستاذ ميزة خاصة تشجع التلاميذ عليها , و ترغبهم فيها , و تقربهم منها . رغم هذه الأهمية التي يحظى بها رجل التعليم , فنظرة المجتمع إليه نظرة ازدراء , تحمله مسؤولية فشل قطاع التعليم , و تجلد ظهره , هي تربطه بالشبع الذي وصل إلى حد الترف , خاصة حين يرى المجتمع رجال التعليم و نساءه خارجين على بكرة أبيهم للمطالبة بالمساواة , و خلق نظام تعليمي متطور , و هذا لا يبعد كما قلنا عن تحسين وضعية الأستاذ . لذلك فكل إضراب أو وقفة عندهم هي إسفاف و استهتار بحقوق التلاميذ , و إخلال بالواجبات , لأن وضعية الأستاذ قد تحسنت , و تطورت بشكل كبير , حسب منظورهم , لكن الوقع يشهد عكس ذلك , فوضعية رجال التعليم سيئة , سواء من الناحية المادية , أو من خلال الظروف التي يشتغلون فيها , و أيضا من حيث النظم الأساسية و القانونية التي تؤطر عملهم , فأجور التعليم ضعيفة , و لا تساير متطلبات العيش الباهظة , خاصة في السلالم التاسعة و العاشرة التي تبدأ بها أغلب الأطر التعليمية , و لمدة تفوق أكثر من عشر سنوات , بالإضافة إلي أنهم محرومون من تعويضات أو منح دورية أو مناسباتية , كما هو معمول به في بعض القطاعات , أما من حيث الظروف التي يشتغلون فيها , فهي مأساوية , و قاسية بالنسبة إلى الأطر التي تشتغل في مناطق نائية بالعالم القروي , و تمثل نسبة كبيرة من عدد الشغيلة التعليمية , و يكفي أن يعي الناقمون على رجال التعليم أن المشتغلين في العالم القروي أصبحوا ابن بطوطيين , و ذلك لقطعهم مسافات طويلة يوميا , بين مقر السكنى و العمل , تقدر أحيانا بأكثر من ثمانين كيلو مترا يوميا , و يكفي أن يعوا أيضا أن هذه الأطر تدرس يوميا أكثر من 160 مراهقا في اليوم , اكثر من نسبة خمسين في المائة منهم يعيشون أزمات نفسية حادة بسبب ظروفهم الاجتماعية القاسية التي ترمي بهم إلى براثن المخدرات و الأقراص المهلوسة , و جميع أنواع المحظورات .... فربكم خبروني كيف لهذا الأستاذ المسكين أن يتأقلم مع هذه الطينة التي لا تخلو منها مؤسسة عمومية في المغرب , أو على الأقل , توجد في أغلب المؤسسات العمومية , خاصة التي توجد في مناطق شعبية . أما النظام الأساسي الخاص بالأطر التعليمية , فهو مثار جدال حاد , و لغط ما زال لم يعرف إلى حد الآن نهايته , فحاليا الاطر التعليمية تشتغل وفق نظام أساسي سن سنة 2003 , و هو يعرف اختلالات كثيرة لا يسع المجال هنا لبسطها كلها , و يكفي تلخيص عواره في عبارة واحدة , و هي انه يخلق هوة كبيرة بين الأطر التعليمية , و لا يلبي تطلعاتها على الأقل مثل بعض القطاعات الأخرى . الأمر لا يقف عند هذا الحد , فرجال التعليم و نساؤه ملاحقون دائما , و يتم التربص بهم , و تحين الفرص للافتئات عليهم , هذا أصبح متواترا عند بعض القنوات التلفزيونية للأسف , صارت تتحين بعض التهم التي توجه لبعض رجال التعليم , و التي تكون في العرف القانوني غير ثابتة ما دامت القاعدة القانونية تقول : كل متهم بريء حتى تثبت إدانته , لكن ربورتاجهات هذه القنوات تقدم الأستاذ المتهم و كأن التهمة ثابتة في حقه , و أصبح محكوما عليه , علما أنه ناذرا أن نرى هذه القنوات تبث معاناة رجال التعليم , إلا لماما , و بطريقة لا تطفئ لهيب هذه الفئة المظلومة . هناك من سيقول إن رجال التعليم كثيرو الشكوى , و إن لهم مصاريف أخرى يجنونها من الساعات الخصوصية و السوايع , و ينعمون براحة لا يوجد نظير لها في قطاعات أخرى ... و قائل مثل هذه الأراجيف واهم , و لم يتفحص بدقة وضعية هذه الفئة , فمن يقول إن لهم مصاريف أخرى فهذا قول ليس دقيقا , فالممارس لتجارة السوايع الذي يدخل أموالا بشكل مبالغ فيه , فهم فئة قليلة , و يكفي أن يتم سؤال أي تلميذ عن أسماء الأساتذة المعروفين بجشع السوايع حتى يخبرك بأسماء محددة ربما لن تصل حتى إلى ربع الأطر التعليمية في مدينة ما , في حين من يهرف بأن هذه الفئة تنعم براحة لا مثيل لها , فهم أيضا واهمون , و لا يدققون في المدة التي تحتسب للأطر التعليمية كأيام عطلة , ربما لأن عهدهم بالمدرسة التي كانوا ينعمون فيها بالراحة ظنوا أن أساتذتهم ينعمون بها أيضا في بيوتهم مثلهم , و الحق أن الأستاذ حتى في الأيام التي لا يأتي فيها التلاميذ إلى المؤسسة يبقى رهن إشارة مؤسسته , و ذلك لإدخال النقط , و ملء الملاحظات , و عقد مجالس تربوية في المؤسسة , و تصحيح الامتحانات الجهوية أو الوطنية , و يبقى دائما يقظا إزاء أي اتصال من المدير لإنجاز أي مهمة ريثما يتم التوقيع في محضر الخروج الذي يكون في الأسبوع الثاني من شهر يوليوز , و لا يمكن أن ننسى أيضا أن أغلب الأطر التعليمية تشتغل في أيام السبت , سواء صباحا أو مساء , و هذا منتف كما هو معلوم من أغلب الإدارات الأخرى . فكفانا ابتخاسا بفئة وصى الله و رسوله بها خيرا , و لنعلم أن أساس تقدم أي أمة هو الاهتمام بأطرها التعليمية , و يكفي أن جل أدبيات الأمم تقدس المعلم , و تبجله , و في مقابل ذلك يجب على الدولة القيام بأوراشها الإصلاحية , و تفعيل جميع مخططاتها التي تروم إعادة الاعتبار لرجال التربية و إحلالهم المكانة التي يستحقون .