التوفيق: إجمالي المكافآت التي قدمتها الوزارة للقيمين الدينيين في 2024 بلغ مليارين و350 مليون درهم    جلالة الملك يهنئ السيد عبد الإله ابن كيران بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية    وزير العدل.. مراجعة الإطار القانوني للأسلحة البيضاء أخذ حيزا مهما ضمن مشروع مراجعة القانون الجنائي    الملك يعين عددا من السفراء الجدد    الرباط.. انعقاد الاجتماع ال 11 للجنة العسكرية المشتركة المغربية-الإسبانية    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    رئيس الحكومة الإسباني.. استعدنا التيار الكهربائي بفضل المغرب وفرنسا    برلمانات الجنوب العالمي تعوّل على منتدى الرباط لمناقشة "قضايا مصيرية"    تداعيات الكارثة الأوروبية تصل إلى المغرب .. أورنج خارج التغطية    الكهرباء تعود إلى مناطق بإسبانيا    مهنيو الصحة بأكادير يطالبون بحماية دولية للطواقم الطبية في غزة    قضايا الإرهاب .. 364 نزيلا يستفيدون من برنامج "مصالحة"    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    أورونج المغرب تعلن عن اضطرابات في خدمة الإنترنت بسبب انقطاع كهربائي بإسبانيا والبرتغال    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    الرياح القوية تلغي الملاحة البحرية بميناء طنجة المدينة    التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ويرفض أي مساس بسيادة المغرب على كامل ترابه    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    توقف حركة القطارات في جميع أنحاء إسبانيا    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    لماذا المغرب هو البلد الوحيد المؤهل للحصول على خط ائتمان مرن من صندوق النقد الدولي؟ محلل اقتصادي يجيب "رسالة 24"    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    لماذا لا يغطي صندوق الضمان الاجتماعي بعض الأدوية المضادة لسرطان المعدة؟    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    فعاليات المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي لجهة الشرق    انقطاع كهربائي غير مسبوق يضرب إسبانيا والبرتغال    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    403 ألف زاروا المعرض الدولي للكتاب بمشاركة 775 عارضا ينتمون إلى 51 بلدا    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    حمودي: "العدالة والتنمية" نجح في الخروج من أزمة غير مسبوقة ومؤتمره الوطني تتويج لمسار التعافي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية الثقافي والنفساني في تحديد وفهم السلوك السياسي
نشر في هسبريس يوم 20 - 02 - 2014

يحدثنا التاريخ وتحدثنا العلوم الاجتماعية ومعها العلوم السياسية و الفلسفة(الغربية والإسلامية) وعلم النفس بمختلف مدارسه وعلم الإناسة الثقافي وعلم الإناسة السيكولوجي والانتروبولوجيا (علم الإناسة البشرية) وحتى بعض الخطابات الأدبية واللاهوتية. هذه العلوم والخطابات مجتمعة ومتفرقة مختلفة ومتفاوتة.تحدثنا بأن السلوك البشري مرتبط تمام الارتباط والتعالق بطبيعة النوازع النفسية والانفعالية للفرد أو الجماعة والتي تستبطن ويتم إدماجها اجتماعيا وثقافيا.
وعليه فإن السلوك السياسي سواء تعلق بالقيادة أو الجماهير بالسائس والمسوس يرتكز على الدوام بمحددات الطبيعة البشرية ومنه لن نعتبر السياسة كما أفلاطون بوصفها فن الحكم بل بوصفها فن توظيف وتصريف النوازع والميول والرغبات النفسانية اثناء ممارسة الحكم.
ولكي نفهم السياسة لا مفرمن فهمنا لعلم النفس وهو الأمر الذي المح إليه العالمان النفسانيان السياسيان المعاصران شانلي وجون دوكيت بالقول:" ولايمكن أن نفهم التعالق الحاصل بين السلوك السياسي والطبيعة البشرية إلا عبر منظار علم النفس ". دون أن نغفل سيرورة المثاقفة والتنشئة الاجتماعية والأطر والمراجع الثقافية الأيديولوجية والتركيبات الذهنية المتناقضة والمتعارضة داخل الجماعة السياسية( المعارضة و الموالاة على حد سواء ) والتي من الواجب – مبدئيا- أن تختفي وتنمحي تماما داخل هذا التكتل السياسي او ذاك .اذا ماهو أراد أن ينجح في أداء مهمته.
من الآن فصاعدا سننظر إلى العناصر المكونة للجماعة السياسية(النخبة الحاكمة) على أساس أنها جزئيات ثقافية منوط بها تشكيل هذا الكلي-بما يحمله من متناقضات- كوحدة وظيفية نفسية(الحكومة). ونفهم الثقافة هنا بوصفها " النطاق المشترك لمفاهيم الوعي واللاوعي المكتسبة وللمشاعر المرتبطة بهما .تلك التي تتموضع في نفسية الأفراد الداخلية والمؤسسات المجتمعية(اقتصادية-اجتماعية –سياسية...) للفئة الثقافية وممارستها العامة ونتائجها.
وعليه تتأكد اليوم الحاجة الماسة –وعلى وجه الاستعجال- إلى إخضاع سلوكيات وردود أفعال ومواقف النخبة السياسية أو الجماعة السياسية إلى التحليل النفسي العلمي بغض النظر عن الدور الوجيه للعوامل المشار إليها آنفا . باعتبار أن الفعالية السياسية شكل من أشكال تصريف الأطر الثقافية والأخلاقية التي تشبعت بها الجماعة السياسية (تنميط المجتمع ) وبغض الطرف عن العوامل والمورثات البيوكيميائية ودور التنشئة الاجتماعية للذات(شخصية السياسي) التي استدعيت اليوم لأداء دور وظيفي في المجتمع . هذا الدور الذي من المفروض فيه أن يكون مستقيما مثاليا قائما على العقل والاستبصار والحكمة وجلب السعادة (الحلم الطفولي في اللاوعي الجمعي). بالمقدار الذي نتحمس اليوم لإخضاع السلوك السياسي للعوامل النفسية (لانقصد المرضية) بالمقدار الذي نستثعر ونفهم حجم المقاومة والرفض الصادرين عن الجماعة السياسية .
التي فهمت نفسها بوصفها جماعة من العقلاء "نحن اليوم نتكلم عن السياسة وكأنها تهم جماعة أفراد أحرار عقلاء وكأنها تخاطب العقل في كل فرد بعيدا عن الأهواء أو الرغبات أو الميول مع أننا نعلم علم اليقين أن المرء لايكون عاقلا متعقلا باستمرار(عبد الله العروي ).
نقول –وباطمئنان تام -أن الآلة السياسية تجند الأنظمة والبنى الثقافية المادية والرمزية(الاعلام-المسجد-الجامعة-الفضاءات العمومية- المؤسسات الشبابية- الموسيقى والفن- المناسبات الوطنية او المناسبات الداخلية(للمؤسسة للهوية الحزبية والذاكرة الجمعية للجماعة السياسية) ...لخدمة أغراضها الشخصية وتصريف نوازعها الشعورية واللاشعورية.ولتأكيد حضورها وتمايزها عبر التصالح مع هويتها و هنا تلعب الجماهير(القواعد ) – كخلايا منفعلة وظيفيا و تابعة - الدور الجليل والنضال المستميت لانجاح المهمة.
في عملية التصويت الانتخابي وفي الانضمام للأحزاب والجماعات السياسية. الولاءات والبراءات يحكمها فضلا عن القرابة أو العرق أو الانتماء المذهبي أو المصلحة يحكمها ايضا معيار أخلاقي. الأول سنسميه الخير (ولد الناس) أوالشر (ولد لحرام) بناء على تمثلاث ثقافية اجتماعية أو أخلاقية معينة . وعليه فان هذه التمثلات و التاويلات المؤسسة على الخلط والتوهم هي عينها التي سادت و استحكمت تاريخيا في النظريات السياسية قديمها وحديثها وراهنها. بعدما تواضعت عليها العامة وصدقتها الخاصة . بالإضافة إلى دور الاساطيروالاديان السماوية والوثنية في الترويج لمثل هكذا تصور للفعل السياسي والاجتماعي .
ليس الغرض هنا – والحالة هذه -هو استعراض تاريخ الأفكار السياسية وإنما القصد هو رصد وانتقاء ما يعزز أطروحتنا التي تروم تأكيد التعالق(السيكولوجي) الحاصل بين الطبيعة البشرية والسلوك الخارجي.لا يمكن أن نهمل ابتداء مساهمة الثقافات والفلسفات العربية والشرقية التي نظرت في ماهية النفس البشرية على الرغم من التعارض والاختلاف فيما بينهاحتى داخل المذهب الواحد كما هو الحال بالنسبة للكنفوشوسية .
فمن قائل بالخيرية الكاملة والآدمية الخالصة وبين واقف عند هذه الطبيعة بماهي شر وتأصل حيواني لايمكن التحكم فيه أوالتغلب عليه.وبين فريق ثالث ممازج ومخالط بين الأمرين(الخير والشر) وعليه فالإنسان يتحمل هو وحده التحكم في نوازعه الخيرة أو الشريرة . ولعلنا واجدون في الثقافة العربية والإسلامية أنظارا في الأمر.ومنه نستشف الطبيعة المستلغزة والمستشكلة لهذا الكائن الذي لابد من فهمه توسل الوسيط العلمي والمعرفي لا مجرد الانطباع التلقائي العفوي ونحسب أن مكنز التراث العربي لم يخرج عن هذا الإطار فجله مستقى من نصوص دينية مقدسة او مقتبس من الفلسفة اليونانية .
ولكي يتأكد لنا صدق ادعائنا أعلاه ونستبين هذا التعالق . استأذنكم أيها السادة التأمل والتدبرفي هذه الأقوال :
يقول الامام الجوعي:" إذا رأيت الرجل يخاصم(ادعاء القوة والعنف) فهو يحب الرياسة"
الواعظ يحيى ابن معاذ: " الرازي لايفلح من شمت رائحة الرياسة ( اشتهاء السلطة) منه"
النوشجاني : '' الإنسان حقير في المنظر خطير في المخبر(العقل الباطن)"
الجاحظ (كتاب الحيوان) : "عند قوم إذا هم الرجل بركوب البغل فانه يطمع في القضاء ....والبغل آلة من آلات السلطنة "
الإنسان ممزوج: خير وشر إذا غلب الخير لحق بالملائكة وإذا غلب الشر لحق بالشياطين (عبد القادر الجيلاني .الفتح الرباني والفيض الرحماني )
أبو حيان التوحيدي (الإمتاع والمؤانسة)
"وللإنسان من كل شيء حظ ولكل شيء منه نصيب ولوكان الإنسان مصبوبا في قالب واحد ومسلولا من طبيعة واحدة لكان هذا الكمال يستمر بعض الاستمرار ويتجوز فيه بعض التجوز .فما وهو مؤلف من أخلاط ومركب على طبائع ومجموع من متضادات فلا بد آن يميل إلى شيء ويميل به شيء. ويرى مرة طافيا مرة راسبا ومرة راضيا ومرة لاحقا ومرة غالظا ومرة هادئا ومرة صاخبا ومرة قانعا ومرة ساخطا.."
وقال أيضا :
"......فكل من له غريزة من العقل ونصيب من الإنسانية ففيه حركة إلى الفضائل وشوق إلى المحاسن التي يقتضيها العقل وتوجبها الإنسانية وإن اقترف بذلك في بعض الأوقات محبة الشكر وطلب السمعة والتماس أمور أخرى ومرة لاحقا ومرة غالظا.. "
كونفوشيوس يرفض القول بالخيرية المتاصلة أو بالشر المطلق ويرى أن الخير يتحقق بالاستعداد والتربية والابتكار.
نقرا له :" إذا ركز الإنسان قلبه على الخير تحرر من كل الشرور " ويضيف " الرجل الذي يكره الشر يمكن أن يعد خيرا لأنه لم يسمح بماهو غير أخلاقي ان يلوث شخصيته "
كان لزاما الاستئناس بأنظار الثقافة العربية والشرقية وعلى لسان أعلامها في ماهية الطبيعة البشرية لتتأكد لنا –تاريخيا- حقيقة التعالق الحاصل بين المسالة القيمية الأخلاقية والسلوك البشري(السياسي) بصورة عامة وتقدير نتائج هذا السلوك على مستوى الجماعة.
التاريخ السياسي للدولة الإسلامية سيظهر بجلاء الصوروالنوازع النفسية المؤسسة للسلوك السياسي.. نوازع الرياسة والسلطنة والطمع والسلطة والمجد والإمارة والاعتصاب العرقي والثقافي المحدد على الدوام لمواصفات المجموعة السياسية . بالقدر الذي ستختفي المثالية وسيضمحل الانشداد النفسي والواجب الاخلاقي كدين للتعاليم الرسولية(السنة) السماوية(الوحي) الاصلية .
لاهوتيا بالسياسة نتعبد الله راجين رضاه بأن نقيم كلمته وننشررسالته وشرعته ولاهوتيا أيضا نتعبد الله خوفا من العقاب وذلك بإتقاء واجتناب ممارسة ومباشرة الفعل السياسي خوفا على النفس من الغواية والمعاصي والمجون... ذلك ما يقرره تاريخ التقوى الإسلامية و الزهدية الصوفية.
حاولت الماكيافيلية الواقعية في القرن السادس عشر بكل ما اتيت من قوة ان تجرد السلوك السياسي من طابعه الانساني بان تضفي عليه نوازع حيوانية تتحكم في سلوك ومواقف الشخصية السياسية دون اهمال توطيف النوازع الخيرة ولو على سبيل التظاهر عند الاقتضاء انطلاقا من مبررات تاريخية معينة نفسيا وسياسيا يعرف السلوك السياسي بوصفه "عملية إدارة تهدف إلى تخفيف التوتر الاجتماعي وحل جماعي للمشكلات والصراعات والاستفادة من مساحة الاتفاق لاتخاد قرار جماعي . فالمجموعات التي تشكل المجتمع في حالة تنافس وأحيانا صراع والسياسة هنا تهدف الى تدبير التنافس والصراع وخلق حالة من التعاون المشترك على الرغم من التباين .تلك الحالة التي يشعر معها الجميع بتوازن دينامي واستفادة جماعية ".(الاستشاري النفسي المصري .د.محمد مهدي)
لنقل أن هذا التوصيف يحدد مبدئيا أهداف ودوافع السلوك السياسي الطبيعي المثالي .لكننا لن نحيد عن التحليل النفسي ولن نرتضي غيره من المقاربات والأنظار بدلا .ذلك إن المتتبع لآليات التواصل السياسي العربي عامة والمغربي خاصة يلحظ الاضطرابات النفسية والعصابية في شخصيات ومواقف النخبة السياسية التي كثيرا ما تستقبل بالسخرية والضحك على سبيل التنكيت بوصفها حالات انفعالية عادية تماما . لكننا ومن مقاربة تحليلية نفسية نسعى إلى التنقيب والحفر في الترسانة اللاشعورية الفردية والجماعية المتحكمة فيها.
نقول-مؤكدين نظريتنا وبكل ثقة- ان السياسة هي المرتع الخصب للتنفيس عن المكبوتات النفسية ولإشتغال النوازع الباطنية (الهدم /البناء) التي تصرف في انماط السلوك والتواصل والخطابات.
الفضاء الخصب لعمل القوى الإيروسية (غريزة الحب أو الحياة أو البناء)والثانتوسية (غريزة الموت والتدميراو الهدم ) كيف ذلك؟
تتبدى السياسة – على سبيل اليوتوبيا- بانها فن تدبير وتسيير شؤون المواطنين عبر سلطة منتخبة ديمقراطيا تفعل القانون والدستور بما يساهم في رخاء وازدهار الدولة.
المعارضة دستوريا وقانونيا هي الجهة المنوط والمعهود اليها مهمة تمثيل الشعب الذي فوضها -كما فوض تنفيذيا الفريق الحاكم -في تشريع القوانين واقتراحها والمصادقة عليها ومراقبة اعمال الحكومة وعليه يتبدى عمل كل فريق على اساس التفويض الذي منح اياه ويزداد قوة وشدة من قوة وشدة الدستور المتعاقد عليه . وعليه تحصل الحماسة لايمكن لثاناتوس (قوى الهدم) الفريق المعارض ان يسمح بنجاحات الجهاز التنفيذي( الايروس قوى البناء) لأن المعارضة تنجح مهمتها بالكامل اذا استطاعت أن تدك حصون الجهاز التنفيذي- تحت اي تبريرات بالإضافة الى تبريرات الطرف الاخر - نفسيا أو سلوكيا ودستوريا قانونيا.(سحب ثقة- تشهير-عدم التصويت-انقلاب-اغتيال..)
المعارضة السياسة تحمل بالقوة فكرة الانقضاض على السلطة التنفيذية ولم تنس لاشعوريا الهزيمة التي منيت بها في الانتخابات وعليه فالمعارض السياسي كما السياسي الحاكم يدخلان في معركة سيكولوجية يتلذذ عبرها كل منهما باشكال والوان من التسادي أو التعذيب المتبادل للأخر. على اعتبارانه من مصلحة المعارضة اذن تفكك وتفسخ الجماعة السياسة الحاكمة وتحللها وانهيارها اما لعوامل ذاتية او موضوعية .
ألمحنا سابقا إلى أن الفريق الحاكم- كما التكتل المعارض للحكم- الغير الطبيعي الهجين الذي يحمل عناصر موته بداخله من حيث انه يجمع بين بنيات ومرجعيات ثقافية ونفسية وسلوكية متباينة تماما بالاضافة الى الطابع النرجسي الذي عادة ما يلقي بظله على أتباع الحزب الحاكم في حماسة زائدة على اللزوم كلها مؤشرات على قرب تصدع هذا الكلي .من هنا ضرورة التنازل والتضحيات (التعديلات الوزارية) او سياسة الترضيات في مشهد يشبه طقوس الذبائح والقرابين للأقوام البدائية. لماذا؟ . تستشعر هذه الجزئيات (الاحزاب) انها في وضع سيادي بحكم انتصارها في المعركة الانتخابية
مما يجعلها –وبنفس المنطق- غير مستعد ة تماما ان تتخلى عن سيادتها وهيبتها خصوصا تلك التي ذاقت شهوة السلطة وارتوت منها واشبعت.
تعيش الجماعة الحاكمة غربة داخلية معلنة ومستبطنة وحذرة في نفس الوقت فالتنافسية وحب الظهور ومختلف النوازع تظل ملازمة للسلوك السياسي تعمل كل الجزئيات الاحزاب المكونة للاغلبية(الكلية) على ابراز عنصر الذاتية مثلا اذا ما تم استشعارخطربعض قرارات رئيس الجهاز التنفيذي على شعبية بعض الاحزاب المكونة للتحالف تسارع بانتقاده او تلوح بالاستقالة ويحدث ان بعض الجزئيات يتملكها الاحساس بانها مهمشة من حيث اتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تهم قطاعات الدولة والنتيجة اما انهيار جزئي او كلي للحكومة( انسحاب بعض الوزراء مثلا) ..هكذا تشتغل قوانين الحب والكره الملازمة للطبيعة البشرية على مستوى الفضاء السياسي والحضاري كاليات لجبر هذا المكسور .
يتهدد الفريق الحكومي خطران خطر التفكك الداخلي بالاضافى الى الخطر الخارجي الذي تقوده المعارضة مما تستشعر معه هذه الجماعة السياسية ما يمكن تسميته بالبارانويا الاضطهادية التي تصيب الانسان العادي والمريض وهي عبارة عن اوهام تتعلق بتعقب الناس له ومحاولتهم ايذاءه والاعتداء عليه وخيرمثالا على ذلك عبارة" التماسيح والعفاريت" المشهورة محليا. كناية عن ذلك اللوبي المتشبع بطاقة التانثوس الذي يقاوم الاصلاح والبناء وبالتالي يسعى الى الهدم بطرق شبحية وظلية. تشتد قوة البانارويا عندما تصبح التخوفات حقيقية ( الاحتجاج- التهديد بالقتل- الخطف- الاعتداء .. ) مما يعزز الاليات الدفاعية والامنية و المخولة اليه كسلطة حاكمة (قانون حالة الطوارئ كآلية لشل حركة الخصم السياسي).كما أن الأمر ينطبق على الفريق المعارض الذي يبدع في اشكال التسادي والقهر .( احتلال الساحات العمومية ونصب الخيام و المظاهرات .الاستفزازية كإشراك الحمير في الاحتجاج السياسي السلمي )
هذا والمعارضة ماضية في شحد سكاكين الثاناوتس لديها ليتم الإشباع الكلي. يعد البرلمان الفضاء الذي تمارس فيه بجلاء غرائز الايروس و الثاناتوس في بعدها السادي (الايروس) تتواصل عمليات التلذذ - الساعات الطوال- بين الفرقاء او الخصوم السياسيين الثقافيين بحكم طابعه السجالي و الكلامي .اتهامات متبادلة وتعنيف لفظي إلى أخره من السلوكيات المرافق لهذا الطقس الذي يشبه إلى حد ما كان سائدا في المجتمعات الطوطمية في إفريقيا واستراليا وأمريكا. إذ ترافق طقوس قتل الطوطم(المعبود سواء حيوان أو نبات أو شخص) أصوات البكاء والعويل والصراخ والنحيب خوفا من عقاب الالهة. نحن إذن أمام حالة هستريا عصابية جماعية تستحوذ على النفسيات وتتمظهر في تعبيرات شفهية خطابية أوأعمال عنف ملموسة . وعليه ندرك انه وعلى الرغم من التنفيس الجزئي عن تلك الغرائز والقوى فانه مازالت المعركة مستمرة مستعرة بين القوى الغرائزية الفاعلة . تسعفنا إذن أدوات التحليل النفسي الفرو يدي التي لطالما تعرضت للتهميش والرفض في فهم سيكولوجيا الجماعة السياسية التي تعد جزءا لايتجزأ من الشرائح المجتمعية المكونة للوطن الواحد .
وأتمنى خالصا أن تكون مقدمة هذه المساهمة المتواضعة والتي لا ادعي فيها الريادة والسبق - اللهم الكلف بالمعرفة- فاتحة لمشروع بحثي نطورمن خلاله وعبره هذا النقاش العميق ونحرك به شهية القراءة والبحث والتنقيب خصوصا وان موضوعة السيكولوجيا السياسية تطرح نفسها باستمرار في عالمنا العربي والاسلامي الذي شهد ويشهد هزات سياسية وفكرية وتقلبات مجتمعية وقيمية اثرت على الادراك والوعي الجمعي العربي . وذلك عبر الكشف عن العوامل والشروط الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والسيكولوجية المتحكمة في سلوك الجماهيرو معها النخبة السياسية والمجموعة الثقافية السياسية التعددية .
*أستاذ الفلسفة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.