كان من الجدير بالمعتقلين السلفيين بسجن سلا الذين أصدروا بيانهم الناري في حق "روبيرريتشارد" (الصورة)الذي تراجع عن اعتناقه للإسلام وعاد إلى دينه الأصلي الكاثوليكية، أن يقفوا وقفة تأمل في الأسباب التي دفعت هذا الأخير لاتخاذ مثل هذا الموقف، بدل التسرع وإصدار أحكام الكفر والزندقة في حقه. "" فبالرغم من أن هذا الفرنسي الذي اختار في يوم من الأيام أن يكون ضمن صفوف التيار السلفي الجهادي بالمغرب، قد صرح تصريحا اعتبره أصحابنا طعنا في شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال أن "محمدا لم يكن نبيا أو رسولا بل كان عبقريا أنشا دولة وحضارة"، فإن موقف هؤلاء السلفيين يعتبر متطرفا ومبالغا فيه. ف "روبيرريتشارد" لم يهاجم الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما فقط ذهب في اتجاه طالما سار عليه كبار المستشرقين المنصفين، وفي كل مرة كان يروق ذالك للمسلمين، وكل ما يفعله عقلاؤهم هو قيامهم بالتعقيب على ذالك بالتأكيد على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم دون أي تعصب أو شتم. هذا فضلا عن كوننا معشر المسلمين نعتقد أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أمر محسوم فيه، ولسنا بحاجة لمن يقر ذالك أو يطعن فيه، سواء كان"ريتشارد" أو غير" ريتشارد"، والسبيل الأمثل في مثل هذه المواضع هو المناقشة الهادئة والهادفة. لكن المثير في بيان هؤلاء السلفيين، هو أنهم فقط حاولوا التخفي وراء إقدام "ريتشارد" على إنكار نبوة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في الوقت الذي سكتوا عن اتهام هذا الأخير بسوء معاملتهم له أثناء تواجده في صفوفهم. فقد اعتبر معاملة السلفيين له إلى جانب المعاملة التي لقيها من طرف الأجهزة الأمنية، بأنها لا تليق بالمسلمين. وبما أن أصحابنا قد تحاشوا الرد على هذه النقطة، فإن الواحد يمكن أن يعتبر البيان الشديد اللهجة مجرد رد على الاتهامات التي كالها لهم الفرنسي "روبيرريتشارد"، وليس غيرة على ما وصفوه طعنا في الرسول صلى الله عليه وسلم. في واقع الأمر هذه ليست المرة الأولى التي يقوم البعض بإسقاط ورقة التوت عن مجتمعات تدعي الإسلام والتدين، ويعتبر أن التعاليم والقيم الإسلامية التي يسمع بها لا وجود لها في واقع المسلمين، تماما مثلما فعل "روبيرريتشارد". فلا شك أن الكثيرين سمعوا عن ذالك المسلم الألماني الذي قال يوما "الحمد لله لأني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين"، وفي حوار دار بين مواطن عربي (مسلم) ومواطن غربي، قال هذا الأخير للأول "عندنا روح الإسلام وعندكم قشوره". وفعلا، فعندما نتأمل الواقع نجد أنه من الأفضل أن يتم تبادل الأوصاف بين ما يسمى بالدول (الإسلامية) والدول التي توصف في أحيان كثيرة ب (الكافرة)، لأن القيم الإسلامية تكاد تنعدم عندنا نحن المسلمين في بلادنا، وفي المقابل نجد أغلبها سائدا في البلاد التي يحلو لنا أن نصفها ب(الكافرة). ففي هذه الأخيرة كل ما ينقص أهلها هو شهادة ( أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)، في حين أننا الذين نردد هاتين الشهادتين خمس مرات يوميا على الأقل نعاني من انفصام رهيب في شخصيتنا، ذالك أن التدين عندنا ينحصر في المظهر دون الجوهر، فتعم المظاهر الإسلامية إلى جانب السلوكات والمعاملات المنافية لها، فكم من شخص يلبس جلباب أبي بكر يحمل داخله قلب أبي لهب، وكم من الظواهر السلبية تعم مجتمعاتنا رغم أننا مازلنا نعتقد كوننا خير أمة أخرجت للناس. لكن في كل الأحوال تبقى قيم الإسلام وتعالمه حجة على الواقع بمختلف جوانبه، وهو ما يحتم علينا توفيق معاملاتنا وسلوكاتنا مع تعاليم ديننا وعدم الاكتفاء بالمظاهر والادعاءات. بمعنى إما أن نكون مسلمين إسلاما كاملا، وإما أن نولي وجوهنا نحو وجهة معينة أخرى، حتى لا نعطي الفرص للحاقدين في النيل من ديننا وعقيدتنا.