الجزائر تكشف تورطها في ملف الصحراء بدعم قرار محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب    المغرب يحاصر هجرة ممرضيّه إلى كندا حماية لقطاعه الصحي        منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة…أسعار الغذاء تسجل أعلى زيادة شهرية    نتانياهو يصف دعوة ماكرون للتوقف عن مد إسرائيل بالأسلحة "بالمخزية والعار    صدمة في البرنابيو.. كارفاخال يعاني من إصابة مروعة        ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس بالجديدة نهائي النسخة ال7 من الجائزة الكبرى للملك محمد السادس للتبوريدة    طقس الأحد.. زخات رعدية ببعض مناطق المملكة    افتتاح المسبح المغطى السومي أولمبي بتاوريرت    أمام "سكوت" القانون.. "طروتينيط" تغزو شوارع الحسيمة        معرض الفرس الدولي في نسخته 15.. غاب عن فعالياته رواق وعروض ال DGSN    التونسيون يصوتون في انتخابات الرئاسة وأبرز منافسي سعيد في السجن    ترامب يعود لمكان محاولة اغتياله: "لن أستسلم أبداً"    23 قتيلا في غارات اسرائيلية على لبنان    جولة المفاجآت.. الكبار يسقطون تباعا وسطاد المغربي يتصدر الترتيب    انطلاق برنامج الحملات الطبية المصغرة لفائدة الساكنة القروية بإقليم إفران    مغاربة يحيون الذكرى الأولى ل"طوفان الأقصى" بمسيرة وطنية حاشدة    البرتغال تؤكد على الشراكة الاستراتيجية "الأساسية" بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    جمعية هيئات المحامين بالمغرب تدين بشدة العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان    أمن طنجة يحقق مع سيدة هددت شابة بنشر فيديوهات جنسية لها    نحو عشرة ملايين تونسي يصوتون في انتخابات رئاسية تبدو نتائجها محسومة    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    مضيان يقود لائحة كبار المغادرين لقيادة حزب الاستقلال وأدمينو أبرز الملتحقين    مغاربة ينعوون وفاة الفنانة نعيمة المشرقي: فنانة محترمة وماخذات حقها فالساحة الفنية (فيديو)    التعادل يحسم مباراة الحسنية والوداد    عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    هكذا علقت هولندا على قرار المحكمة الأوروبية وعلاقتها بالمغرب    رغم تراجعه عن مطالبته بوقف تسليح إسرائيل.. نتنياهو يهاجم ماكرون: سننتصر معك أو من دونك وعارك سيستمر لوقت طويل (فيديو)    منتخب U20 يواجه فرنسا وديا استعدادا لدوري اتحاد شمال إفريقيا    "أندلسيات طنجة" يراهن على تعزيز التقارب الحضاري والثقافي بين الضفتين في أفق مونديال 2030    ENSAH.. الباحث إلياس أشوخي يناقش أطروحته للدكتوراه حول التلوث في البيئة البحرية    إنزال كبير لطلبة كليات الطب بالرباط في سياق الإضرابات المتواصلة -فيديو-    حزب الله: التواصل مع صفي الدين "مقطوع"    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    مصدر ل"برلمان.كوم": المغرب يواصل تنويع شراكاته ويمدد اتفاقية الصيد مع روسيا.. وقرار العدل الأوروبية عزلها دوليا    الفنانة المغربية نعيمة المشرقي تغادرنا إلى دار البقاء    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة    وفاة الممثلة القديرة نعيمة المشرقي بعد مسار فني حافل بالعطاء    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)        استجواب وزيرة الانتقال الطاقي أمام البرلمان عن الفجوة بين أسعار المحروقات في السوقين الدولية والوطنية    الجامعة تحدد أسعار تذاكر مباراة الأسود وإفريقيا الوسطى        من قرية تامري شمال أكادير.. موطن "الموز البلدي" الذي يتميز بحلاوته وبسعره المنخفض نسبيا (صور)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″        وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السؤال المسؤول : مجاوزة طه عبد الرحمن لتاريخ السؤال الفلسفي!
نشر في هسبريس يوم 05 - 08 - 2009

الأصل في الفلسفة ليس السؤالية و إنما المسؤولية . ""
-نحن العرب نريد أن نكون أحرارا في فلسفتنا .
من المؤكد أن الفلسفة اشتهرت بممارسة السؤال، بل حتى الأجوبة في الفلسفة هي عبارة عن أسئلة ! و الهدف هو البحث عن الحقيقة و عدم الركون إلى أجوبة جاهزة .
لكن السؤال الفلسفي لم يكن شكلا واحدا، بل أشكالا مختلفة، أبرزها حسب الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن شكلان اثنان :
السؤال الفلسفي القديم الذي اختص به الطور اليوناني، حيت كان عبارة عن « فحص» بمعنى أن السائل يطرح على محاوره أسئلة تؤول في الغالب إلى إبطال دعواه . و خير شاهد على ذلك "السؤال السقراطي" نسبة إلى سقراط، فقد كان يبادر محاوره بسؤال عام عن مفهوم الفضيلة أو الخير أو العدالة مثلا، حتى إذا تلقى منه جوابا معينا ، ألقى عليه أسئلة أخرى قد تطول و تتشعب، يكون الرد عليها بالإيجاب، إعتقادا من محاروه أن هذه الأجوبة لا تخالف الجواب الأول، لكن سرعان ما يظهر سقراط لمحاوره تناقضه الصريح بين جوابه الأول و أجوبته اللاحقة !
السؤال الفلسفي الحديث الذي اختص به الطور الأوروبي، و هو عبارة عن« نقد» و مقتضاه حسب الفيلسوف طه :" أن لا يسلم الناظر بأية قضية كائنة ما كانت – حتى يقلبها على وجوهها المختلفة، و يتحقق من تمام صدقها، متوسلا في ذلك بمعايير العقل وحدها ". كما هو الشأن مع الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ، الذي كان لا يقف فقط عند حدود شروط المعرفة ، بل جعل من العقل نفسه موضع تفكير، و هذا ما تعبر عنه على الأقل عناوين ثلاثيته ( نقد العقل الخالص، نقد العقل العملي، نقد ملكة الحكم ) حتى أصبحت هذه الممارسة النقدية الكانطية تشمل كل شيء، و أصبحنا نحصي أعمالا تحمل في عنوانها لفظ النقد .
و الفرقبين«الفحص » و« النقد» ; ان الأول يوجب الدخول في الحوار و يقصد افحام المحاور، أما الثاني يوجب التفكير في المعرفة و يهدف إلى الوقوف على حدود العقل.
غير أن الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، الحاصل على جائزة الإسيسكو في الفلسفة و الفكر الإسلامي عام 2006، أسس لمرحلة جديدة من ممارسة السؤال الفلسفي، تتجاوز شكل الفحص و النقد معا، وهذا الشكل الأحدث للسؤال الفلسفي هو ما يسميه في" كتابه الحق العربي في الإختلاف الفلسفي" ب« السؤال المسؤول» أي « السؤال الذي يسأل عن و ضعه كسؤال بقدر ما يسأل عن موضوعه » و بيان ذلك أن الفيلسوف لا يسأل لأنه يملك زمام السؤال و يلقي بزمام المسؤولية على غيره، بمعنى أنه يضع سؤاله عما شاء و حيثما شاء و متى شاء و لمن شاء، و لكن لأنه مسؤول عن كل أفعاله بما فيها سؤاله، فكل فيلسوف يسأل ( بفتح الياء) لأنه يسأل (ضم الياء)، ووجود سؤاله من وجود مسؤوليته .
منهنا استنتج طه عبدالرحمنأن الأصل في الفلسفةليسالسؤالية و إنما المسؤولية .
و يبقى الغرض الأساس من هذه النتيجة هو تبيان صاحب مؤلف " سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية " أن ممارسة السؤال هي في عمقها مسؤولية أخلاقية . و معلوم أن طه عبد الرحمن يشير في أغلب كتبه و لقاءاته أنه لا تفلسف بدون تخلق.
هاهنا أصبح لدينا تعريف جديد و نظرة مغايرة لتعريف الفلسفة و الفيلسوف، لا تشبه تلك التي رسخ عليها تاريخ الفلسفة. فالفيلسوف الحق مع طه ليس هو الذي يهيم في واد النقد، بل هو الذي يكون نقده مسؤولا، لا يركن إلى الاعتقاد في نفسه فضلا عن عدم الركون إلى العقل بما هو وسيلته الخاصة . بمعنى أنه لا يكتفي بنقد العقل كما حصل مع كانط ، بل يتعداه إلى نقد نقده . لذلك فالعقل عند طه عبد الرحمن ليس هو العقل الفاحص ولا العقل الناقد، إنما هو «العقل المسؤول» أي أن العقل هنا يصبح مناط التكليف !
و إذا تقرر هذا التعريف الذي قدم للفيلسوف الجديد (لسائل المسؤول) ظهر أن الفيلسوف العربي الجديد ليس هو الذي يخوض في أي سؤال ولا ذاك الذي يخوض في سؤال غيره ، تقليدا له . و إنما هو الذي لا يسأل إلا السؤال الذي يلزمه و ضعه و يلزمه الجواب عنه . و هذا لا يمكن أن يتم حسب الفيلسوف طه عبد الرحمن إلا عن طريق تحرير القول الفلسفي العربي من تبعيته و فتح آفاق الإبداع فيه .
الأمر الذي جعله يقر بحاجة الفيلسوف العربي الجديد إلى استشكال مفهومين ليس اضر منهما تسلطا و تجميدا على القول الفلسفي العربي، هما : « الفكر الواحد » و« الأمر الواقع» .
أ مفهوم « الفكر الواحد» ، الذي أفرزته ثقافة واحدة، بالسلطان لا بالبرهان، و هي ثقافة الأقوى اقتصاديا و سياسيا، و ليس أضر على الفلسفة من أن يهيمن عليها فكر واحد، لهذا وجب على الفيلسوف العربي أن يشتغل بنقد هذا الفكر الواحد الذي أخد يتغلغل بقوة بين بني قومه، يقطع و ينزع عنهم التميز و الإبداع و أسباب العطاء .
هنا و ضع الفيلسوف المسلم طه عبد الرحمن جانبين أساسيين يخل بهما مفهوم الفكر الواحد(رغم أني أفضل نعته بحركة الفكر الواحد).
أحدهما : أن هذا الفكر يعارض مبدأ المسؤولية الذي تتحدد به الفلسفة، فلا مسؤولية بدون الخروج من التبعية الفكرية.
والثاني : أن الفكر الواحد يفضي إلى نقيض المقصود من حيت أنه يسعى إلى المقصود. لأن فعل التفلسف أظهر في الاختلاف منه في الإجماع.
ب- استشكال « الأمر الواقع » و هو مفهوم سياسي هدفه بسط هيمنة سياسية مخصوصة، تملي على الفلسفة مقولاتها و شروطها أو تخضعها لتوجهاتها ،و هذا حتما سيسوق الفلسفة إلى الموت المحتوم .
لذا، فان أحد وجوه المسؤولية حسب الفيلسوف طه هو نقد هذه المقولة نقدا مسؤولا يكون بتوضيح أن مقولة الأمر الواقع تخل بشرط التفلسف على الأقل من جانبيين إثنين ..
أحدهما، أن الأمر الواقع يضاد مبدأ الاعتراض الذي تقوم عليه الفلسفة. فالواقع حادث، والحادث لا ضرورة فيه، لا يحتمل أن يبقى على الوجه الذي حدث به و أن ينتقل إلى وجه سواه . و بفضل هذا يحيي الفيلسوف طه عبد الرحمن في مقولة الأمر الواقع مقولة أخرى و هي " الواقع يتغير" .
و الثاني، أن الأمر الواقع لما كان مفهوما سياسيا تحكمه المصلحة و القوة، فهو يخالف مبدأ الحق الذي تدعو إليه الفلسفة، لأن المصلحة التي لا تقوم على الحق فهي ضرر، و القوة التي لا تقوم على الحق فهي لا تكون إلا ضعفا، ولا بد للضعف أن يزول حالا أم مستقبلا، و لا بد للضرر أن يزول، عاجلا أم آجلا.
وهذا النقد لمفهومي " الفكر الواحد" و " الأمر الواقع" هو في الحقيقة اشتغال من الفيلسوف طه عبد الرحمن على انتزاع حقه في أن تختلف ممارسته الفلسفيه عن نموذج الفلسفة المعلومة التي يقر أهلها انها أمر واقع و فكر يجري على الأمم كافة ، رغم أنهم في فلسفاتهم يتبجحون بمفاهيم الاختلاف و غيرها، لكنهم ينكرون الاختلاف مع هذا النموذج الفلسفي !!
ومن ثم ، فكما أن الاختلاف الثقافي حق مكفول لجميع أمم المعمور، فكذلك حق الاختلاف الفلسفي ينبغي الإقرار به للجميع, و نحن العرب – يقول طه عبد الرحمن- نريد أن نكون أحرارا في فلسفتنا ، و ليس من سبيل إلى ذلك إلا الاجتهاد في إبداع فلسفة خاصة بنا، و النظر في تلك الدعاوي التي تحول دون ممارستنا لحريتنا الفكرية، و يأتي في مطلعها القول بأن الفلسفة معرفة عقلية تشمل الجميع، أي أن الفلسفة معرفة كونية .
وإيمان طه عبد الرحمن الراسخ بحق كل قوم في الاختلاف الفلسفي، جعله يؤمن بحاجة الأقوام جميعا إلى دخولها في علاقات حوارية بعضها مع بعض، لأن الاختلاف يوجب الحوار، و الحوار إنما هو تواصل السؤال.
[email protected]
http://elhamribadr.blogspot.com

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.