دائمًا في إطار سعينا لتسليط الضوء على ما جاءت به مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية المقدمة من طرف الحكومة، والمصوَّت على نصوصها من طرف مجلس النواب، والتي قد لا تخدم العدالة المغربية بقدر ما تسعى لتعليبها، وتقديمها للمحاكم في إطار إجراءات جديدة تجعلها أشبه بمصانع، هدفها إنتاج أكبر عدد من الأحكام في وقت وجيز. أغلب الملفات ستنتهي أمام المحاكم الابتدائية، بينما ستتمكن القلة منها من الإفلات من قيود الطعن بالاستئناف لتنتهي أمام محاكم الاستئناف، وستظل القضايا التي تتجاوز قيمة مطالباتها 80,000 درهم هي الوحيدة القادرة على الوصول إلى محكمة النقض. إلغاء الطعن بالاستئناف والنقض في الكثير من الملفات الصغيرة والمتوسطة ليس هو المقتضى الوحيد الذي يُظهر النية لدى واضعي هذه المسودة في تحويل المحاكم من منتجة للعدل والعدالة إلى وسيلة لتصريف الملفات بسرعة دون الاكتراث بجودة الأحكام، أو بحق كل طرف في الطعن والنظر في نزاعه عبر جميع المحاكم المتاحة. بل هناك مقتضيات أخرى نذكر منها اثنين في هذا المقال، لا يقلان خطورة عن ما سبق من النصوص في مشروع المسطرة المدنية التي ستضر بالكثير من المتقاضين المغاربة، وستؤثر بشكل واضح على جودة العدالة المغربية، وتشرعن تمييزًا قانونيًا جديدًا بين المغاربة على مستوى الحق في الطعون. ونستعرضهما في الفقرات التالية. الفقرة الأولى: خمسة عشر يومًا، هل تكفي للطعن بالاستئناف في أغلب الأحكام؟ تنص المادة 204 من مشروع المسطرة المدنية على ما يلي: "يجوز الطعن بالاستئناف في جميع الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى مع مراعاة مقتضيات المادة 93 من مدونة الأوقاف وباقي الحالات التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك. تستأنف الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى داخل أجل خمسة عشر (15) يومًا، يبدأ من تاريخ التبليغ. إذا تعلق الأمر بقضايا الوصية والميراث والعقار غير المحفظ، فإن استئناف الأحكام الصادرة في شأنها يجب تقديمه داخل أجل ثلاثين (30) يومًا من تاريخ التبليغ. يبتدئ أجل الاستئناف من تاريخ التبليغ إلى الشخص نفسه أو في موطنه الحقيقي أو المختار وفق مقتضيات المادة 86 أعلاه." هذه المادة تعدّ من بين أكثر المواد إثارة للجدل في مشروع قانون المسطرة المدنية، إذ تُقلص أجل استئناف الأحكام الابتدائية إلى 15 يومًا بدلاً من 30 يومًا، باستثناء الأحكام المتعلقة بالوصية والميراث والعقار غير المحفظ التي احتفظت بأجل الثلاثين يومًا. وهذا يعني أن الأحكام المتعلقة بنزاعات مدنية معقدة، والنزاعات الإدارية، وقضايا العقارات المحفوظة، وغيرها من الملفات المهمة، يجب استئنافها في غضون 15 يومًا فقط. فعلى سبيل المثال، إذا تبلّغ الموكل بالحكم اليوم، فعليه تكليف محامٍ في اليوم التالي، بينما يحتاج المحامي إلى تصوير وثائق الملف من المحكمة، وقد يواجه تأخيرًا لأيام لأسباب إدارية، مما قد يُهدر جزءًا كبيرًا من الأجل المخصص للطعن. وهذا يعني أن المحامي، حتى لو عمل بسرعة فائقة، قد يجد نفسه أمام أقل من عشرة أيام فقط لتحضير استئناف دقيق، يضمن للمحكمة النظر في جوانب العدالة المخفية في النزاع. الفقرة الثانية: خمسة عشر يومًا، هل تكفي للطعن بالنقض في بعض القرارات الاستئنافية؟ بقي المشرع في مسودة قانون المسطرة المدنية على الأجل المخصص للطعن بالنقض في أغلب الملفات، والمحدد في ثلاثين يومًا من تاريخ تبليغ القرار الاستئنافي للمحكوم ضده، وهو ما تنص عليه المادتان 380 و382 من المسودة. إلا أن المادة 289 من المسودة تنص على تقليص أجل الطعن بالنقض إلى 15 يومًا فقط في قضايا الأسرة والجنسية والانتخابات، والقضايا الاجتماعية، والأحكام الصادرة في الموضوع طبق مسطرة القضاء الاستعجالي. هذا المقتضى سيؤثر بشكل كبير على جودة الطعون المقدمة في هذه الملفات، خصوصًا وأن القضايا التي خُفض فيها أجل الطعن بالنقض غالبًا ما تكون معقدة، وتحتاج إلى وقت كافٍ لدراستها وتقديم طعن قانوني دقيق يليق بعرضه على محكمة النقض وقضاتها. فهل سيكفي أجل الخمسة عشر يومًا لطعن يقنع قضاة محكمة النقض بعدالة قضيته؟ مسك الختام إذن، هل الهدف من هذا المشروع هو تجويد عمل العدالة المغربية ومنح المغاربة مزيدًا من الحقوق في التقاضي والطعون، أم أن هناك توجهًا آخر يسعى لتخفيف الضغط على المحاكم عبر تسريع عملية التقاضي ولو على حساب جودة الطعون ودقة الأحكام؟ الحل الأمثل، في رأيي، هو الإبقاء على أجل الطعن في جميع الملفات لمدة ثلاثين يومًا، حفاظًا على حق المتقاضين في استئناف عادل، وتجنب التمييز بينهم في مدد الطعن بالنقض، مما يضمن العدالة لكافة المتقاضين دون استثناء. (*) محامي بهيئة الجديدة