يُعتبر تصنيف شنغهاي لعام 2024، الذي أُطلق لأول مرة عام 2003 من قبل جامعة جياو تونغ الصينية، أحد أبرز التصنيفات العالمية التي تقيم أداء الجامعات على مستوى العالم. وكما هو الحال في الأعوام السابقة، تواصل الجامعات الأمريكية سيطرتها على المراكز الأولى، حيث احتلت جامعة هارفارد المركز الأول، تليها جامعة ستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. (MIT) يُلاحظ أيضًا تفوق الجامعات الصينية من حيث العدد الإجمالي للمؤسسات المدرجة في التصنيف، متجاوزة الجامعات الأمريكية. للتذكير، يعتمد تصنيف شنغهاي على ستة معايير لتقييم الجامعات: عدد الحائزين على جائزة نوبل وميدالية فيلدز من بين الخريجين (10٪ من النتيجة النهائية)، وعدد الحائزين على جائزة نوبل وميدالية فيلدز من بين الباحثين (20٪)، وعدد الباحثين الأكثر اقتباسًا في مجالاتهم (20٪)، وعدد المقالات المنشورة في مجلتي Nature وScience (20٪)، وعدد المقالات المفهرسة في مؤشر الاقتباس العلمي ومؤشر الاقتباس في العلوم الاجتماعية (20٪)، وأخيرًا الأداء الأكاديمي موزونًا بحجم المؤسسة (10٪). فما موقع الجامعات المغربية من هذا التصنيف؟ أولا: السيطرة الأمريكية على تصنيف شنغهاي تحتل الجامعات الأمريكية بانتظام المراكز الأولى في تصنيف شنغهاي. على سبيل المثال، في عام 2023، جامعة هارفارد احتلت المركز الأول عالميًا، تلتها جامعة ستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT). هذا يعكس مدى التميز الأكاديمي والبحثي في تلك الجامعات، حيث تتفوق في معايير التصنيف مثل عدد الحائزين على جوائز نوبل وميدالية فيلدز وعدد المقالات المنشورة في مجلات علمية مرموقة. فالجامعات الأمريكية مثل هارفارد، ستانفورد، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، والتي تتصدر المراكز الأولى بانتظام، تتمتع ببنية تحتية متقدمة جدًا للبحث العلمي. هذه الجامعات لديها مختبرات ومراكز أبحاث مجهزة بأحدث التقنيات، وتستثمر مبالغ كبيرة في تطوير البحث العلمي وتوظيف أفضل الباحثين عالميًا. زيادة على التمويل الكبير، فالموارد المالية الهائلة تلعب دورًا حاسمًا في تفوق الجامعات الأمريكية. سواء من خلال المنح الحكومية مثل تلك التي تقدمها الوكالات الفيدرالية الأمريكية مثل (NSF وNIH)، أو من خلال التمويل الخاص والمساهمات الكبيرة من خريجي الجامعات والشركات متعددة الجنسيات، تتمتع الجامعات الأمريكية بميزانيات ضخمة تمكنها من دعم البحث العلمي على أعلى المستويات. أضف إلى ذلك جودة التعليم والابتكار، فالجامعات الأمريكية معروفة بجودة تعليمها وابتكارها. يتم تدريس الطلاب من قبل خبراء وباحثين حائزين على جوائز عالمية مثل نوبل وميدالية فيلدز، وهو ما يعد من أهم معايير تصنيف شنغهاي. كما أن الأبحاث التي تصدر من هذه الجامعات غالبًا ما تكون رائدة في مجالاتها، وتستشهد بها مئات الدراسات حول العالم، مما يزيد من تأثيرها الأكاديمي. إن الجامعات الأمريكية تحتل نصيب الأسد من المقالات المنشورة في المجلات العلمية المرموقة مثل (Nature) و(Science)، هذا النوع من النشر يلعب دورًا أساسيًا في رفع تصنيف الجامعات الأمريكية نظرًا لاعتماد شنغهاي على عدد المقالات المنشورة في هذه المجلات كمقياس رئيسي للأداء الأكاديمي. تُعزى السيطرة الأمريكية على تصنيف شنغهاي إلى مزيج من التمويل الكبير، وجودة التعليم، وتوافر بنية تحتية بحثية قوية، بالإضافة إلى وجود باحثين من الطراز العالمي. هذه العوامل مجتمعة تجعل من الجامعات الأمريكية مراكز للتميز الأكاديمي، وتضعها في طليعة المؤسسات التعليمية العالمية. ثانيا: تفوق الجامعات الإفريقية الأخرى بالنسبة للقارة الإفريقية، تهيمن الجامعات الجنوب إفريقية والمصرية على تصنيف شنغهاي لعام 2024، حيث تحتل 15 من أصل 18 جامعة إفريقية مدرجة في التصنيف. وكما كان الحال في العام الماضي، تتصدر جامعة كيب تاون وجامعة ويتواترسراند من جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى جامعة القاهرة المصرية، قائمة أفضل الجامعات الإفريقية. ومع ذلك، توجد معظم الجامعات المصرية في النصف الأدنى من التصنيف، بينما تحتل الجامعات الجنوب إفريقية مواقع أكثر تقدما. تُعتبر تونس الدولة الفرنكوفونية الوحيدة من إفريقيا التي أُدرجت في التصنيف، حيث احتلت جامعة صفاقس موقعًا في قائمة أفضل الجامعات. في المقابل، غابت جامعتا تونس المنار ومكريري (أوغندا)، اللتان كانتا مدرجتين في التصنيفات السابقة، عن تصنيف هذا العام. ما يثير القلق بشكل خاص هو غياب الجامعات المغربية عن هذا التصنيف العالمي المرموق. في ظل وجود 1000 مؤسسة تعليمية مدرجة، لم تتمكن أي جامعة مغربية من الوصول إلى هذا التصنيف، سوى جامعة واحدة وهي جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، محتلة المرتبة ال901-1000، وهي الرتبة الأخيرة في التصنيف. وهو أمر يستدعي وقفة للتأمل والعمل. ثالثا: أسباب غياب الجامعات المغربية عن التصنيف أول هذه الأسباب هو ضعف النشر العلمي الدولي، فالنشر في مجلات علمية مرموقة ومفهرسة عالميًا هو أحد المعايير الأساسية في تصنيف شنغهاي، ويبدو أن الجامعات المغربية تعاني من قلة الأبحاث المنشورة في مجلات مثل "Nature" و"Science" أو المجلات التي تحمل تأثيرًا عالميًا قويًا. يفضل العديد من الباحثين المغاربة النشر في مجلات ذات تصنيف منخفض أو غير مفهرسة، مما يحد من تأثير أبحاثهم عالميًا. وأيضا جودة البحث العلمي، فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحسين البحث العلمي في المغرب، لا يزال هناك نقص في الابتكار والجودة في العديد من الأبحاث المنشورة. حتى إذا نشرت بعض الجامعات المغربية أوراقًا علمية، فإن التأثير الدولي لتلك الأبحاث يظل محدودًا بسبب عدم النشر في مجلات ذات تأثير عال. بالإضافة إلى عدم وجود دعم كافٍ للباحثين، فكثير من الباحثين في الجامعات المغربية يعانون من قلة الدعم المالي والتقني الذي يمكن أن يشجعهم على النشر في مجلات مرموقة. هذا الوضع يجعل من الصعب على الجامعات المغربية المنافسة عالميًا. إن الغياب المستمر للجامعات المغربية عن تصنيفات مرموقة مثل تصنيف شنغهاي يطرح تساؤلات جدية حول حالة البحث العلمي في المغرب. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لتحسين بنية البحث العلمي وتطوير البنية التحتية الأكاديمية، إلا أن النتائج لا تزال بعيدة عن المستوى المطلوب. إحدى أبرز الإشكاليات تكمن في ضعف النشر العلمي في مجلات علمية محكمة ومرموقة ومفهرسة على الصعيد الدولي. العديد من الباحثين في الجامعات المغربية لا يزالون يفضلون النشر في مجلات غير مفهرسة أو ذات تصنيف منخفض، مما يقلل من تأثير أبحاثهم على المستوى العالمي. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الجامعات المغربية من غياب تقييم فعّال لجودة البحث العلمي. فالعديد من الأبحاث المنشورة تفتقر إلى الابتكار أو لا ترتقي إلى مستوى المنافسة العالمية. كما أن النظام الأكاديمي في المغرب لا يشجع بما فيه الكفاية على النشر في مجلات ذات معيار عالٍ، حيث يفتقد الباحثون إلى الدعم اللازم من مؤسساتهم في هذا الصدد. إن الانتقادات المستمرة لمصداقية تصنيفات مثل شنغهاي من قبل البعض لا يجب أن تكون حجة للتهرب من المسؤولية. بل يجب أن تكون حافزًا للتغيير والتطوير. بدلا من التركيز على العيوب المحتملة في التصنيفات، يجب علينا أن نواجه الحقيقة الصعبة: البحث العلمي في المغرب يحتاج إلى إصلاح جذري. يجب أن يكون هناك توجه جاد نحو تشجيع الأبحاث ذات الجودة العالية، وتحفيز الباحثين على النشر في المجلات العالمية المرموقة، وتعزيز ثقافة التميز الأكاديمي في جميع المستويات. في الختام، إذا أرادت الجامعات المغربية أن تجد لنفسها مكانًا في التصنيفات العالمية، فإن عليها أن تبدأ بتطوير جودة البحث العلمي، وتحسين ظروف العمل الأكاديمي، وتشجيع النشر في المجلات المفهرسة ذات التأثير. إن الطريق إلى القمة ليس سهلا، لكنه يستحق الجهد. لقد حان الوقت لاتخاذ خطوات جريئة وواضحة نحو بناء نظام تعليمي وبحثي ينافس على الصعيد العالمي، ويضع المغرب على خريطة التفوق الأكاديمي الدولي. لذلك، يجب أن يكون هناك أولا إصلاح جذري في البنية البحثية، فالجامعات المغربية تحتاج إلى التركيز على جودة الأبحاث وليس فقط على الكمية. من الضروري توفير الحوافز والدعم للباحثين للنشر في المجلات المرموقة. ثانيا العمل على تشجيع التعاون الدولي، عبر التعاون مع الجامعات العالمية يمكن أن يزيد من تأثير الأبحاث المغربية ويسهم في تحسين سمعة الجامعات محليًا وعالميًا. يمكن أيضًا تشجيع المزيد من البحوث المشتركة مع مؤسسات دولية مرموقة. وثالثا الاستثمار في الموارد البشرية والتقنية، من خلال دعم الباحثين عبر التمويل الكافي وتوفير الأدوات والمختبرات الحديثة يمكن أن يساعدهم على تطوير أبحاثهم لتكون على مستوى عالمي. فإذا تم تنفيذ هذه التوصيات، وهذا ما نتمناه، فمن المتوقع أن تشهد الجامعات المغربية تحسنًا ملحوظًا في تصنيفها العالمي، مع زيادة في عدد الأبحاث المنشورة في مجلات علمية مرموقة. سيؤدي هذا إلى رفع مستوى التعليم العالي في المغرب وزيادة الاعتراف الدولي بالجامعات المغربية. باختصار، غياب الجامعات المغربية عن تصنيف شنغهاي يعكس تحديات عميقة في النظام الأكاديمي والبحثي في البلاد، ويتطلب تحولًا جذريًا في السياسات والموارد لتعزيز البحث العلمي والنشر الأكاديمي على المستوى الدولي.