خلّفت السيول والأمطار الطوفانية، التي عرفتها مناطق عديدة من الجنوب الشرقي للمملكة منذ أيام، أضرارا متباينة بعدد من المنازل والقصور والقصبات المأهولة بالسكان والمشيدة منذ مئات السنين؛ تتوزع ما بين انهيارات كلية بالدور أو أجزاء من الأسوار، أو تشققات وتصدعات تصعب إيواء المواطنين من جديد داخل هذه القصور والقصبات. ولم تنتظر فعاليات مدنية من المناطق المتضررة الكثير من الوقت حتى ترفع مطلبها بالتعجيل بإصلاح ترميم المنازل والقصور والقصبات المتضررة من الفيضانات الأخيرة التي وصفت بغير المسبوقة، وتعميم مشاريع الترميم المنفذة ضمن البرنامج المستدام لتثمين القصبات والقصور على باقي قصور وقصبات المنطقة؛ "تجنبا لكلفة بشرية ثقيلة من جهة، وحفاظا على الكنز الثقافي والتاريخي الذي تمثله الأخيرة بالنسبة للمنطقة من جهة ثانية"، مؤكدة أن "الحاجة إلى هذا التعميم تفاقهما التحذيرات المتوالية التي نسمعها من قبل متخصصين في المناخ من كون المناطق التي قاست الجفاف طويلا مُقبلة على أمطار طوفانية مماثلة للتي قضت مضجع المغرب الشرقي قبل أسبوع". ولفتت الفعاليات، التي تحدثت لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن "قلة ذات اليد أرغمت العديد من سكان القصور والقصبات على المكوث في المنازل، ولو أن الفيضانات الأخيرة قد فاقمت من وضعيتها المهترئة؛ ما يجعل تفادي حصيلة بشرية ثقيلة مستقبلا يبدأ من الآن عن طريق تعميم عمليات الترميم". وفي هذا الإطار، ذكر عبد الرحيم العثماني، مستشار جماعي بجماعة تاكونيت إقليم زاكورة، بأن "النشرة الإنذارية التي أصدرتها المديرية العامة للأرصاد الجوية قد استنفرت السلطات بالجماعة التي سارعت إلى إخلاء سكان القصور والقصبات الموجودة على جنبات الأودية والشعاب؛ وهو ما جنب تسجيل خسائر في الأرواح". وأردف المستشار الجماعي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس، أن "الحصيلة المادية كانت كبيرة، حيث تعرضت عشرات المنازل الطينية بقصور وقصبات الجماعة إلى انهيار كلي أو تشققات تهدد بانهيارها في أية لحظة؛ وهو ما يجعلها غير صالحة للسكن". وسجل العثماني أنه "من بين القصور المتضررة جراء الفيضانات الأخيرة يبقى قصر بني صبيح الوحيد الذي تمت برمجته للاستفادة من مشاريع الترميم المندرجة في إطار البرنامج المستدام لتثمين القصبات والقصور، ولم يتم بذلك إلا في مطلع العام الجاري"، مسجلا أن "التأخر في الشروع بترميم هذا المعلمة المأهولة بالسكان والتي يعود تاريخ تشييدها إلى عهد المرينيين قد ساهم في تحويلها إلى دمار شبه كامل في غضون أيام من السيول والفيضانات". وناشد المتحدث ذاته "المسؤولين عن البرنامج المستدام لتثمين القصبات والقصور وشركائه من أجل التعجيل ببدء أشغال ترميم هذا القصر والقصور المتضررة الأخرى، خصوصا بني هنيت وآيت الربع والبليدة، تفاديا لتمدد عدد البنايات والمرافق المنهارة بها، وتعميم عمليات الترميم على باقي قصور المنطقة، خاصة أن التحذيرات التي يطلقها المتخصصون من فيضانات مماثلة قد تجتاح المناطق التي عمر بها الجفاف طويلا تجعلنا نؤكد أن كل قصر أو قصبة بالمنطقة مهدد بأن يصبح "بني صبيح" آخر". وأكد المستشار الجماعي بجماعة تاكونيت أن "المئات سكان هذه القصور والقصبات مضطرون إلى البقاء في منازلهم الآيلة للسقوط بسبب قلة اليد، على الرغم من مشاهد الدمار التي عايشوها بعد الفيضانات الأخيرة؛ ما يعني أن تجنب حصيلة بشرية ثقيلة يقف حصرا على الشروع بأشغال الترميم"، مسجلا "ضرورة مد شبكات التطهير السائل وتصريف مياه السيول بالقصور والقصبات التي أثبتت الدارسات التقنية إمكانية ربطها بها". من جانبه، قال محمد لمين لبيض، ناشط بيئي وحقوقي بالمنطقة، إن "الأمطار الطوفانية الأخيرة قد عرت اهتراء العديد من القصور والقصبات بالمنطقة، خصوصا تلك المشيدة داخل الواحات التي انهار عدد من منازلها بالكامل وأصيبت أخرى بانهيارات جزئية وتشققات جعلتها غير قابلة للسكن"، لافتا إلى أن "الترميم كان سيخفف من هذه الخسائر المادية، لا سيما أنه يرافق بإحداث مسالك ومجارٍ لتصريف مياه السيول". وأكد لبيض، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "القصور التي شملها البرنامج المستدام لتثمين القصور والقصبات بمشاريع الترميم معدودة على رؤوس الأصابع؛ ما يجعل عشرات قصور وقصبات المنطقة معرضة لأخطار انهيار أجزاء كبيرة من أسوارها ومبانيها، في حال تم تسجيل أمطار طوفانية مماثلة". ونادى الناشط الحقوقي والبيئي ذاته "بضرورة تعميم الترميم على كافة هذه القصور لتجنب تسجيل خسائر بشرية، والمحافظة على الكنز المادي والثقافي الذي تشكله بالنسبة للمنطقة؛ فلا يعقل أن يأتي فيضان مستقبلا ليحول قصورا عمرها 400 سنة، كقصر تانسيطة أخشاع على سبيل المثال، إلى أنقاض في غضون أيام". جدير بالذكر أن جريدة هسبريس الإلكترونية حاولت ربط الاتصال بالمدير الوطني للبرنامج المستدام لتثمين القصور والقصبات للحصول على توضيحات بخصوص خطط البرنامج للتدخل بالقصور والقصبات المتضررة، و"تعميم الاستفادة من الترميم على كافة المنطقة"، وفقا لمطالبات الساكنة؛ إلا أنه لم يتسن لها ذلك.