وجه جلالة الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء، خطابا تاريخيا، يعبر عن عمق الالتزام الوطني المغربي بقضية الصحراء، مسلطا الضوء على الروابط التاريخية التي تجمع سكان الأقاليم الجنوبية بالمملكة؛ هذه الروابط، التي تستند إلى قيم البيعة والولاء، التي جمعت المغاربة في الأقاليم الجنوبية بملوك المغرب، والتي تجسد مشروعية مغربية هذه الأراضي. أكد جلالة الملك بلغة صريحة وواضحة، على أن هذا الارتباط ليس مجرد حجة تاريخية، بل هو جزء من الهوية الوطنية التي تشكل نسيج المجتمع المغربي، مما يجعل من قضية الصحراء مسألة وجودية تتجاوز الحدود الجغرافية.. إنها قضية مصيرية عند كل المغاربة ملكا وشعبا، تتجاوز كل المعايير القانونية، وتتحدث لغة التشبث بالأرض ووحدة الوطن. وفي سياق الحديث عن الإنجازات، يبرز الخطاب الملكي التقدم التنموي الذي شهدته الأقاليم الجنوبية، والتي أصبحت نموذجا للاستقرار والازدهار، فالإشارة إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية ليست مجرد ادعاء، بل تجسيدا للالتزام المغربي، بتوجيهات ملكية، لتحويل الصحراء المغربية إلى فضاء حيوي يشهد تنوعا اقتصاديا وتنمية مجالية، ويعكس إرادة حقيقية في تحقيق الازدهار والنماء، وتجاوز كل التحديات والعقبات وتقديم البدائل الفعالة. وأشار جلالة الملك في الخطاب إلى الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، مشددا على أن مبادرة الحكم الذاتي قد حظيت بدعم واسع من المجتمع الدولي، وهذا الاعتراف يعزز من موقف المغرب ويعطيه القوة الدبلوماسية، ولم يكن المغرب ليصل إلى هذه الانتصارات لولا الحنكة الدبلوماسية لجلالة الملك، وتدبيره لمختلف الأزمات مع الدول الأوروبية وغيرها بروية وعقلنة، وتحقيق الانتصارات المتكررة، والبحث عن المصالح المشتركة مع الدول الصديقة.. وما كان ليتحقق ذلك إلا بعد إيمانهم بالرؤية الملكية التنموية ومسارات الإصلاح، فهذا الوضع الجديد يتطلب من المغرب استغلال الفرصة التاريخية لتعزيز علاقاته الدولية وتوسيع قاعدة الدعم لمبادراته، مما يفتح آفاقا أرحب للتعاون والشراكة. لقد وجه جلالة الملك صفعة قوية لأطراف مرتزقة الانفصال، التي لا تزال تتمسك بأفكار عفا عليها الزمن، وفكك بنية هذه الممارسات المشؤومة، مؤكدا أن الاستمرار في العناد لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع، فالخطاب يحمل رسالة واضحة وصريحة، لا غبار عليها، مفادها أن المغرب لا يمكنه أن يقبل باستمرار بعض الأطراف في استغلال القضية الوطنية، لأغراض سياسية ضيقة أو للتغطية على الأزمات الداخلية؛ إذ أن هذه الأطراف، برفضها للحقائق الحالية، تعزل نفسها عن الواقع وتفوت على شعوب المنطقة فرص التقدم والازدهار.. تفوت فرص الانخراط في ركب التنمية والتقدم، وتكرس منطق السباحة في وحل صناعة الأزمات وتمويل العصابات والمرتزقة...! كان الخطاب أيضا دعوة صريحة للأمم المتحدة لتتحمل مسؤوليتها التاريخية، ولتدرك الفرق بين من يعيش الواقع التنموي ومن لا يزال أسير الأفكار البالية، ويصنع الوهم والفتن، فجلالة الملك يشير إلى ضرورة أن يكون للشرعية الدولية موقف واضح لا لبس فيه، فالمغرب يسعى إلى حل دائم ومستدام، بينما يظل الطرف الآخر منشغلا بصراعاته الداخلية وتغطية مشاكله المتعددة على حساب استقرار المنطقة. إن دعوة الملك للأمم المتحدة لتحمل مسؤولياتها تشكل تعبيرا عن رؤية مستقبلية تتجاوز العقبات الراهنة، لتكون هناك معايير جديدة في التعاطي مع القضية، تستند إلى الحقائق الموضوعية والتعاون الفعّال، لا على الوهم والصناعة السينمائية التندوفية...! فهذه الرؤية الملكية الواضحة التي جسدها الخطاب، لا تعكس فقط التزام المغرب الثابت بموقفه، بل تدعو أيضا المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات حقيقية تساهم في إرساء السلام والاستقرار، لأن المستقبل، كما يراه جلالة الملك، يتطلب جهودا متضافرة لبناء علاقات قائمة على الثقة والتعاون، مما يؤكد أن المغرب ماضٍ في سعيه نحو تحقيق وحدة وطنية مستدامة ومشروعة.