للخرافة والجهل عيدهما. في هذا العيد تعرف بعض المواد الغريبة بمكوناتها وأسمائها رواجا كبيرا، وتتسارع الخطوات نحو أسواق بعينها من أجل تحقيق طلبات فئة معينة من الأشخاص أغلبهم نساء. ليلة عاشوراء تتواتر خلالها الطقوس والطقوس المضادة.. بعضها يدفع نحو التنافر وأخرى نحو التقارب، خلال كل طقس تتأجج عواطف الفاعلين في انتظار استجابة المفعول بهم. تتصاعد أدخنة الأبخرة المنفلتة من «المجامر» الصغيرة، ومع بلوغها مستويات متقدمة من السماء تتوهج قلوب خافقة توهج العجلات المطاطية التي تنهي الليلة المعلومة بأدخنة سوداء تتعقب دخان «المجامر»، وقفزات بهلوانية للأطفال. سألتها إن كانت تحتفظ ب «شرويطا»، ردت عليها بأنها تحتفظ ب «شرويطات» كل واحدة تتعلق بمناسبة معينة، فطلبت منها صديقتها أن تستعد أحسن استعداد، فعاشوراء على المشارف و«سحور» هذه الليلة يدوم سنة كاملة ولا تقوم المرأة بتجديده إلا بعد عام. «شرويطة» حسب الطلبحليمة التي تبلغ من العمر ثلاثين سنة والمتزوجة منذ خمس سنوات، لا تتوفر على «شرويطا» واحدة، بل تتوفر على عدد كبير من ال«شرويطات». عدد يرتبط بعدد معاشرتها لزوجها، جمعتها كلها في قفة واسعة وحرصت على وضعها في «السدة». قبل زواجها وانتقالها إلى بيت الزوجية بأسبوع .طلبت منها والدتها أن تحتفظ بمني زوجها بعد كل معاشرة، بل عليها أن لا تشعر بالتعب أو الملل لأن ذلك سينفعها في أعمال تطويع الزوج!!.في كل مناسبة كانت تستغل «شرويطة» من تلك التي جمعتها في أعمال السحر، وكانت تدعي أن تلك الأعمال تكون السبب في تطويع زوجها، لكنها في بعض الأحيان كانت تصرح أن السحر الذي كانت تقوم به كان يقلب عليها، وبالتالي فزوجها كان عوض أن يعاملها بحنان وبكل ود، كان يعنفها أشد تعنيف. للضرورة أحكام كما تقول فزوجها منذ فترة وهو منشغل عليها بشيء ما، وتعتقد أن هذا الشيء هو وجود امرأة أخرى في حياته، وبالتالي تريد أن تخضعه وتعيده إلى بيت الزوجية مهما كلفها ذلك من ثمن.بحثت في قفتها عن «شرويطة» المناسبة. «الشوافة» التي زارتها اشترطت عليها قبل بدء العمل أن تكون «شرويطة» خاصة بمعاشرة جنسية حدثت فجرا. بحثت طويلا داخل قفتها وعثرت على الطلب أو هكذا كانت تعتقد، فحملت المطلوب على عجل إلى «الشوافة»، إذ لم يبق على التاسع من شهر محرم إلا بضعة أيام، والطلب على هذه «الشوافة» وغيرها كبير، وبالتالي عليها أن تكون واحدة من المستفيدات من «بركات» الليلة. «شوافة لمدينة لقديمة» دكان ضيق يكاد لا يسع لثلاثة أشخاص، هناك تجلس «الشوافة الحسنية» في إحدى زوايا ذلك الدكان الذي تنبعث منه رائحة كريهة. كانت مستعدة لاستقبال الزبونات وكذلك الزبناء، وإن كانت قد خصصت الأيام التي تسبق عاشوراء لاستقبال النساء اللواتي يردن إنجاز عمل للزوج مستعينات ب «شرويطة». كانت الساعة السابعة صباحا عندما بدأت «الحسنية» باستقبال زبوناتها.. بفتح باب دكانها الذي يقع أسفل منزلها المتهالك بالزنقة الضيقة «المعيزي» بالمدينة القديمة. عدد كبير من النساء حرصن على الحضور في ساعة مبكرة. وقفن في طابور طويل أمام باب الدكان الضيق في انتظار أن تتكرم «الحسنية» وتبدأ باستقابلهن «فدقتها ما كات تنوضش»، كما تقول زبوناتها. أغلب هؤلاء النسوة من الوفيات لخدمات «الحسنية»، يعرفن أنها لن تبدأ باستقبالهن إلا بعد الساعة السابعة صباحا، وإلى حدود الخامسة مساء بدون انقطاع، اللهم خلال أوقات الصلاة، فإنها تتوقف قبل الآذان بنصف ساعة وبعده بنفس التوقيت. حليمة واحدة من زبونات «الشوافة» استيقظت باكرا حتى لا يفوتها الموعد لكنها رغم ذلك حضرت متأخرة بعض الشيء مقارنة مع النساء الأخريات، فكان ترتيبها متأخرا. اتخذت مكانا لها وسط النساء ممسكة بإحكام ورقة مدونا عليها رقم ترتيبها، وفي اليد الأخرى كيسا بلاستكيا بني اللون داخله توجد «المعلومة» كما تلقب بذلك «شرويطا»، كأنها تخاف أن تضيع منها. الوقت الطويل الذي قضته في انتظار السماح لها بالدخول إلى «الحسنية» سمح لذاكرتها باسترجاع مسار حياتها إلى غاية وصولها إلى هذه «الشوافة» المشهورة. «الشرويطة في لمجمر»يدفع الجهل العديد من النساء إلى تصديق الخرافات التي ترويها بعض النساء اللواتي يشتغلن كعرافات ويتخذن من هذه المهنة موردا ماليا. وحتى تكتمل عملية الاحتيال فإن العرافة تفرض على الزبونة تزويدها بمواد معينة دون غيرها حتى تثبت لها فعالية العمل الذي تقوم بها، والذي يكون موجها في غالب الأحيان إلى الرجل سواء كان زوجا أو عشيقا. تستعمل عدة مواد في هذا الطقس من الشعوذة وهي المواد التي يكثر عليها الطلب في هذه الليلة، فباستثناء «الشرويطة» التي يجب أن توفرها المرأة المعنية بهذا الطقس، هناك مواد أخرى يتم اقتناؤها من بائعي الأعشاب ومحترفي العطارة مثل «شدق جمل» و«المسكة» (العلك) و«سيلسيون»، بالإضافة إلى «اللك»، وهي مادة برتقالية اللون، وبعد تجميع هذه المواد يتم إلقاؤها في المجمر!! بعض العرافات يزدن تفاصيل أخرى خلال هذه العملية منها استعمال أصابع شمع بلون بشرة الرجل المستهدف.ولكل «فقيه» و«شوافة» طريقة خاصة، فالشوافة «الحسنية» بعد أن استعملت «شرويطة» الفجر في عملها السحري الذي تدعي أنها تجيده، طلبت من حليمة أن تكمل مسلسل شعوذتها ودجلها في البيت وبدونه لن يكتمل المراد فقد قالت لها بالحرف «سيري لدار وديري شمعة وكاس جديد وسبعات لحبات ديال لحرمل ومقيلة جديدة وشرويطا ديال عيد لكبير»، وأضافت مستسرلة «حطي لمقلة فوق بوطا على عافية متوسطة وحطي فيها شمعة ملي كدوب حطي فيها شرويطا كتبقاي تقلبي فيها بمعلقة العود حتا كتشرب داك شمع دايب، كتهزيها وهيا سخونة وتحطيها فالكاس وتشعليها. كتبقا شاعلة مدة طويلة بحال فتيلة»، واستدركت قائلة، «نسيت ماقلتش ليك كتديري سبعة الحرملات تحت لسانك عاد كتبداي العمل ملي كتشعلي لفتيلة كترمي الحرملات معاها».دونت حليمة جميع طلبات ورغبات «الحسنية» في ذاكرتها استعدادا لليوم المشهود الذي سيكون لا محالة ليلة عاشوراء أي التاسع من شهر محرم الجاري. كان لا بد أن تقدم حليمة ل«الحسنية» «لبياض» في شكل ورقة من فئة 100 درهم، وضعتها «الشوافة» تحت فخذها، قبل أن ترمي حبوبا من الحرمل و«جاوي» في المبخرة، يتصاعد الدخان ويختلط مع رائحة الشمع المحروق، وتدخل المرأة الموالية. «الثقاف» وحل المربوط المهدي شاب لا يتعدى عمره أربعا وثلاثين سنة، موظف في القطاع العام، وجد نفسه بين ليلة وضحاها يعاني من الضعف الجنسي. يقول » كنت في صحة جيدة مع زوجتي السابقة فقد كنت أتمتع بفحولة عارمة، لكن بعد طلاقي منها بدأت أعاني من العجز الجنسي». وعوض أن يبحث المهدي عن علاج مرضه لدى أطباء نفسيين وأطباء في الأمراض الجنسية، أرجع عجزه إلى زوجته السابقة التي حسب قوله قامت ب «تثقيفه» ليلة عاشوراء الماضية مستعينة ب «شرويطة». دليل المهدي على ذلك هو ما أخبره به «لفقيه» الذي قصده بحثا عن حل لمشكلته، رغم أنه أكد أن حالته لم تتحسن بعد خضوعه لعدة حصص من العلاج لدى الفقيه المذكور. هكذا يقول علماء الجهل إن «الشرويطة» لا تستعمل في ليلة عاشوراء لإخضاع الزوج أو الحبيب فقط، إنما كذلك يدخل «الثقاف» من اختصاصها، و«الثقاف» يعني في المجتمع المغربي، العجز الجنسي الذي يصيب الرجل بحيث نجد أن «الثقاف» يمنع عضو الرجل الجنسي من الانتصاب، فتستحيل ممارسة العملية الجنسية مع المرأة ، كما يعتقد أن الثقاف يصيب المرأة ويجعلها هي أيضا باردة جنسيا وتمتنع عن ممارسة العملية الجنسية. ويتم حدوث الثقاف للرجل والمرأة عن طريق ممارسة مجموعة من الطقوس السحرية يتم فيها استخدام الجن لإصابة الرجل أو المرأة بالعجز الجنسي.يقول «سعيد»، وهو «فقيه» معروف في منطقة «العراكات»: «هناك عدة مواد مختلفة تستعمل من أجل ربط الرجل عن معاشرة النساء، وفي ليلة عاشوراء، قد تعمد بعض النساء على القيام بهاته الطقوس، لذلك يتعمد بعض الشباب إشعال «الشعالة» مستعينين بالعجلات المطاطية لأنه في المعتقد أن الدخان المتصاعد من هذه العجلات يفسخ السحر كيف ما كان نوعه». دكاكين «العراكات» بدرب سلطان بالدارالبيضاء تعرف إقبالا كبيرا من طرف النساء الشابات خلال الأيام القليلة التي تسبق عاشوراء، فهذه الفترة بالنسبة لهن مهمة، فهن يعتقدن أن السحر يدوم سنة كاملة. ف «لفقيه سعيد» يبيع لهن الثعالب المحنطة و«تاتا» (الحرباء) والفئران المجففة وجلد الضبع وجلد «الحلوف»، القنفذ المحنط وطير الليل (الخفاش)، وكل هذه المواد تستعمل في «السحور» الخاص بجلب الحبيب أو تقريب المحب أو «القبول» أو فك السحر. «لكارطا» ليلة عاشوراء بمارشي «جميعة» تصطف غرف قصديرية ضيقة المساحة، تطل منها نساء من مختلف الأعمار من وراء ستارات اختفت ألوانها وتوارت خلف الأوساخ العالقة بها، عندما تبدأ تجارتهن في البوار يرفعن الستار وينادين على كل فتاة أو امرأة تمر أمام أبوابهن، لكن هذه الأيام ومع تزايد الطلب فإنهن لا يجدن الوقت لتلك الإطلالة السريعة من جانب الستار. امرأة يفوق عمرها الخمسين سنة وأثر العياء باد على بشرتها السمراء، غرفتها ضيقة لا تكاد تسع النساء الثلاث اللواتي قصدنها. بعد جلوسهن سألتهن عن المراد، وكان الجواب «نشوفو لختي باش نشوفو مرة أخرى واش ديرو شرويطا ليه ولا لا». جلست فوق زربية بالية وقربت إليها طاولة صغيرة كانت أمامها، وبدأت بترتيب أوراق «لكارطا». قامت الشوافة بخلط أوراق «الكارطا» بحركات سريعة ومدتها للزبونة الجالسة أمامها بعد أن قالت لها «خوذي أبنتي ما تخافيش»، طالبة منها اختيار ورقة منها. وبعد أن اختارت الورقة وقدمتها ل «الشوافة». غيرت هذه الأخيرة ملامح وجهها، قبل أن تقول لها «خصك تبالي براسك، راه لفريخ يطير من لعش أبنتى». خلطت «الشوافة» «لكارطا» من جديد وخلطتها في حركة سريعة، ثم وزعتها على مرافقتها التي كانت متلهفة لمعرفة مستقبلها وقالت: «هذا تخمامي» ثم عاودت نفس الحركة وقالت وهي تضع يدها على المجموعة الأخيرة من الأوراق «هذا باش يأتيني ربي».بين الفينة والأخرى تتوقف عند ورقة معينة لتقرأ من خلالها ما يبدو أنه معنى تشير إليه، وبعد أن انتهت من تشخيص حالة الزبونة من خلال قراءة تخمامها» وتحديد أسباب ومصادر ما تعانيه، حددت المشكل وبالطبع الحل في «الشرويطة».