المغرب يتطور، يتحرك، يتقدم إلى الأمام. ليس بالنسبة إلى عموم المغاربة، بل فقط للذين لديهم جْدّاتهم فالعرس. أما الغالبية العظمى من أبناء الشعب فلا يرون أي تطور، ولا يرون أي تحرك، ولا يرون تقدم، كل ما يرونه ويعاينونه كل يوم، هو مستقبلهم الذي يسير بثبات كي يصير مبنيا للمجهول! "" لا أحب أن أكون سوداويا، ولا متشائما، لكن الظرف الحرج الذي يمر به مغرب اليوم يفرض على كل غيور على هذا الوطن أن يدقّ نواقيس الخطر بقوة، ويحذر من المستقبل الأسود الذي ينتظر أبناء الشعب المستضعفين، ليس بسبب الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وإنما لأن الحياة السياسية في المغرب دارْت الكالا بعد أن قال "رجالها" بّاع ! ففي البلدان الديمقراطية، وفي البلدان التي تعيش انتقالا ديمقراطيا حقيقيا، (ماشي بْحال هادْ الانتقال الديمقراطي ديال الكدوب اللي عندنا)، يمكن للمواطنين أن يصبروا، ويعقدوا أحزمتهم قليلاريثما تمر عاصفة الأزمة العالمية، ويعود الاقتصاد والأسواق المالية إلى الاستقرار، لتسير الحياة من جديد بوتيرتها الطبيعية. أما في المغرب، فسواء بقيت الأزمة العالمية أو زالت، سيظل حال الناس مستمرا في التدرّج من سيء إلى أسوأ، ما دام أن الأحزاب السياسية، التي هي المدافع الرئيسي عن المظلومين، "باعت الماطش"، وصار أقصى ما يتمنّاه زعماؤها، هو الظفر بحقيبة وزارية، ولو كانت فارغة! فماذا يعني مثلا، أن يصعد حزب "الحركة الشعبية" إلى الجبل، بعد استبعاده من المشاركة في الحكومة إبّان تعيينها سنة 2007، ويرفض المصادقة على القانون المالي للسنة الحالية، ولم يكن العنصر يترك أي فرصة تمر دون أن ينتقد حكومة عباس الفاسي بحدة، لكن السيد العنصر عندما عرض عليه عباس الانضمام إلى حكومته تفاديا لسقوطها، عوض أن يرفض ذلك، قال لبيك وسعديك، من أجل الفوز بحقيبة وزارية فارغة، وضرب مصدايته ومصداقية حزبه في الصفر. فهل بمثل هذا النوع من "رجال" السياسة نستطيع بناء مغربي ديمقراطي؟ يْلا بقينا عوالين على هادو هْنا بقينا! وإذا كانت مواقف حزب "الحركة الشعبية"، كغيرها من مواقف سائر الأحزاب الأخرى، مثل ديك الديك، "الريح اللي جات تْلعب بها كيف بغات"، فالذي يهمني كمواطن مغربي، ليس هو اهتزاز مواقف السيد العنصر. ما يهمني تحديدا هو تلك الملايين السبعة التي ستخرج من خزينة الدولة لتتحول إلى حسابه البنكي على رأس كل شهر، رغم أنه، بْحالو بحال محمد اليازغي، إضافة إلى وزراء آخرين، غِيرْ شادّين الزحام وصافي! بالله عليكم، ماذا يعني أن يكون لدينا أربعة وثلاثون وزيرا، في الوقت الذي لا يتعدى عدد أعضاء الحكومة الصينية خمسة عشر وزيرا؟ وماذا يعني أن يكون لدينا وزيرا دولة بدون مهمة، يقبضان سبعة ملايين لكل واحد منهما، وعندما يغادران الحكومة تخصص لهم الدولة تقاعدا شهريا يقترب من أربعة ملايين، في الوقت الذي يعيش فيه أزيد من ستة ملايين مغربي بأقل من عشرة دراهم في اليوم! إنها قمة الاستهتار بالمال العام، وبحياة المغاربة الذين يموتون كل يوم ألف مرة بسبب هذه "الحگرة" البغيضة. إنهم يحتقروننا ونحن لا نملك سوى أن نردد لا حول ولا قوة إلا بالله! إن أسوأ ما يتهدد مستقبل أبناء الشعب هو موت الأحزاب السياسية. ففي العهد السابق، ورغم كل شيء، كانت المعارضة داخل البرلمان قوية، وكان هناك رجال يستطيعون أن يقفوا في وجه الحسن الثاني ويقولوا له بجهر وبلا خوف لا، حتى عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة ، كما فعل عبد الرحيم بوعبيد لمّا قال للحسن الثاني بأنه ضد إجراء الاستفتاء في الصحراء. أما سياسيو مغرب اليوم، فيستطيعون أن يقولوا كل شيء وأي شيء، ما عدا كلمة لا! لذلك أعترف لكم بأنني متشائم، وأرى مستقبل وطني بمنظار أسود، رغم الطرق السيارة والفنادق والموانيء والمطارات ومحطات القطار التي يتم تشييدها. فكل هذا لا يساوي شيئا عندما لا تتوفر لدينا منظومة سياسية رشيدة، يقودها رجال بمواقف لا تتزعزع، أو كما تقول أغنية مجموعة ناس الغيوان: "ما يْهموني غير الرجال يلا ضاعو/ الحيوط إيلا رابو كلها يْبني دار". ما ينقص هذا البلد هو الرجال، ديال بصحّ، ماشي ديال بلعاني!