في أول سابقة من نوعها في المغرب، اختار المحامون المغاربة عبر جمعية هيئات المحامين بالمغرب يوم الجمعة 25/ 10/2024 من مدينة طنجة، أن يحملوا عصا التصعيد، بعد أن استمروا طيلة أسابيع مضت، وعبر إشارات خفيفة لم تلتقط أو تم تجاهلها من قبل السيد رئيس الحكومة والسيد وزير العدل، ووصلت سياسة المهادنة والحفاظ على الشراكة الطويلة والتعاون المتين بين وزارة العدل وكل هيئات المحامين بالمغرب، وقتا لا بأس به وأرسلت الجمعية غمزات واضحة للتحضير للقاء لحل المشاكل ومواصلة التعاون والتشارك، معتقدين أن أقصى ما يمكن أن يفعله المحامون قد فعلوه، وأنهم لا شك سيعودن للمحاكم وللعمل، لأن المهنة حسب ما خيل إليهم أنها مهنة حرة، ومقاطعة العمل والإضراب عن العمل هو يعني سد صنبور الأتعاب الذي كان يسقي تكاليف مكاتبهم الشهرية وكان يغذي كل حاجات أسرهم وذويهم، وأنه لا صبر لهم على استمرارهم في قفل هذا الصنبور، ولم يدر بمخيلتهم أن تصعد جمعيتهم الجبل كما يقال، وتقاطع كل الجلسات والإجراءات القضائية، وتخلي ساحات ومكاتب المحاكم من رجال الدفاع ودعاة الحق والعدالة، فالسادة المحامون مضطرون لأن يقاطعوا ليس دفاعا عن مهنتهم وكلمتهم التي يجب أن تكون مسموعة ومحترمة، بل كذلك عن حقوق ملايين المتقاضين المغاربة الذين سيجدون أنفسهم محرمين من استئناف حكم يتعلق بهم أو طلب نقض قرار أضر بمصالهم، لا لشيء سوى لأن طلبهم لم يصل قيمة المبلغ الذي حددته الحكومة لكي يكون قابلا للطعن بالاستئناف والنقض، ونحن نضرب بهذا الشكل غير المسبوق، لا يجب أن ننسى أن هناك حقوقا لمتقاضين نزاعاتهم تجري أطوارها أمام محاكمنا، ويحتاجون فيها إلى مؤازرة محام أو مذكرة محام لتبين عدالة قضيتهم، فمن سيكفل له حقه في الدفاع حتى يتمكن محاميه من الحضور إلى جانبه، وهو في الوقت نفسه ملزم باحترام قرار مؤسساتهم بالإضراب عن العمل، ومن سيحمل هذه المسؤولية التاريخية التي لن تنسى في تطبيق نصوص الدستور، والعمل على حماية حقوق المتقاضين في وجود الدفاع إلى جانبهم، لنتكلم بكل وضوح ونقول إن السلطة القضائية ممثلة رؤسائها وفي السادة القضاة مدعوون إلى الانحياز بشكل كامل لحق الدفاع، وتطبيق نصوص الدستور الضامنة لحق الدفاع والمحاكمة العادلة، وهم يجدون أنفسهم صدفة أمام هذا المستجد الذي لم يكونوا في يوم من الأيام يعتقدون أنه سيصدمون به، والسيد الرئيس المنتدب للسلطة القضائية ومعه السيد رئيس النيابة العامة المحترمين، والذين تجمعهم علاقة احترام وتعاون كبير مع ممثلي المحامين، مدعوون في هذه اللحظة التاريخية، إلى أن يستحضروا كيف دافع السادة المحامون عن السادة القضاة في كل مؤتمراتهم وفي كل حين ومنذ زمن بعيد لتحسين وضعيتهم المالية وتكريس استقلاليتهم، وقد ساهم نضال السادة المحامين في أن تتبوأ السلطة القضائية الدرجة التي تستحقها، لذلك فالجسد والجناح الواحد، يجب أن ينحاز لحمى كل طرف منه ويعمل على انتظار جاهزية جناح العدالة الآخر لكي تطير السلطة القضائية بجناحين ويكون طيرانها سليما وحقيقيا بهدف تحقيق العدالة. كما أن السادة القضاة هم مواطنون، لديهم نزاعاتهم ونزاعات أسرهم أمام المحاكم المغربية، ومعركة المحامين هذه هي معركة للدفاع عن حقهم وحق أقربائهم في طلب استئناف الأحكام وطلب نقضها مهما كانت قيمة الطلب فيها، كما أنها تهمهم كذلك، لأن أغلب السادة القضاة أصبحوا يلتحقون بالمحاماة بعد تقاعدهم الكامل أو النسبي، مرحب بهم بين ذويهم، فهم بوقوفهم إلى جانب المحامين في معركتهم سيدافعون عن مستقبل المغاربة في ضمان حق الطعن ومستقبلهم في أن يلتحقوا بمهنة قوية موحدة مدافعة ومنافحة عن حقوق المغاربة وعن وضعيتها الاعتبارية، وتكون كلمتها وحضورها مسموعين واقتراحاتها ينظر إليها بعين التشارك لا بمنطق التغافل. لذلك فالسادة القضاة عليهم أن يعملوا على ضمان حق المحامين كما تنص على ذلك المادة 29 من الدستور، من خلال تأخير الملفات حتى يتمكن المتقاضون من الحضور مع دفاعهم، ولا شك أنهم يعلمون أن حقوق المتقاضين المغاربة وحسن سير العدالة كركائز للمحاكمة العادلة منصوص عليها في الباب السابع من الدستور المتعلق بالسلطة القضائية التي تعتبر بحكم الدستور والواقع مستقلة عن السلطة التنفيذية والتشريعية، والمادة 120 منه تنص على أنه لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وجود المحامي إلى جانب المتقاضي أو المتهم كما هو متعارف عليه دوليا أكبر ضمانة وأكبر تيمة التي بدونها لن تكون المحاكمة عادلة، كما حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم. كما أن العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، نص في المادة 14 منه على حق الدفاع، وهذا الحق يعني حق كل شخص في الاستعانة بمحام للدفاع عنه، إن كان له مال يمكن به أداء أتعاب هذا المحامي الذي سيدافع عنه، فإن لم يكن له مال، فيمكنه الحصول على دفاع أو مؤازرة محام على نفقة الدولة أو بمساعدة من نقابة المحامين كما هو الشأن بالمغرب. إذن فإضرابات المحامين تحفها ضمانتان دستوريتان كبرتان، أولهما الحق في الإضراب، وحق كل شخص في الدفاع الذي لا يعني غير شيء واحد هو استعانته بمحام للدفاع عنه. فالسلطة القضائية كسلطة تسعى بكل قوة وتجرد وحياد، لإقامة العدل والحكم بين الناس بالقسطاط بواسطة القضاة المنضوين تحت لوائها، وتعتمد بشكل كبير في الوصول إلى ذلك على كتابات ومرافعات ودفاع السادة المحامين الذين يقدمون لها النزاعات في أبسط صورة ويسلطون الضوء على كل جوانبها حتى تتضح للقاضي الصورة بشكل تجعله متبينا وملما بشكل شبة كامل بالنزاع، مما يسهل عليه أمر البت وإصدار حكم عادل فيه. كما أن معظم الأنظمة القضائية لدول مختلفة تعتبر وجود المحامي إلى جانب المتقاضي من الحقوق الأساسية التي يجب ضمانها، وتعتبر أن المحاكمة لا يمكن أن تكون سليمة وعادلة ومغطاة برداء الدفاع القانوني المختص الذي يمثله المحامي، إلا بوجود هذا المحامي الذي أوكل له المشرع الدفاع عن المتقاضي. أتمنى بكل صدق أن تسعى السلطة القضائية بكل مكوناتها لضمان حق الدفاع بحث السادة القضاة على تأخير الملفات على الحالة حتى يتم حلحلة هذا الملف، وينتبه السيد رئيس الحكومة ووزيره في العدل إلى أصوات المحامين ويسارعان لدعوة ممثليهم لطاولة الحوار والسعي لتقريب وجهات النظر والعمل بمقترحات مؤسساتهم.