في إطار الاختصاصات المنوطة به، وكما عودنا على ذلك في المناسبات والأعياد الوطنية والدينية، تفضل ملك البلاد محمد السادس طبقا لأحكام الفصل 58 من الدستور المغربي بإصدار أمره السامي المطاع بالعفو عن عدد كبير من الأشخاص السجناء والموجودين في حالة سراح، المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة، سواء بمناسبة إحياء الذكرى 25 لاعتلائه عرش أسلافه المنعمين في 30 يوليوز 2024، أو الذكرى 71 لثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2024 وعيد الشباب في 21 غشت 2024. إذ في سابقة تعد هي الأولى من نوعها، أبى جلالته إلا أن يغتنم فرصة حلول ذكرى ثورة الملك والشعب ويصدر عفوه الكريم على 4831 شخصا من المدانين أو المتابعين أو المبحوث عنهم في قضايا مرتبطة بزراعة القنب الهندي، المستوفين للشروط اللازمة في الاستفادة من العفو الملكي، على أن يتم إدماجهم في الوضع الجديد الذي يعرفه هذا القطاع. وهي البادرة الطيبة التي جاءت في سياق حالة الانشراح التي خلفها عفوه الأخير بمناسبة الذكرى الفضية لعيد العرش المجيد، الذي استفاد بموجبه 2476 شخصا، من بينهم صحفيون ومدونون مدانون في قضايا أخرى. فقرار العفو الملكي الحكيم أثار تفاعلا واسعا في الأوساط الحقوقية والمدنية، إذ سجل المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن هذا العفو الملكي الذي شمل الآلاف من مزارعي القنب الهندي المتابعين بسبب زراعتهم غير المشروعة، يقع في صلب الاختيارات الاستراتيجية الهادفة إلى تعزيز مسارات التنمية المستدامة بما يدعم العدالة المجالية، وأضاف ذات المجلس بأنه يدعم انخراط المملكة في المقاربة الحقوقية، كما بلورتها الأممالمتحدة في استراتيجيتها الدولية لمكافحة المخدرات. وينهض بمشاركة صغار المزارعين لنبتة "الكيف" ضمن هياكل وآليات مؤسساتية لاستعماله في أغراض طبية وصناعية. ولم يفت المرصد المغربي لتقنين القنب الهندي الترحيب بدوره بهذا العفو، خاصة أن الفئة المستهدفة عانت كثيرا ولعقود من تبعات قانونية واقتصادية جد قاسية، بسبب تشريعات ساوت بين المزارعين البسطاء الباحثين عن قوت يومهم، وبين كبار المهربين الذين يستغلون نفوذهم من أجل استعباد هؤلاء المزارعين الصغار. وفي خضم التفاعل المتواصل مع هذا العفو الملكي الإنساني والاستثنائي، أوضح مدير الوكالة المشرفة على تقنين زراعة القنب الهندي محمد الكروج أن العفو الملكي يعد بمثابة "التفاتة إنسانية ستمكن هؤلاء المزارعين وأسرهم من العيش في جو من الطمأنينة والسكينة والانخراط في الدينامية الجديدة للتقنين". فيما يرى مهتمون بالشأن العام كثر، أن هذه الالتفاتة الملكية تعكس تحولا نحو نهج أكثر شمولية في التعامل مع قضايا كانت إلى عهد قريب تعتبر من المحرمات، كما لم يكن حتى السياسيون أنفسهم يملكون الجرأة للحديث عن زراعة القنب الهندي. بالإضافة إلى أن هذه المبادرة الكريمة تضمنت قيما حقوقية هامة تعكس نهجا إنسانيا من طرف عاهل البلاد الذي أظهر مرة أخرى اهتمامه الكبير بظروف المتابعين سواء الحقوقية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وحرصه الشديد على تحسين أوضاع حقوق الإنسان بالمملكة. ثم إن هذه المبادرة الملكية لا تقتصر على البعد الإنساني والاجتماعي وحسب، وإنما تتعداه لتشمل أيضا تعزيز العدالة الاجتماعية والاقتصادية، عبر إعادة دمج المزارعين المستفيدين منها في النشاط الاقتصادي، الحد من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وتمتين قواعد الاستقرار في المناطق الريفية. فضلا عن أنها خطوة عملاقة في اتجاه تمكين المعفى عنهم من الشعور بالارتياح ومغادرة دائرة الخوف والضياع، والدفع بهم نحو المشاركة الفعالة في أنشطة قانونية مدرة للدخل، مما قد يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وتوفير الاستقرار النفسي والاجتماعي والأسري، الذي ظلوا محرومين منه على مدى سنوات طوال، وإتاحة الفرصة لهم من أجل بناء حياة أفضل. ففي هذا الإطار عبر عديد الفاعلين الجمعويين ومعهم أعداد غفيرة من الفلاحين المستفيدين من العفو الملكي المنحدرين من مداشر شفشاون وتاونات ووزان وغيرها عن فرحتهم الغامرة، وامتنانهم العميق لهذه الالتفاتة المولوية التي أسعدت قلوب أهالي هذه المناطق، ومكنت الكثيرين من المعفى عنهم من لم شمل عائلاتهم، كما أنها فسحت أبواب الأمل في وجوههم لبداية مسار مهني قانوني واجتماعي، سيجعلهم يكسبون قوت يومهم في إطار القانون، ويسمح لهم بالانخراط في عملية تقنين زراعة القنب الهندي، التي سيكون لها آثار إيجابية على اقتصاد هذه الأقاليم والمجتمع برمته. إننا نثمن عاليا توالي المبادرات الملكية التي تنم عن حس إنساني رفيع لقائد البلاد الملك محمد السادس، الذي ظل دائما منذ اعتلائه عرش المملكة الشريفة يباغتنا بقراراته الحكيمة وفيض كرمه، ولاسيما القرار الأخير بمناسبة الذكرى 71 لثورة الملك والشعب، القاضي بإغلاق ملف الزراعة غير القانونية لنبتة القنب الهندي، والعمل على إدماج المشمولين بعفوه السامي في المسلسل التنموي غير المسبوق، الذي تم إطلاقه في المنطقة الشمالية وتمكينهم من العيش الكريم في أجواء من الثقة والاستقرار المادي والنفسي.