يصعب جدا أن تجد تفسيرا للغضب الذي ينتاب العرب عندما يخرج أحد أبناء أو بنات البلدان العربية ويعبّر عن آرائه ونظرته للحياة من منظوره الخاص، خصوصا إذا كان هذا "المنظور" لا يتفق مع نظرة الناس إلى الأمور. "" آخر مثال في هذا الصدد وقع عندما ظهرت ثلاث نساء مغربيات على شاشة ثلاث قنوات فضائية عربية، اثنتان تحدثتا بحرية مطلقة وبوجْه مكشوف عن مغامراتهما الجنسية المفتوحة التي تعيشانها بلا حدود، فيما الثالثة عرضت أمام الكاميرا "مهاراتها" في أعمال السحر والشعوذة تحت أنظار الجمهور العربي الشغوف بمشاهدة مثل هذه المشاهد كي يقلز لنا من خلف الستار! النتيجة التي خرج بها كل من شاهد هؤلاء النساء الجريئات هي أن المغرب فعلا بلد يتفوق على سائر البلدان العربية في إنتاج ... السحر والشعوذة والدعارة! وهو الأمر الذي لم يتقبله المغاربة، لأن القضية تتعلق بشرف الأمة المغربية بأكملها، والحال أنها لا تعني سوى تلك النساء الثلاث اللواتي لديهن جرعة زائدة من الجرأة والوقاحة! شخصيا أعتبر نفسي غير معني بتاتا بما فعلته تلك النسوة المغربيات بأنسفهن أمام أعين "الأشقاء" العرب. فإذا كنّ قد تجرأن على نشر غسيلهن المتعفن أمام كاميرات القنوات الفضائية اللبنانية والسعودية، فمشاركتي لهنّ في حمل الجنسية المغربية لا يعني بالضرورة أنهن إذا كنّ غير شريفات فكل نساء بلدي غير شريفات. المسألة هنا تتعلق بقضية شخصية غير قابلة للتعميم، لكننا مع الأسف، وبفضل العقلية القبلية التي ما زالت تحكم تفكيرنا، نصرّ على تعميم وتعويم مثل هذه القضايا السخيفة، فارضين الوصاية على الآخرين، لأننا بكل بساطة لا نؤمن بشيء اسمه الحرية الفردية للناس! ما تفوّهت به "كوثر" في برنامج "سيرة وانفتحت" على شاشة فضائية "المستقبل" اللبنانية عندما كشفت تفاصيل حياتها الليلية التي تبدأ من غروب الشمس ولا تنتهي إلا مع بزوغ خيوط الفجر داخل البارات والشقق الفاخرة في بيروت وغيرها من المدن اللبنانية لا يعني بالضرورة أن كل المغربيات بائعات هوى، وعاهرات لا همّ لهن سوى أن يفتحن أفخادهن فْنصاصات الليل! وما صرحت به "وفاء" في برنامج "أحمر بالخط العريض" على شاشة "إلْ بي سي" عندما قالت بأنها تعشق ممارسة الجنس مع الرجال ذوي البنية الجسدية الضخمة، الذين يتوفرون على أعضاء تناسلية كبيرة، وأنها تشعر بحالة من الإحباط والاكتئاب الشديد إذا لم تمارس الجنس على الأقل خمس مرات في الأسبوع الواحد، لا يعني أبدا أن كل المغربيات "شبقيات" إلى هذا الحدّ الذي يبعث على الشفقة والقرف! أما السيدة التي كشفت عن "مواهبها" في أعمال السحر والشعوذة أمام كاميرا قناة "إمْ بي سي" فهي على كل حال لم تكشف شيئا جديدا، ما دام الجميع يعلم أن عدد السحرة والمشعوذين عندنا، في العالم العربي بصفة عامة وليس في المغرب لوحده، يتجاوز بكثير عدد الأطباء والممرضين! وتشير دراسة في هذا الإطار أنجزت في مصر، إلى أن بلد حسني مبارك لوحده يوجد به 200 ألف مشعوذ ومشعوذة. وعلى كل حال فظهور هذه السيدة على الفضائية السعودية ليس معناه أن جميع المغربيات يتعاطين السحر والشعوذة، ولا يجب علينا في نفس الآن أن ننكر أن كثيرا من المغاربة مع الأسف، ذكورا وإناثا، يؤمنون بجميع أنواع السحر، بدءا من ضربة العين وانتهاء بالتوكال! اللي عْطا الله هو هادا. والشاهد الأكبر هو الرواج الكبير الذي تشهده محلات العطارة والعشابة ليلة سيدنا قدر، ويوم عيشور، إضافة إلى المقابر التي يتم نبش القبور الجديدة فيها، بحثا عن ذراع ميت طرية من أجل صنع كسكس للأزواج الخارجة أرجلهم في "الشواري"، لإعادتهم إلى أحضان زوجاتهم بزّز! علاقة بالموضوع، يجدر بنا ألا نضع النساء لوحدهن في قفص الاتهام، ونقول بأنهن وحدهن من يشوّه صورة وسمعة المغرب والمغاربة في الخارج. بعض "الرجال" أيضا لهم نصيب من المسؤولية في هذا الصدد، خصوصا أولائك الذين يجهرون أمام الملأ بميولاتهم الجنسية المثلية. وقد كان أول مغربي تسلح بالجرأة ليفصح عن ميْله الجنسي تجاه بني جنسه هو الكاتب المغربي عبد الله الطايع في أحد حواراته الصحافية. أكثر من ذلك قام بكتابة رواية كاملة عن مغامراته الجنسية مع أقرانه من الذكور. وبما أنه يعيش في فرنسا، ويكتب ويتحدث بالفرنسية، تبقى تصريحاته الصادمة غير مؤثرة على المغاربة بنفس الحدة والقوة التي تؤثر بها فيهم تصريحات كوثر ووفاء على شاشات الفضائيات العربية، لأن الفرنسيين عندما يسمعون عبد الله الطايع يتحدث عن ميوله الجنسي الشاذ لا يرمون جميع المغاربة في خندق الشواذ جميعا، فالفرنسيون والغربيون بصفة عامة ينظرون إلى الانسان كفرْد واحد، وليس كما يفعل العرب الذين ما أن تتحدث إحدى العاهرات المغربيات عن مغامراتها الجنسية حتى يلصقوا صفة "عاهرة" على جباه جميع المغربيات! وعندما يفوز رياضي مغربي بإحدى الميداليات في منافسة رياضية ما، يخلصه جميع المذيعين العرب من جنسيته المغربية ويلقبونه ب"البطل العربي"، في نفاق قبيح لا مثيل له في العالم! نوال المتوكل وسعيد عويطة ونزهة بيدوان وهشام الكروج وغيرهم من الرياضيين والرياضيات المغاربة سبق لهم جميعا أن حملوا لقب "الأبطال العرب"، لكن "وفاء" و "كوثر" لا أحد من "أشقائنا" العرب يريد أن تنالا لقب "عاهرتين عربيتين"، ويصرّ هؤلاء العرب المنافقون على أن تحتفظا بجنسيتهما المغربية، لكي يشْمتوا في جميع المغربيات العفيفات منهن وغير العفيفات! مشكلة العرب كما قلت آنفا هي أنهم لا يؤمنون بالحرية الفردية للأشخاص، لذلك فالذي ينقصنا نحن المغاربة، هو أن نكون أنانيين بعض الشيء، أن نقتدي بالغرب في طريقة التفكير ونترك العقلية القبلية خلف ظهورنا. إذا اعترفتْ "كوثر" و"وفاء" أو أي عاهرة أخرى بأنهن يمارسن الجنس بلا هوادة خارج أي إطار شرعي، فهذا شأنهن، ولا علاقة لأخواتنا وأمهاتنا وبناتنا وزوجاتنا بالأمر. وإذا قال عبد الله الطايع بأنه لا يمارس الجنس إلا مع الرجال فهذا "شْغلو"، وأنا كمغربي أشترك معه في جنسية واحدة فهذا لا يعني أنني وكغيري من المغاربة كلنا نعاني من الشذوذ الجنسي. هذا في ما يتعلق بعلاقتنا الدنيوية مع مواطنينا، أما في الآخرة فالجميع يعلم أن كل مْعزة غادا تّعلق إن شاء الله من كْراعها! المهم كل واحد يديها فْراسو، فليس معقولا أن يتحمل كل واحد منا أوزار ثلاثين مليون من إخوانه وأخواته المغاربة. وكفى من الوصاية على الناس إذا كانوا راشدين!