الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    تكريم سعيد بودرا المدير الإقليمي السابق لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمضيق الفنيدق    الدورة ال 30 للمعرض الدولي للكتاب تستقطب أكثر من 403 آلاف زائر    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    المغرب يقترح منصة رقمية "صينية-عربية" وبرامج تكوين في الذكاء الاصطناعي لتعزيز التعاون    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    إيطاليا تعتقل المشتبه به في جريمة طعن مصلٍ داخل مسجد بجنوب فرنسا    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    هيئة حقوقية تدين حملات التشهير ضد ساكنة بن أحمد    انتشال جثة فتى من وادي ملوية بعد اختفائه    الأمن الوطني يوقف مروّج وشاية كاذبة حول جريمة قتل وهمية بابن أحمد    حزب الاستقلال بالحسيمة يكتسح الانتخابات الجزئية بفوزه بأربعة مقاعد    بوريطة: إفريقيا لم تعد في حاجة إلى الشعارات الإيديولوجية وإنما إلى العمل الملموس والحازم    عبد الله البقالي يترأس أشغال المجلس الاقليمي لحزب الاستقلال بالحسيمة    أسعار النفط تستقر مع بداية الأسبوع    كيم جونغ يقر بإرسال قوات إلى روسيا    مقتل 68 مهاجرا في قصف أمريكي    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    متصرفو قطاع التربية الوطنية يطالبون بتدخل عاجل من أخنوش    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    بنكيران وحزب العدالة والتنمية.. زعامة تتآكل وسط عزوف القيادات وهروب إلى المجهول    رد حكيم من بوريطة.. إسكات استفزازات العالم الاخر ومسه بسيادة العراق    الصين: المغرب ضيف شرف النسخة ال11 لمؤتمر رواد الأعمال لمنتدى التعاون الصيني العربي    تيزنيت : الوقاية المدنية و الهلال الاحمر درعا السلامة و الأمان ب"سباق النصر النسوي"    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    المرزوقي يدعو التونسيين لإسقاط نظام قيس سعيد واستعادة مسار الثورة    أجواء حارة في توقعات طقس الإثنين    المشتبه به في قتل مصلّ بمسجد في جنوب فرنسا يسلم نفسه للشرطة الإيطالية    فريق نهضة بركان يتأهل لنهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    التنسيقية الصحراوية للوديان الثلاث وادنون الساقية الحمراء واد الذهب للدفاع عن الارض والعرض تستنكر… ارض الصحراويين خط أحمر    "منتخب U20" يواصل التحضيرات    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    فوزي لقجع يهنئ نهضة بركان بعد تأهله إلى نهائي كأس الكونفدرالية    أزروال يهنئ لقجع إثر تعيينه نائبا أولا لرئيس الكاف: "إنجاز مشرف ويعكس الكفاءة العالية والعمل المتواصل"    الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يختتم فعالياته على وقع النجاح    والد لامين يامال: كنت مدريديًا… لكن برشلونة وفر لي لقمة العيش    الأوغندي أبيل شيلانغات والمغربية رحمة الطاهري يتوجان بلقب ماراطون الرباط    منصة رقمية تواكب منتجي الحبوب    بعد ارتفاع حالات الإصابة به .. السل القادم عبر «حليب لعبار» وباقي المشتقات غير المبسترة يقلق الأطباء    جريمة بن أحمد.. الأمن يوقف شخصا جديدا    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    "المرأة البامبارية" تُبرز قهر تندوف    المديني: روايتي الجديدة مجنونة .. فرانسيس بابا المُبادين في غزة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جنود الكيان الوهمي يحاربون بالمجان
نشر في هسبريس يوم 27 - 07 - 2024

# ليست الوطنية إلا اختراعا أوجدته الحكومة لكي يحارب الجنود بالمجان #
دعونا نتوقف لحظة عند هذه المقولة الشهيرة لغابرييل غارسيا ماركيز، الروائي الكولومبي الشهير والحائز على جائزة نوبل في الأدب.
قبل أن نفكك المقولة ونتناول أبعادها ودلالاتها، التي نريد إسقاطها على الكيان الوهمي، الذي يعيث فسادا متعدد الأشكال في أرض العزة، حيث تجاوز التقتيل والتجويع والإرهاب والإذلال إلى الإبادة الشاملة والكاملة للبشر والشجر والحجر، لا بد أن نذكر أن غابرييل غارسيا ماركيز لم يكن فقط أديباً عظيماً، بل كان أيضاً صوتاً جريئاً في مجال السياسة والعدالة الاجتماعية.
في هذه المقولة الصارخة في وجه الظلم يُعبر ماركيز عن نظرة نقدية تجاه الوطنية الزائفة، معتبراً أنها ليست سوى اختراع من الحكومة لجعل الجنود يقاتلون مجاناً. وهذا ما ينطبق مائة بالمائة على الكيان الوهمي الذي لن يكون أبداً وطناً لعديمي الأصل، لأنه ليس سوى قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط لحفنة من المرتزقة، يُخيَّل إليهم أنهم يقاتلون لمصلحة الوطن لكنهم في الواقع يقاتلون بالمجان ولمصلحة مستفيد واحد ووحيد، وهو الشيطان الأكبر.
إن القتال لأجل الوطن أعظم شرف يمكن أن يناله الإنسان، لكن بشرط أن يكون الوطن وطناً بالفعل وليس أرضاً مسروقة أو مغتصبة.
إن مقولة "ليست الوطنية إلا اختراعا أوجدته الحكومة لكي يحارب الجنود بالمجان" لغابرييل غارسيا ماركيز تثير الكثير من التساؤلات حول مفهوم الوطنية وأهدافها الحقيقية. وقد عاش ماركيز في فترة شهدت العديد من الصراعات والحروب الأهلية في أمريكا اللاتينية، وكان شاهداً على تأثير تلك الصراعات على الناس البسطاء؛ ولعل رؤيته للوطنية تأتي من معاناة الشعوب واستغلال الحكومات لهذه المشاعر لتحقيق مصالحها.
وهذا الطرح ليس بجديد، فقد سبق ماركيز العديد من الأدباء والفلاسفة الذين ناقشوا موضوع الحرب والسلام والوطنية من زوايا مختلفة.
لو كان بيننا حيًّا يرزق، وأقصد ألبير كامو، الفيلسوف والكاتب الفرنسي الذي كان من أشد النقاد للحروب والصراعات، لاعتبر حرب الكيان الوهمي الغاشم على أرض العزة طاعوناً لا يضرب فقط الشرق الأوسط لكنه يجتاح البشرية جمعاء.
وكان ألبير كامو فيلسوفاً لامعاً عالمياً ومؤثراً، لكنه كان ملحداً، وإذا تخيلنا أنه غير في لحظة ما بعض معتقداته وآمن بالقرآن لكان استشهد بهذه الآية الكريمة: "لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا".
ليس الكيان الوهمي الوحيد الذي يعيث في الأرض فسادا، لكن من المؤكد أنه الأول في الفساد والإفساد على مستوى العالم. ومن الثابت أن الإنسان يجب أن يقاوم هذا الطاعون من خلال التمسك بالقيم الإنسانية العليا.
لو كان ليو تولستوي، الكاتب الروسي العظيم، بيننا حيًّا يرزق لدعانا في غمرة الإبادة الغربية المتوحشة لأبناء أرض الجهاد والعزة إلى مقاومة الطاعون من خلال التمسك بالقيم الإنسانية العليا، وعلى رأسها مقاومة الظلم.
لقد قدم تولستوي في روايته "الحرب والسلام" صورة معقدة عن تأثير الحروب على الناس والمجتمعات. وكان تولستوي يدعو إلى السلام والتفاهم بين الشعوب، ويرى أن الحرب تدمير للإنسانية وأن الوطنية ليست مبرراً كافياً لإزهاق الأرواح؛ ولو عاد إلى الحياة ورأى بأم عينيه ما يحدث من إبادة رهيبة لشعب العزة لتوقف قلبه عن النبض لهول ما يحدث.
ثمة فلاسفة آخرون وددت أن يكونوا شاهدين على إبادة المجرمين لإخواننا المجاهدين في أرض العزة، ومن ضمنهم جان بول سارتر، الفيلسوف الفرنسي ذائع الصيت، الذي كانت له رؤية فلسفية خاصة تجاه الحروب والوطنية. فسارتر كان يعتقد أن الحرية والمسؤولية الفردية هما الأساس، وأن الوطنية لا يجب أن تكون عذراً لإخضاع الفرد لمصلحة الدولة.
وفي كتابه "الوجود والعدم" يوضح سارتر كيف يمكن للإنسان أن يختار مساره بحرية دون أن يكون عبداً لأي إيديولوجيا. ونحن نعتقد بناء على كلام سارتر، إذ نربطه بسياق الصراع الحالي بين اللقطاء وإخواننا المحاربين البواسل في معقل الكرامة والعزة، أن الكيان الوهمي لم يختر طريقه بحرية، وأنه عبد لإيديولوجيا الإبادة الشاملة لأنه يعرف أن نهايته اقتربت وهو يريد أن يفني البشر والشجر والحجر قبل أن يفنى ويندثر.
إميل زولا، الكاتب الفرنسي الشهير، كان أيضاً من النقاد البارزين للحروب واستخدام الوطنية كوسيلة للتلاعب بالشعوب. وفي مقاله الشهير "إني أتهم" ينتقد زولا الحكومة الفرنسية لاستغلالها الوطنية في قضية دريفوس. وكان زولا يرى أن الوطنية الحقة تتجلى في الدفاع عن العدالة والحقيقة، ومن المؤكد أنه لو كان بيننا شاهداً على هذا العصر الموبوء لصاح بأعلى صوت: "الكيان الوهمي رمز حي للخراب في الأرض وللباطل والظلم".
"ليست الوطنية إلا اختراعا أوجدته الحكومة لكي يحارب الجنود بالمجان"
إن هذه المقولة الملهمة لغابرييل غارسيا ماركيز، التي بنينا عليها هذا المقال، رابطين إياه بسياق الحرب الحالية بين الكيان الوهمي وأبناء أرض الكرامة والعزة، تمتاز بجرأتها في الكشف عن الوهم الذي قد تنطوي عليه أشباه الأوطان.
إن الوطنية الحقة يجب أن تكون مؤسسة على قيم المصداقية والشرعية والحرية، وليست مجرد وسيلة لتبرير الحروب والصراعات. وبالتالي نجد أن ماركيز يتفق مع كامو وتولستوي وسارتر وزولا في نظرتهم النقدية تجاه الوطنية إذا استخدمت بشكل متوحش وغير أخلاقي في الحروب والصراعات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.