كرة القدم من أوسع الرياضات وأكثرها انتشارا في العالم، وقد أصبح لعب الكرة ظاهرة في كل المجتمعات على اختلاف مستوياتها، كما أصبح(نجوم) كرة القدم من ألمع (نجوم) المجتمع؛ وأكثرهم شهرة ومالا. "" وليس قصدي من هذا الموضوع ذم الريضاة؛ إنما غرضي التنبيه إلى ما اعترى هذه اللعبة من مخالفات جسام وأضرار عظام. والأصل في كرة القدم أنها جائزة ومشروعة؛ إذا مورست لغايات وأهداف سليمة، فهي بحسب الطريقة التي تمارس بها وحسب ما يجري فيها مع مراعاة القصد والغاية؛ وتبعا لذلك: فقد تكون جائزة، وقد تكون مندوبة، وقد تكون مكروهة، وقد تكون حراما، ومعلوم في قواعد الشرع الحنيف أن كل ما ترتب عليه فساد وضرر فيحرم؛ حتى لو كان الأمر يتعلق ببناء مسجد فكيف بكرة القدم. وكرة القدم يستحسن ممارستها حين يكون القصد منها التقوي واستعادة الحيوية والنشاط والتعارف والتآلف، ونشر المودة والإخاء وتعلم العمل الجماعي، لكن الناظر في واقع الناس مع كرة القدم يرى أنها تفرق أكثر مما تجمع، وتجعل الود شهرا والشقاق سنوات، فتؤدي إلى الشحناء والبغضاء والعداوة بين الإخوة والأقارب. ولو أنصف لاعبوا هاته اللعبة أنفسهم لتعلموا من كرة القدم دروسا وعبرا في التآلف وأهمية العمل الجماعي، ولأدركو كيف أن الفُرقة تؤدي إلى الوهن والضياع والهزيمة، فهل باستطاعة لاعب بمفرده أن يحقق النصر دون تعاون مع أعضاء فرقته، أم لابد من عمل جماعي وتسهيل للمرور كل حسب دوره ومهمته، وأنه إن استبد بذاتيته فإن مآل فرقته الهزيمة ومآل الفريق المتعاون النصر، هل وعى لاعبو هاته اللعبة الدرس جيدا فطبقوه في كل حياتهم؛ ليرو ثمرة التعاون والإخاء وضرر الاستبداد والشقاق. وكذلك الشأن لغير اللاعبين ممن يصفون أنفسهم بالمشجعين؛ حيث ترى التناحر والسب والشتم والقذف ولعن الدين بينهم سمة مشتركة؛ لا تكاد الكلمات النابية تفارق ألسنتهم، و بعضهم يتلفظ بألفاظ كفرية. ومناصرة فريق وتشجيعه شيء والتعصب الأعمى والأنانية شيء آخر، هل التشيجع يقتضي اللعن والسب والشتم والضرب بالعصي والهراوات آخر المبارة؟!. أليس معنى الشقاق انعدام (الروح الرياضية) ومعناها حب الأنا والذات فقط، وأن ذلك المشجع ليس له من الرياضة ولا يستوعب منها ولا يستفيد إلا صراخا وعويلا وقذفا وخصاما وشجارا. وهكذا لم تعد مباريات الكرة لقاءات لتحقيق الأهداف السامية من الرياضة؛ إنما غدت مسرحا ولقاآت للحروب والمعارك، يسقط فيها الضحايا، وتؤسس فيها العداوات، وتشتت فيها الجماعات، وتنعدم فيها عرى القربات، ويغضب فيها المشاهد حمية وعصبية بمشاهد لم يغضب في مثلها لدينه قط أبدا في حاته، بل ويرفع القريب السكين على أخيه، ويهدده بالقتل أحيانا، كأنهم قد اختلفوا في قضايا مصيرية لأمة الإسلام؛ وما المسألة إلا رعونة وقلة وعي. أضف إلى ذلك ما يجري من سلوكيات تنعدم فيها المروءة ويقوم الإنسان بحركات تهوي به إلى دركات الأنعام. وليت العراك والشجار انحسر في أدراج الملاعب ومقاعد النوادي والمقاهي بل تجاوزه إلى البيوت؛ فكم مبارة كانت سببا في طلاق، وكم مبارة شغلت الزوج عن أهله وأطفاله أو العكس، بل ولم تسلم منها حتى مقاعد العلم والدراسة؛ وإن ما يدعو للغرابة حقا؛ أنني في السنة الماضية كنت بالمدرج في الجامعة في امتحان وخلفي ثلة يتحدثون عن بعض المباريات وما جرى فيها؛ بعد أن وجدو أنفسهم أمام ورقة الامتحان فارغة عقولهم من كل شيء اسمه العلم؛ إلا خصام وشجار حول مبارة أقيمت وانفضت. وكم مرة في المجالس بلغ الأمر حد العراك بالأيدي بسبب تعصب هذا لفريق وذاك لآخر، وهكذا يظل الشباب المغلوب على أمره المضيع لعمره بين سلسلة لا ينتهي مسلسلها؛ فكلما انفضت مبارة ابتدئت أخرى وهكذا، لتتجدد المعارك بعد أن خبت أو كادت؛ والمؤسف أن يظن الشباب الغافل أن تلك المباريات تقام لسواد عيونه؛ فيما هي لهدمه وتمزيق حياته، وتفكيك عمره؛ ومما ورد في )بروتوكلات حكماء صهيون) : «ولكي تبقى الجماهير في ضلال، لا تدري ما وراءها، وما أمامها، ولا ما يراد بها، فإننا سنعمل على زيادة صرف أذهانها، بإنشاء وسائل المباهج والمسليات والألعاب الفكهة، وضروب أشكال الرياضة، واللهو، وما به الغذاء لملذاتها وشهواتها، والإكثار من القصور المزوقة، والمباني المزركشة، ثم نجعل الصحف تدعو إلى مباريات فنية ورياضية». هكذا يخطط لنا بنو صهيون؛ وهكذا يسهرون لتمزيق المجتمع المسلم وإشغاله بالتفاهات حتى لا تقوم له قائمة، ولا يشتد له عود؛ فمن خدر بالخمر وأخواته فهو مخدر، ومن سلم من ذلك قل من نجا منهم من التخدير بالملاهي والملهيات، مع تسخير مختلف الوسائل لزيادة اللهو من صحف وجرائد ومجلات فضلا عن النشرات التي تلي المباريات لمزيد تزجية وقت فيما يدعونه التحليل الرياضي. وليت الأمر وقف عند اللهو بل وصل لحد الإعجاب والولاء بلاعبين أعلنوا عداءهم للإسلام وسخريتهم من نبيه المختار عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم، فتشبهوا ببعضهم وهم شواذ فيما قلدوا آخرين في شعرهم المنفوش وحركاتهم المخنثة، وألبستهم الضيقة، ظنا من المغلوب المولع بتقليد الغالب أنه يحسن صنعا. وليت المشتغلين بكرة القدم، الذين يضيعون ساعات من عمرهم كل يوم يمارسون ذلك بأنفسهم، لتجديد النشاط والحيوية للإقبال على العمل بجد ونشاط، لكن المغلوبين على أمرهم معظمهم ممن يقضي الساعات تلو الساعات في المتابعة عبر الشاشات مضيعا أثمن ما يملك جوهر الحياة الذي لا يقدر بثمن(الوقت)، فضلا عما في ذلك من تضييع للواجبات وصد عن ذكر الله وإقام الصلاة، حتى غدت كرة القدم صنم العصر المعبود من دون الله؛ فهل أنتم منتهون عن صنمكم؟. [email protected]