لم يُفوّت عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، فرصة أول مرور له خلال الدورة التشريعية الخريفية للبرلمان أمام مجلس النواب، ليرد بلهجة قوية ومبطنة على ما أثاره التقرير السنوي الأخير لعام 2023 الصادر عن "الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها". وقال وهبي، متحدثا خلال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية بالغرفة الأولى من المؤسسة التشريعية مساء اليوم الاثنين (21 أكتوبر الجاري)، إنه يسمع كلاما كثيرا عن الفساد في كل شيء بالمغرب، على الرغم من أن المملكة لها ترسانة تشريعية مهمة ومصفوفة من القوانين في هذا الصدد. وأضاف وزير العدل أن "القائلين والمتحدثين عن انتشار واسع للفساد في المغرب عليهم أن يُبلغوا عنه أو يخبرونا على الأقل أين هو، كي نحرك المساطر ونتابع الأمر مع النيابة العامة المختصة.. ولا يمكن فقط الاكتفاء بإطلاق أقوال أن الحكومة فاسدة والبرلمان فاسد". "مسألة الفساد تطرح إشكالا كبيرا هو أن البعض يحاول إظهار المغرب على أنه كله فاسد من ألِفِه إلى يائه"، زاد وهبي، الذي عدّد ما قامت به الحكومة بخصوص إخراج قوانين غسل الأموال ونصوص قانون المسطرة الجنائية، فضلا عن إجراءات تعزيز الضمانات ومجموعة من الآليات لحماية حقوق الضحايا وكذلك الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الفساد.. وفي معرض جوابه عن سؤال آني قدمه فريق الأصالة والمعاصرة حول "الإجراءات المتخذة لمحاربة الفساد وترسيخ الشفافية والنزاهة"، رفضَ وهبي بشدة إطلاق اتهامات بالفساد على عواهنها، مبرزا أن "جريمة الفساد والتبليغ عنها تُشبه في أركانها القانونية الحديث عن جريمة القتل..."، في إشارة دالة منه على مجرد التبليغ عن الفساد والحديث عنه في بيانات وبلاغات فقط. وقال المسؤول الحكومي ذاته الوصي على قطاع العدل في نبرة حادة: "أما اللي جا يقولي الفساد... الذي يدعي الطهرانية خاصْ يعاود النظَر في راسو" (أيْ يجب أن يُعيد النظر في حساباته). وأكد وهبي، أمام أعضاء الغرفة الأولى، أن "المغرب دولة مؤسسات وقانون.. النيابة العامة تقوم بدورها، كما أن الأمن الوطني بدوره لا يدخر جهدا"، لافتا إلى "حتمية التبليغ بالتفاصيل وتحديد معالم جريمة الفساد وأين تذهب المليارات، لأن مؤسسات الدولة مسؤولة قانونيا وتتحرك وفقه". وبينما قالت نائبة من مجموعة "البيجيدي" إنه "بدل مهاجمة توصيات هيئة دستورية وجب تعزيز الإجراءات لتفادي تراجع المغرب في مؤشر إدراك الفساد"، رد وهبي على النائبة بعد إنهائها تعقيبها الإضافي بأن "عددا من الدول نزلت في مؤشر إدراك الفساد. أما الرشوة الانتخابية يصعب ضبطُها"، لافتا إلى أن "الحديث عن الشعارات سهل مثل الإثراء غير المشروع؛ بينما من الصعب توفير ضمانات ألا يُستخدَم ضد أي مواطن كيفما كان.. في ظل صعوبة إثبات أن هناك شُبهة جُرمية..."، معتبرا أنه "وجب حماية كل من المواطن والدولة على السواء". "التشدد" في الجرائم الإلكترونية في موضوع آخر أثاره الفريق الحركي مطالبا ب"تشريعات صارمة وحازمة"، ويتعلق ب"الجرائم الإلكترونية"، اعتبر وزير العدل أنه "موضوع مؤرق بالنسبة له كوزير ومسؤول حكومي في كيفية التعامل مع هذه النوعية من الجرائم التي تهدد ليس فقط الحياة الخاصة؛ بل تهدد الديمقراطية أيضا في مفهومها"، وفق تعبيره. وجدد وهبي، في جوابه، الإشارة الصريحة إلى "ضرورة التشدد في الجرائم الإلكترونية وعدم التساهل معه؛ لأن الأمر يتعلق، في الغالب، باحترام الحياة الخاصة للمواطنين". واستحضر وزير العدل أن "المغرب صادق، في ماي 2022، على البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقية بودابست حول محاربة الجريمة الإلكترونية، وحول محاربة العنصرية التي ترتكب عن طريق الإنترنيت، فضلا عن بروتوكول ثان يتعلق بالاتفاقية ذاتها". وتابع شارحا: "في بعض القوانين الوطنية، قُمنا بإرساء بعض الآليات المتعلقة بمرتكبي هذه النوع من المخالفات في علاقة بمتعهدي الاتصالات والخدمات الرقمية.. كما تم التنصيص على وسائل السمعي البصري في هذه الجرائم الرقمية والإلكترونية"، معرجا على البروتوكول الإضافي لتعزيز التعاون مع مزودي الخدمات، فضلا عن مجموعة إصلاحات ضمن منظومة القانون الجنائي سيتم الكشف عنها حين نقاشه التشريعي". "رقمنة قطاع العدل" خلال الجلسة ذاتها، أجاب وهبي عن سؤالين شفهيين -عادي وآني– بخصوص "رقمنة قطاع العدل والتنزيل القطاعي لمخطط الانتقال الرقمي"، كاشفا أنه "سيتم قريبا إطلاق التوجيهات الاستراتيجية للتحول الرقمي لمنظومة العدالة، والتي تهدف بالأساس إلى جعل المرتفق في قلب التحول الرقمي وتحسين علاقة المواطنين بالمحاكم من أجل إعادة الثقة في العدالة". كما أبرز المسؤول الحكومي عينه أن رقمنة العدالة، التي وصفها الوزير بأنها "من أعقد الملفات والأوراش الموجودة في الوزارة اليوم"، تهدف إلى ضمان الولوج العادل والمتساوي إلى المنظومة القانونية بالنسبة لجميع الأفراد؛ مع جعل الابتكار رافعة للتحول الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي لتسهيل عمل الإدارة القضائية. وعن حصيلة مشاريع التحول الرقمي عبر العمل بخدمات ومنصات إلكترونية لفائدة المتقاضين والمهن القانونية والقضائية والإدارات والمؤسسات العمومية ومختلف شركاء العدالة، قال وهبي إن "خدمة الحصول على وثيقة الجنسية المغربية عن بُعد سجلت، منذ انطلاق العمل بها في شهر يناير 2024 إلى حدود يوليوز 2024، 6727 طلبا إلكترونيا". أما "الأداء الإلكتروني لغرامات المخالفات والجنح المرصودة عبر الرادار الثابت، والتي تمت إحالتها على المحاكم وإصدار حكم قضائي في شأنها من خلال البحث برقم المحضر أو رقم بطاقة التعريف الوطنية، فقد سجلت هذه الخدمة إقبالا ملحوظا منذ إحداثها إلى حدود يوليوز 2024، حيث بلغت عدد عمليات الأداء 40.026 والمبالغ المستخلصة أكثر من 16 مليون درهم. وسجلت "خدمة السجل العدلي الإلكتروني" 60.613 طلبا واردا عبر تطبيق الهاتف المحمول للسجل العدلي الإلكتروني، وتم تسليم 51.332 مستخرجا للسجل العدلي عبر البريد الإلكتروني الخاص بصاحب الطلب. وحسب الوزير، فقد "ناهز عدد زائري موقع 'محاكم' (خدمة تتبع القضايا والملفات)، خلال سنة 2023، نحو 23 مليون مستعمل. أما بين يناير ويوليوز 2024 فسجل ما يعادل 12 مليون مستعمل".