يعني التشهير ببساطة، السعي إلى إلحاق الأذى الرمزي أو المادي، أو هما معا، بالأشخاص والهيئات، عبر التجسس على حيواتهم الخاصة والتلصص على حميمياتهم وأسرارهم الذاتية، والعمل على نشرها، بعد تمطيطها وتضخيمها والتصرف فيها والنفخ في جوانبها، من طرف من يهمهم التشهير بها، وتسليط الأضواء عليها؛ كل ذلك لغاية واحدة، هي النيل من الأشخاص أو الجهة التي يعنيهم التسميع بها، ما يعني أن عملية التشهير، بهذا المعنى البئيس والحقير، هي صورة من صور التوحش والتردي والسقوط الأخلاقي والقيمي، التي يختارها بعض الأشخاص أو تختارها بعض الهيئات، أسلوبا للتخلص ممن تعتبرهم خصوما مزعجين، أو أعداء يجب إبعادهم وإخراس أصواتهم عبر التسميع بهم، وتشويه سيرهم الشخصية والعائلية، وعبر اختلاق كل ما يمكن وما لا يمكن، من الحكايات والمزاعم والترهات والأكاذيب، التي تتناسل بلا نهاية. واضح طبعا، أن عمليات التشهير، بهذا المعنى اللئيم، ما كان لها أن تتواجد وتنتعش وتتلاحق، لولا وجود عاملين اثنين، على الأقل: الأول: ويتعلق بصانعي هذه الأشكال من التشهير، ومن يقف وراءها ويتعهدها، ويدفع بها في الاتجاه الذي يريده أو يريدونه، لأغراض تتعدد وتختلف، فيها السياسي والاقتصادي والمهني والعائلي وغيرها، والغاية واحدة، هي الإجهاز على من يعتبر خصما يتحتم إبعاده والقضاء عليه. ولأن التشهير بهذا المعنى، سلوك منحط، فإنه غالبا ما يتم وراء حجب وينشط في السراديب الخلفية، وتتم ترجمته بالوكالة، ولذلك يصعب تحديد مصادره وصناعه غير المباشرين، الذين يعمدون إلى إثارة الزوابع وألوان من الضجيج حول الأشخاص المعنيين بعملية التشهير، تمهيدا لقتلهم المعنوي والمادي، ثم يختفون في صمت، دون التمكن من تحديد هوياتهم بالضبط، من هم، ولماذا كل هذا العنف والتوحش والبدائية، في زمن الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ وغالبا ما يرتبط هذا اللون من السلوك التشهيري بالأشخاص الذين يعتبرون مزعجين فكريا وسياسيا، من أصحاب الرأي والنظر، ممن يخاف من اجتماع الكلمة والناس حولهم، وأيضا، المزعجين اقتصاديا، ممن يعتبرون منافسين غير مرغوب فيهم، لأنهم يهددون المصالح المادية لغيرهم. الثاني: ويهم عموم المواطنين والمواطنات الذين يستقبلون عمليات التشهير ويحتضنونها ويتكلفون بالترويج لها، بلا وعي في غالب الأحيان، كما يهم أيضا عموم المؤسسات والهيئات التي تتولى إشاعة أساليب التشهير والنفخ فيها، عبر وسائل عدة، يشترك فيها الإعلامي بأنواعه، الشفهي والكتابي، الورقي والإلكتروني، كما يساهم فيها الحزبي والجمعوي، وبعض ممن يحسبون على الشأن الثقافي عموما، ممن يشتغلون على تغذية الإشاعة، التي تتغذى هي الأخرى على التشهير بالمخالفين والمعارضين، ومن يراد التسميع بهم، وهذا مما يؤسف له، في بلاد تريد أن تتجه نحو السلوك الديمقراطي. واضح طبعا، أن معالجة آفة التشهير رهينة بالكف عن صناعته بالنسبة لمن يصنعونه ويبثونه في المجتمع، من وراء حجب، ورهينة ثانيا، بالكف عن استقباله وإشاعته بالنسبة لمن يستقبله ويشيعه من عامة الناس ومن بعض خاصتهم أيضا، وواضح أيضا، أن الطريق إلى ذلك هو التأسيس لقيمة الديمقراطية، التي تعني التحلي بروح المسؤولية والمواطنة الصادقة، والتي تعني التمكين لحقوق الإنسان وإسنادها بقضاء مستقل، والتي تعني وضع المواطن المناسب في المكان المناسب، والتي تعني أيضا ربط المسؤولية بالمحاسبة، حقيقة لا ادعاء، أما بالنسبة لمن يستقبل محتويات التشهير من المواطنات والمواطنين، فالحل الأمثل يكون بداهة، هو الرفع من منسوب الوعي لديهم والتمكين لثقافة التبين والتثبت والشك والسؤال، وعدم الانسياق السهل والساذج وراء كل ما يتم ترويجه، من حكايات ومزاعم وتخرصات، ما يعني مرة أخرى، الحاجة إلى توفير تعليم جيد للجميع.