# ليست الوطنية إلا اختراعا أوجدته الحكومة لكي يحارب الجنود بالمجان # دعونا نتوقف لحظة عند هذه المقولة الشهيرة لغابرييل غارسيا ماركيز، الروائي الكولومبي الشهير والحائز على جائزة نوبل في الأدب. قبل أن نفكك المقولة ونتناول أبعادها ودلالاتها، التي نريد إسقاطها على الكيان الوهمي، الذي يعيث فسادا متعدد الأشكال في أرض العزة، حيث تجاوز التقتيل والتجويع والإرهاب والإذلال إلى الإبادة الشاملة والكاملة للبشر والشجر والحجر، لا بد أن نذكر أن غابرييل غارسيا ماركيز لم يكن فقط أديباً عظيماً، بل كان أيضاً صوتاً جريئاً في مجال السياسة والعدالة الاجتماعية. في هذه المقولة الصارخة في وجه الظلم يُعبر ماركيز عن نظرة نقدية تجاه الوطنية الزائفة، معتبراً أنها ليست سوى اختراع من الحكومة لجعل الجنود يقاتلون مجاناً. وهذا ما ينطبق مائة بالمائة على الكيان الوهمي الذي لن يكون أبداً وطناً لعديمي الأصل، لأنه ليس سوى قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط لحفنة من المرتزقة، يُخيَّل إليهم أنهم يقاتلون لمصلحة الوطن لكنهم في الواقع يقاتلون بالمجان ولمصلحة مستفيد واحد ووحيد، وهو الشيطان الأكبر. إن القتال لأجل الوطن أعظم شرف يمكن أن يناله الإنسان، لكن بشرط أن يكون الوطن وطناً بالفعل وليس أرضاً مسروقة أو مغتصبة. إن مقولة "ليست الوطنية إلا اختراعا أوجدته الحكومة لكي يحارب الجنود بالمجان" لغابرييل غارسيا ماركيز تثير الكثير من التساؤلات حول مفهوم الوطنية وأهدافها الحقيقية. وقد عاش ماركيز في فترة شهدت العديد من الصراعات والحروب الأهلية في أمريكا اللاتينية، وكان شاهداً على تأثير تلك الصراعات على الناس البسطاء؛ ولعل رؤيته للوطنية تأتي من معاناة الشعوب واستغلال الحكومات لهذه المشاعر لتحقيق مصالحها. وهذا الطرح ليس بجديد، فقد سبق ماركيز العديد من الأدباء والفلاسفة الذين ناقشوا موضوع الحرب والسلام والوطنية من زوايا مختلفة. لو كان بيننا حيًّا يرزق، وأقصد ألبير كامو، الفيلسوف والكاتب الفرنسي الذي كان من أشد النقاد للحروب والصراعات، لاعتبر حرب الكيان الوهمي الغاشم على أرض العزة طاعوناً لا يضرب فقط الشرق الأوسط لكنه يجتاح البشرية جمعاء. وكان ألبير كامو فيلسوفاً لامعاً عالمياً ومؤثراً، لكنه كان ملحداً، وإذا تخيلنا أنه غير في لحظة ما بعض معتقداته وآمن بالقرآن لكان استشهد بهذه الآية الكريمة: "لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا". ليس الكيان الوهمي الوحيد الذي يعيث في الأرض فسادا، لكن من المؤكد أنه الأول في الفساد والإفساد على مستوى العالم. ومن الثابت أن الإنسان يجب أن يقاوم هذا الطاعون من خلال التمسك بالقيم الإنسانية العليا. لو كان ليو تولستوي، الكاتب الروسي العظيم، بيننا حيًّا يرزق لدعانا في غمرة الإبادة الغربية المتوحشة لأبناء أرض الجهاد والعزة إلى مقاومة الطاعون من خلال التمسك بالقيم الإنسانية العليا، وعلى رأسها مقاومة الظلم. لقد قدم تولستوي في روايته "الحرب والسلام" صورة معقدة عن تأثير الحروب على الناس والمجتمعات. وكان تولستوي يدعو إلى السلام والتفاهم بين الشعوب، ويرى أن الحرب تدمير للإنسانية وأن الوطنية ليست مبرراً كافياً لإزهاق الأرواح؛ ولو عاد إلى الحياة ورأى بأم عينيه ما يحدث من إبادة رهيبة لشعب العزة لتوقف قلبه عن النبض لهول ما يحدث. ثمة فلاسفة آخرون وددت أن يكونوا شاهدين على إبادة المجرمين لإخواننا المجاهدين في أرض العزة، ومن ضمنهم جان بول سارتر، الفيلسوف الفرنسي ذائع الصيت، الذي كانت له رؤية فلسفية خاصة تجاه الحروب والوطنية. فسارتر كان يعتقد أن الحرية والمسؤولية الفردية هما الأساس، وأن الوطنية لا يجب أن تكون عذراً لإخضاع الفرد لمصلحة الدولة. وفي كتابه "الوجود والعدم" يوضح سارتر كيف يمكن للإنسان أن يختار مساره بحرية دون أن يكون عبداً لأي إيديولوجيا. ونحن نعتقد بناء على كلام سارتر، إذ نربطه بسياق الصراع الحالي بين اللقطاء وإخواننا المحاربين البواسل في معقل الكرامة والعزة، أن الكيان الوهمي لم يختر طريقه بحرية، وأنه عبد لإيديولوجيا الإبادة الشاملة لأنه يعرف أن نهايته اقتربت وهو يريد أن يفني البشر والشجر والحجر قبل أن يفنى ويندثر. إميل زولا، الكاتب الفرنسي الشهير، كان أيضاً من النقاد البارزين للحروب واستخدام الوطنية كوسيلة للتلاعب بالشعوب. وفي مقاله الشهير "إني أتهم" ينتقد زولا الحكومة الفرنسية لاستغلالها الوطنية في قضية دريفوس. وكان زولا يرى أن الوطنية الحقة تتجلى في الدفاع عن العدالة والحقيقة، ومن المؤكد أنه لو كان بيننا شاهداً على هذا العصر الموبوء لصاح بأعلى صوت: "الكيان الوهمي رمز حي للخراب في الأرض وللباطل والظلم". "ليست الوطنية إلا اختراعا أوجدته الحكومة لكي يحارب الجنود بالمجان" إن هذه المقولة الملهمة لغابرييل غارسيا ماركيز، التي بنينا عليها هذا المقال، رابطين إياه بسياق الحرب الحالية بين الكيان الوهمي وأبناء أرض الكرامة والعزة، تمتاز بجرأتها في الكشف عن الوهم الذي قد تنطوي عليه أشباه الأوطان. إن الوطنية الحقة يجب أن تكون مؤسسة على قيم المصداقية والشرعية والحرية، وليست مجرد وسيلة لتبرير الحروب والصراعات. وبالتالي نجد أن ماركيز يتفق مع كامو وتولستوي وسارتر وزولا في نظرتهم النقدية تجاه الوطنية إذا استخدمت بشكل متوحش وغير أخلاقي في الحروب والصراعات.