"كذب المنجمون ولو صدقوا" قول مأثور نسمعه في بداية كلّ سنة جديدة.. المنجّمون الذين يهدّدهم هذا القول في مصدر رزقهم سيحتجّون ويعتبرون أنّه أصلا يتناقض مع نفسه، المتدينون سيغلقون باب التأويل ويقولون: "لا يعلم الغيب إلاّ الله" المحلّلون النفسيون سيرون أنّ "هناك دائما حاجة عند الفرد لمعرفة ما يخبؤه له المستقبل" و سيتمّم لهم السوسيولوجيون الفكرة بأنّ " هذه الحاجة تترتب عنها ظواهر اجتماعية تستدعي الدراسة والتحليل" في حين سيحاول الاعلاميون استغلال الظاهرة برمتها للرفع من رقم المبيعات ولاستقطاب قراء جدد.. أمّا القراء والذين لا يقرؤون فسيردّدون مع أنفسهم الجملة نفسها التي يردّدونها كلّ عام: "تنسحب سنة و تحلّ محلها أخرى، فماذا تخبئ لنا السنة الجديدة يا ترى؟" الناس الذين يستقبلون السنة الجديدة ينقسمون إلى صنفين، صنف عقلاني وصنف لاعقلاني، الصنف العقلاني سيحتكم إلى المنطق ويخضع الموضوع للتحليل، فالعقلانيون يأخذون بعين الاعتبار كلّ الاحتمالات. أمّا الآخرون أي اللا عقلانيون أو الأقلّ قدرة على استعمال العقل فسيفضلون "اقتناء" أجوبة معدّة سلفا عن أسئلتهم المتعلقة بما يخبؤه لهم الدهر وذلك من سوق أبراج الحظّ حيث تعرض بضائع متنوعة تستجيب لحاجيات هذا النوع من المستهلكين .. بضاعة الكشف عن الآتي يمكن العثور عليها في صفحات الجرائد الصفراء و حتى البيضاء، في المجلات الفنية، في مواقع التكهنات المستقبلية أو ببساطة عند "الشوافة" المقرفصة أمام أوراق اللعب بساحة جامع الفنا.. مبكّرا سوف نتعرف على علم التنجيم البابلي وذلك خلال عصر مجلة "الموعد" و"nous deux" و"ماري كلير" و"نورا" وروايات "هارلوكان" و "عبير"، كان مسلّيا أن نكتشف أنّ هناك من له القدرة على التنبؤ بما سيحصل لنا خلال الأسبوع القادم .. مثلث النبوءة كانت له ثلاث زوايا : زاوية الحب و زاوية العمل و زاوية الصحة (الشوافة بجامع لفنا لا تخرج كثيرا عن القاعدة وهي تردد "ها قلبي ها تخمامي ها ما يأتيني الله") فعند انتهائنا من قراءة أخبار النجوم كنّا نتوقف عند الصفحة الأخيرة حيث كان لنا موعد مع خانة الحظّ والأبراج التي كانت تدسّ بين النكت والكاريكاتير وأحوال الطقس وبرامج التلفزيون.. منذ البداية راق لي أن يكون برجي هو برج الحوت لسبب بسيط هو أنّني كنت أحبّ أكل السمك وأحبّ البحر وأحبّ اللون الأزرق وأجد أنّ تلك المخلوقات المنفلتة التي تسبح طيلة حياتها، لها رشاقة لا متناهية بالإضافة إلى ذلك كان "الحوت" يبدو لي برجا مائيا له بعد جمالي مقارنة مع أبراج سيئة السمعة مثل "برج العقرب" الترابي الذي يلدغ من يقترب منه أو أبراج عدوانية ومعتدّة بنفسها مثل "الأسد" و"الثور" أو أبراج قد لا تناسب كلا الجنسين مثل "برج العذراء" أو أبراج مستضعفة تقدّم نفسها كضحية لبعض الذئاب مثل برج "الحمل" ثم هناك أبراج جدّية أكثر من اللازم يفترض فينا أن نستحقها مثل "الميزان" إذ يصعب على أصحاب برج الميزان أن يخلّوا بالميثاق الذي وقعوه مع برجهم النزيه.. ثمّ إنّ برج الحوت يوجد في أخر قائمة الأبراج بما يعني الكلمة الأخيرة ستكون له بالتأكيد ومن أجله أعتقد جاء المثل القائل: "ختامه مسك" ذات مرّة أخبرت أحد الأصدقاء أنّني وزوجي وابني الصغير جميعنا من برج الحوت فضحك بشدّة وقال: "شواية ديال السردين صافي"